في ظاهرة فريدة من نوعها والأخطر في تاريخ ولاية جنوب دارفور اقتحمت مجموعة مسلحة قاعة المحكمة الخاصة بجرائم دارفور أول أمس فى سابقة لم تشهدها قاعات المحاكم من قبل، واقتادت المتهمين عنوة من أمام قاضي المحكمة عقب نطقه بالحكم النهائي. يذكر أن المتهمين هم من شاركوا في قضية سرقة أموال تتبع لبنك الخرطوم فرع نيالا كانت فى طريقها الى صرافة بداخل رئاسة بعثة اليوناميد بنيالا بحى النهضة الأشهر الماضية...فمشهد الاقتحام يبدو دراميا مقارنة بالطريقة التي تم بها لكون ان الواقعة كان مسرحها مباني محلية نيالاجنوب التى تقع على مقربة من منزل الوالي والقيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، وهو أمر بحسب مراقبين ينم عن خيوط رفيعة تشير ربما الى وجود تهاون من قبل حراسات الأمن التي تتواجد بكل بوابات المنطقة وخاصة المتواجدين بداخل المحكمة من شرطة المحاكم...حيث علا الاستغراب وجوه المواطنين الذين كانوا بالقرب من المحكمة. والمتابع لمسألة الجرائم في دارفور يجد بأنها تعتبر واحدة من اكبر القضايا التي ظلت عالقة في جميع الملفات الخاصة بدارفور ومثلت حجرة عثرة أمام الكثير من الجولات التفاوضية وخاصة تلك المطالبة بضرورة تقديم مرتكبي الجرائم بدارفور الى محاكمات عادلة، حيث نصت كل الاتفاقيات والوثائق التي وقعت من اجل سلام دارفور الى ضرورة محاكمة المجرمين وكانت آخرها وثيقة الدوحة التي تم بموجها انشاء ثلاث محاكم خاصة بجرائم دارفور فى كل من نيالا والفاشر الجنينة وكان مدعي عام جرائم دارفور، مولانا ياسر أحمد محمد، باشر مهامه الشهر الماضي من المحكمة الخاصة بالجرائم التي ارتكبت في الاقليم، خلفا للمدعي أحمد عبد المطلب، الذي تقدم باستقالته من منصبه، ويعتبر مولانا ياسر هو خامس مدع لجرائم دارفور خلال عام واحد، أولهم نمر ابراهيم وثانيهم عبد الدائم زمراوي، وعصام الدين عبد القادر ثم أحمد عبد المطلب، وقد اعتبر وزير العدل محمد بشارة دوسة فى حديث سابق له حول استقالات المدعين بهذه السرعة ان قضية مدعي جرائم دارفور لغز كبير ، مشيرا الى عدم استقرار المدعين العامين وتعاقبهم. عدد من المراقبين اعتبروا أن الاعتداء على محاكم دارفور يمثل تطورا خطيرا في مسار المنطقة التي تتطلب ظروفها اقامة الكثير من هذه المحاكم الخاصة، لاحقاق الحق وتقديم المجرمين الى العدالة، وكان قرار انشاء محاكم لجرائم دارفور جاء بناء على المطالبة الملحة من اهل الاقليم فى تأهيل محاكم دارفور او انشاء محاكم اخرى فتم فصل المحاكم الخاصة بجرائم دارفور عن المحاكم المدنية الاخرى ولكن محاكم دارفور لم تر النور ولم تباشر أعمالها فى تقديم بعض المتهمين الى محاكمات وخاصة الجرائم المتعلقة بالحرابة وغيرها من القضايا التي ظلت عالقة فى القضية الدارفورية، ويشير هؤلاء المراقبون الى ان عمليات الاعتداء على المحاكم تعتبر خطوة تجاه الغاء قرارات وزير العدل القاضية بانشاء محاكم لدارفور وان هذه الظاهرة قد تدفع القضاة الى عدم العمل فى محاكم جرائم دارفور نسبة لعدم وجود من يحمى قراراتهم تجاه القضايا التى يفصلون فيها وخاصة التى تصل درجة الاعدام ولاسيما ان هذه الظاهرة قد بدأت تتفشى بصورة مخيفة وسط دارفور فى ظل الانتشار الكبير للسلاح وتتمرس القبائل خلف قضايا أبنائهم المجرمين وتوفير الحماية لهم بقوة السلاح، الامر الذى يؤدى الى عدم استطاعة محاكم دارفور تقديم اى عمل ملموس فى ظل التهديدات التى تتعرض لها ، وان هذه المحاكم لا يمكن ان تلعب دورا بارزا فى دارفور واشاعة العدل بين اهل الاقليم الذين تتجاذبهم الأهواء من جراء ما حدث بدارفور من حروبات وقتل. وكان العام 2006 شهد وقوع حادث مماثل مع الاختلاف في النتيجة عندما حاولت مجموعة تتبع لحركة مناوى اقتحام محكمة نيالا وسط بعد ان أطلقت النار الكثيف وقال وقتها نائب والي جنوب دارفور د.فرح مصطفى ان مجموعة تتبع لحركة مناوي قامت بالاعتداء على محكمة نيالا وسط في محاولة لتحرير متهمين من عضويتها أثناء المحكمة، لكنه أشار الى عدم وقوع اصابات بين الجانبين، وقال ان الأجهزة الأمنية تمكنت من احتواء الموقف وألقت القبض على المجموعة المعتدية المكونة من خمسة أفراد، ونوه الى ان حكومة الولاية ستعمل لاعادة الحياة الى طبيعتها وتقديم المتهمين الى المحاكمة العادلة، مشيراً الى أن استمرار مثل هذه الحوادث سيؤثر سلباً على سير تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة وحركة جيش تحرير السودان، مبيناً أن رئاسة الجهاز القضائي بالولاية أعلنت توقفها عن العمل حتى يتم تصحيح المسار، وقبل شهر قامت مجموعة مسلحة بالاعتداء على نقطة شرطة بمنطقة مستريحة بمحلية جبل مون بولاية غرب دارفور وتحرير بعض المتهمين مما أدى ذلك الى مقتل رئيس القسم وآخرين بينما تعرضت ذات النقطة الأسبوع الماضي لهجوم وقتل فيها الكثيرون، وفى المقابل تعرض قسم شرطة برام في عام 2007م الى هجوم من قبل مسلحين يعتقد أنهم يتبعون لحركة العدل والمساواة وقاموا باخراج عدد من المتهمين.