بمتابعة سمتها التأبين عاش الوسط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي جلسات الملتقى الاقتصادي الذي عقدته وزارة المالية والاقتصاد الوطني يومي 26 و27 الماضيين من الشهر الجاري ، إذ يظن ويعول القائمون على أمر الوزارة وسدة الحكم أن يكون على يدي الملتقى الخلاص والفكاك من منهكات ومقعدات الاقتصاد فيما يرى البعض من غمار الناس أن الملتقى لن يقوى على إزالة عثرات الاقتصاد في ظل العقلية المنفذة والمتنفذة في الاقتصاد لجهة اعتقادهم الجازم أن أزمة الاقتصاد الكلي بالبلاد لا ارتباط لها بضعف النظرية الاقتصادية المتبعة أيا كانت التحفظات عليها بل تكمن في تطبيقها وآلية إنزالها إلى أرض الواقع، وأجدني أقف صفا واحدا مع الفئة الثانية وأقول إن المحك الأساسي والتحدي الأكبر في تنفيذ مخرجات وتوصيات الملتقى على الأرض وجعلها واقعا يمشي بين الناس ولعمري أن مثل هكذا مطلب لصعب في ظل الظروف المحيطة والعقلية المديرة لشؤون وأمور العباد التي سرعان ما تنسى توصيات أي مؤتمر أو سمنار أو منتدى وتجعلها وراء ظهرها نسيا منسيا وليس هذا محض افتراء إنما نتيجة مؤلمة تأصلت في العقول ورسخت في الصدور من واقع الممارسة التي تبديها الحكومة منذ تسنمها أروقة الحكم منذ ما يزيد عن العقدين من عمر الزمان. ولنطرح سؤالا موضوعيا عن ما الجديد في الملتقى وما خرج به لنبني على الإجابة تصورات وتوقعات المستقبل القريب من واقع انفراج الأسارير وعلامات الرضا التي أبداها الجهاز التنفيذي بالدولة من الملتقى ومخرجاته ! فالمؤتمر عندي لم يأت بجديد في علم ونظريات الاقتصاد وأن ما خرج به من توصيات لا نقلل منها ولكن نقول ليس فيها ما يلفت النظر ويخلب الألباب لجهة أن معضلات الاقتصاد بالبلاد واضحة المعالم جلية المظاهر لا تخفى على أدنى متابع ذي صلة ووشيجة وإن وهنت بعلم الاقتصاد حيث أنها تتبرج بلا أدنى حياء في الافتقار إلى القدرة على التنفيذ رغم توافر الإرادة السياسية لكل جهد نظري تعكسه المنابر وتتبناه المؤسسات والوزارات، وخير مثال يمكن الاستشهاد به مشروع النهضة الزراعية الذي لم يزل يراوح مكانه منذ ما يربو على خمس سنوات دون أن يحس المواطن به على أرض الواقع فبرنامج النهضة الزراعية ليس بدعا في هذا المجال إذ أن الأمثلة المشابهة له لا تحصى وتستعصي على العد والحصر إذ لا يجروء أحد كائنا من كان أن ينفي حجم السند السياسي والذي أسدته الدولة للنهضة علاوة على التمويل غير اليسير الذي توافر لإنفاذ البرنامج ومع ذلك تكاد إنجازاته لا ترى بالعين المجردة ليطل تساؤل أين إذن مكمن الخلل وأس البلاء في مشروع النهضة ولماذا لم يعكف القائمون على أمرها ورأس الدولة على مراجعة ما يحدث فيها وهي التي يعتقد الكل بلا استثناء أن المخرج من أزمات الاقتصاد بالبلاد لا يمكن الوصول إليه إلا عبر بوابة الزراعة من واقع الموارد الطبيعية والإمكانيات والخبرات البشرية التي يزخر بها السودان. وكم سررت أن جاء في مقدمة توصيات الملتقى اعتماد الزراعة مصدرا رئيسا للتنمية وكم تمنيت لو أن لم يزد عليها المؤتمرات من توصيات أخر وأن تخصص جل موزانة العام الجديد 2013م للنهوض بالزراعة والنهوض بقطاعاتها في شقيها النباتي والحيواني وأن ترجأ كافة القطاعات الأخرى إلى العام 2014 وما بعده فربما يرى البعض أن مطلبي هذا فيه شيء من الغلو والتطرف في طرحه واستمالة بينة للزراعة بيد أن ما حفزني على الجهر والمطالبة به واقع الموارد الشحيحة التي تعانيها الخزينة العامة حيث لا تمكنها من النهوض بكافة القطاعات وأن تشتيت تلكم الموارد على قلتها على كافة القطاعات لا ينهض بأي منها بجانب أن النهوض بالزراعة ووقوف مشاريعها على أرجلها يسهم في دفع عجلة المنظومة الاقتصادية بصورة أسرع وأعجل من أي قطاع إذ إن نجاح العروة الصيفية مثلا يساهم في تمويل العروة الشتوية من العام نفسه فما بالكم لو تم الصبر على عائدات الزراعة لعروتين كاملتين بعد أن يتم الإعداد لهما جيدا وتوفير كافة متطلبات نجاحهما فإنني أكون ضامنا بتحقيق الاكتفاء الذاتي من أي محصول شريطة التنفيذ الجيد للحزم التقنية الموصى بها وأن يعهد أمر إنزالها لأرض الواقع إلى مختصين تقف على رأسهم إدارة حازمة وحاسمة تعرف ماذا تريد وليكن العام 2014م عاما للتنمية وإرساء البنيات التحتية في المجالات الأخرى من طرق وصحة وتعليم وخلافه ولا يفوت على الجميع أن نجاح الزراعة يسكت كثيرا من الأفواه التي يفغرها الجوع وتخرج ألسنتها المسغبة . فخوفي ووجلي غير المنقطع على الاقتصاد الذي هو عماد كل تنمية ومصدر كل تطلع إن استمر على الوتيرة التي يَسير ويُسيَر بها الآن لجهة أننا سنظل نتمرغ في مربع الفشل فيسلمنا إلى فشل أكبر فالذي أرجوه ويرنو إليه الجميع الفكاك من وهدة التخلف الاقتصادي وتراجع الإنتاج وتقاصر الإنتاجية التي لازمتنا وسائر خلق الله من حولنا على المحيط الإقليمي والدولي يتجاوزوننا رغم قلة مواردهم وضعف بنياتهم التحتية لا لسبب سوى توفر العزيمة الصادقة لديهم على تغيير واقع حالهم فكان لهم ما أرادوا بفعل تنفيذهم لرؤاهم بعيدا عن نير الولاء قصيا عن تحقيق المآرب الذاتية لأجل هذا ما لم نتخلص من الأدواء التي أمسكت بتلالبيبنا وانتشرت جيوشها في حمى ذواتنا لن يكتب لاقتصادنا النهوض وإن عقدنا كل يوم مؤتمر وعلى رأس كل ساعة منتدى فالعبرة بالأفعال لا النظريات والأقوال والذي أخشاه أن يكون الملتقى لا يعدو عن كونه (شو) إعلامي وسياسي تترنم به وزراة المالية وإلا بماذا يفسر تقديم وزير المالية لتوصيات الملتقى للنائب الأول بقاعة الصداقة توطئة لرفعها إلى رئيس الجمهوية ومن ثم مفاجأة الرأي العام أن وزير المالية نفسه يرفعها بنفسه إلى السيد الرئيس في اليوم التالي أفيدونا يا أهل العلم والدراية . فموازنة 2013م لابد أن تترجم فيها توصيات الملتقى بالتأمين عليها من حيث المبدأ ومن ثم اتباع فقه ترتيب الأولويات في إنزالها إلى أرض الواقع ولتكن أولى الأولويات النهوض بالقطاع الزراعي ولترجأ كافة المشاريع الأخرى إلى حين آخر لن يتطاول عهده إن تحسن حال القطاع الزراعي الذي لا يحتاج لكثير جهد من واقع وفرة معطياته وتعدد مشاربه وآلياته التي تنتظر تمويلا تسبقه إرادة سياسية تردفها متابعة لصيقة ومحاسبة آنية لكل مقصر متقاعس في تنفيذ ما يليه وما أوكل إليه من واجب فغياب المحاسبة وضعف المتابعة واختفاء الشفافية وتفشي المحسوبية هي أس البلاء والبلية فبحق الغبش في جميع أصقاع البلاد أرحموهم وأنقذوهم من جيوش الفقر والجهل والمرض بإطعامهم من جوع وتأمينهم من أي خوف .