الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابيي..الوطن الضائع والقانون الدولي(2/2)

ظلت ساقية أبيي تدور سنين عددا، وللأسف الشديد لم تراوح مكانها بل تفرز كل يوم جديد تداعيات هي من شاكلة البيضة اولاً ام الدجاجة. وظلت الاوضاع تتدحرج من سيء الى اسوأ وتزداد تعقيدا مع كل دورة من دورات الساقية بدءا ببروتوكول ابيي وملحقه اللذين اعطياء ملكية الارض وحق الاستفتاء لعموديات دينكا نقوك دون اشارة لقبيلة المسيرية بثقلها السكاني وحقوقهم المشروعة في المنطقة.. مرورا باللجنة التي كلفت بتحديد منطقة ابيي (ABC) والتي زادت الامر تعقيدا بضمها اراضي جغرافية لا علاقة لها بادارية ابيي منذ انشائها كما ان اللجنة لم تلتزم بقرار تشكيلها .. وثم محكمة لاهاي وقسمتها الضيزى التي راعت في تحديدها للمنطقة تقسيم البترول بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية (حقل هجليج للمؤتمر الوطني) وحقل (دفرة للحركة الشعبية) واعطاء موارد المياه كلها للدينكا نقوك واما المسيرية وبكل ثرواتهم كان نصيبهم السافنا الفقيرة التي لا ماء ولا كلأ بها .. ثم توالت التعقيدات الامنية والسياسية والإدارية وخلاصتها .. ضحايا بالعشرات ان لم تكن بالمئات في كل حادثة... وجود اجنبي اممي وافريقي بالآلاف افقد السودان سيادته على ارضه وله عواقب وخيمة في مستقبل الايام.. ثم مد وجزر وصراع على الكيفية التي تدار بها المنطقة وصولا لقرار مجلس الامن والسلام الافريقي والذي يوصي لمجلس الامن الدولي بإجراء استفتاء على ابيي في اكتوبر 2013م، والذين يحق لهم التصويت هم عموديات الدينكا نقوك والسودانيون الآخرون المقيمون في ابيي وهذا القرار فيه اجحاف وتجاوز قانوني لحقوق الرحل من قبيلة المسيرية الذين يقضون معظم شهورالعام بالمنطقة.
ويعزي قرار الادارة البريطانية بتبعية الشؤون الادارية لدينكا تويج لمديرية كردفان الى عدة عوامل مثل عدم اكتمال بنية الهيكل الاداري لمديرية بحر الغزال وقلة عدد الموظفين حيث كان هنالك ماموراً واحداً فقط لكل جنوب السودان في عام 1953، اضافة إلى عدم استتباب الأمن والاستهتار بعد قيام دينكا عقار بقيادة مبانق ميتثانق بتمرد ضد السلطات الاستعمارية في رمبيك في عام 1952، والذي اعقبه تمرد دينكا اتوت وتعكس هذه الحقيقة ان طبيعة القرار المذكور قد كانت ادارية بحتة ولا علاقة له بموضوع أراضي دينكا تويج الكائنة في بحر الغزال. وتم تحديد دينكا نقوك في قرار التبعية لمديرية كردفان دون سائر المجموعات الاثنية التي استوطنت في منطقة أبيي منذ القدم بسبب انتمائهم لقبائل جنوب السودان النيلية ولتأكيد ان استقرارهم كأقلية وسط سكان كردفان يستلزم خضوعهم من ناحية الاشراف الاداري إلى صلاحيات المديرية التي يسكنون فيها وسلطات مديرها اضافة إلى ايلولة ملكية المنطقة إلى مديرية كردفان.
ويجب الاشارة في هذا السياق ان السؤال الذي طرحه بروتوكول أبيي الذي صاغه المبعوث الأمريكي دانفورث حول تحديد مشيخات دينكا نقوك التسعة قد كان في ذهن موظفي الادارة الاستعمارية قبل صدور قرار 1905، وتم حسمه في القرار المذكور بأنهم يسكنون في المنطقة المعروفة بأبيي التي تقع في ديار المسيرية في جنوب كردفان مما يستوجب تبعيتهم الادارية لمديرية كردفان بحكم استقرارهم كأقلية في المديرية، بالاضافة إلى تبعية دينكا تويج في قوقريال لنفس المديرية لقلة الموظفين في مديرية بحر الغزال التي انشأت حديثاً وعدم استتباب الأمن والاستقرار في الاقليم الجنوبي كما ذكرنا سابقاً. وتم ابرام ميثاق اخاء في عام 1905 بين الناظر علي الجلة زعيم المسيرية والسلطان كوال الذي تزعم الدينكا نقوك بعد وفاة والده السلطان اروب، ساهم في ازدياد هجرة دينكا نقوك إلى أبيي كما ذكر مفتش المركز ديبوي في تقريره لعام 1920-1921. وذكر ديول هاول ان المسيرية الحمر كانوا يمزحون مع جيرانهم الدينكا تسميتهم المسيرية الطوال، كما تبنى دينكا نقوك عادة الختان السائدة وسط المسيرية. وأصدرت الادارة البريطانية الحاكمة في عشرينيات القرن الماضي قانون المناطق المقفولة كخطوة أولية للحد من انتشار الثقافة العربية الاسلامية إلى شرق وجنوب أفريقيا التي اعتبرتها مناطق نفوذها واستمر هذا التوجه كما يتضح في المنشور الذي أصدره ماكمايكل في عام 1930 بخصوص سياسة الحكومة الجديدة تجاه جنوب السودان والتي تهدف إلى تأسيس سلسلة من الوحدات القبلية المكتفية ذاتياً مع بنية تنظيمية تستند على العادات والتقاليد المحلية واستبعاد المآمير واستبدالهم بكتبة وفنيين محليين والسيطرة على الجلابة وتطوير اللغات المحلية. وتم في ظل هذه السياسة التي كانت تهدف إلى المدى البعيد إلى فصل الجنوب عن شمال السودان وضمه إلى احدى المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا، اجراء تعديل اداري في عام 1935 تم بمقتضاه نقل صلاحية ادارة شؤون دينكا تويج من مديرية كردفان إلى مديرية بحر الغزال بعد استتباب الأمن والسلام فيها ولكي يتم ضمان بقاء أراضي دينكا تويج في اطار الحدود الجغرافية لجنوب السودان في حالة ضمه إلى المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا.
وآثر السلطان كوال أروب الحفاظ على الوضع الراهن بتبعية دينكا نقوك إلى مديرية كردفان لتعودهم على المنطقة التي استقروا فيها في ديار المسيرية ورسوخ علاقات الود والاخاء التي نشأت بينهم وبين سكان المنطقة وادراك زعيمهم بأنهم سيفقدون الأرض إذا ما قرروا الرجوع إلى موطنهم الأصلي لتكون تبعيتهم الادارية لمديرية بحر الغزال. وذكر فرانسيس دينج في هذا الصدد: «صرح كوال اروب لاحقاً لزعماء الدينكا في اجتماع خاص بأن اختياره لم يكن تفضيلاً للعرب على أهله الدينكا، لكنه كان وسيلة لحماية أرضهم ومصالحهم، وإذا كان نقوك قرروا الانضمام للجنوب فإنه يخشى ان يطالب العرب بالأرض على انها ملكهم ويتحولوا إلى جيران معاديين ويجبروا الدينكا على الخروج منها». ويمكن أن نستنتج من مخاوف السلطان كوال بأن تكون نتيجة انضمام دينكا نقوك إلى بحر الغزال فقدانهم منطقة أبيي في جنوب كردفان. ان أبيي قد كانت في فترة الحكم التركي المصري وفترة المهدية ومازالت منذ الغزو الانجليزي الاستعماري في اطار الحدود الجغرافية لمديرية كردفان. وتدحض هذه الحقيقة زعم بروتوكول أبيي بأنه قد تم تحويل منطقة أبيي من بحر الغزال إلى مديرية كردفان بموجب القرار الصادر في عام 1952 والذي نص في واقع الأمر بأن تؤول ملكية موطن السلطان أروب زعيم دينكا نقوك في شمال نهر كير أو بحر العرب إلى مديرية كردفان. فإذا ما استقر دينكا نقوك في جنوب بحر العرب لفترة أطول في العام من فترة استقرارهم في كردفان لآلت ملكية أرضهم وتبعيتهم الادارية إلى مديرية بحر الغزال.
وادراك السلطان كوال اروب ببصيرته الثاقبة ان طبيعة حياة دينكا نقوك والمسيرية تعتمد على الانتقال الموسمي مع ماشيتهم عبر أراضي بعضهم البعض في شمال وجنوب بحر العرب والتي أدت إلى تمتين روح الاخاء والمصالح المشتركة بينهما، تفرض عليه الموافقة على استمرار التبعية الادارية لمشيخات دينكا نقوك إلى مديرية كردفان. كما أدرك أن قبوله خيار الحاق الشؤون الادارية للمشيخات إلى مديرية بحر الغزال قد يثير شكوك المسيرية بأن تلك الخطوة ستقود إلى اعادة ترسيم الحدود وضم منطقة أبيي إلى الحدود الجغرافية لمديرية بحر الغزال مما يؤدي إلى ظهور العداوة والبغضاء وتهديد المصالح المشتركة بينهما. وحانت فرصة أخرى لدينكا نقوك للاختيار بين البقاء في جنوب كردفان والتبعية الادارية لمديريتها أو الالتحاق بمديرية بحر الغزال مما يترتب عليه الرجوع إلى موطنهم الأصلي في جنوب السودان، وذلك عندما قررت السلطات تأسيس مجلس دار المسيرية في عام 1919 لتشارك فيه كل المجموعات الاثنية المستقرة في المنطقة. وزار مايكل تيبس مفتش المركز منطقة أبيي وقدم لدينكا نقوك ثلاثة خيارات:
1- الانضمام لمجلس المسيرية.
2- الانضمام لمجلس قوقريال.
3- الانضمام للمجلس الجديد الذي سيتم تأسيسه في بانتيو في مديرية أعالي النيل.
ويبدو أن الاداريين البريطانيين قد أدركوا ان زعماء الدينكا يفضلون استمرار وضعهم الراهن بالاستقرار في جنوب كردفان والمشاركة في مجلس دار المسيرية إذا تمت افادتهم بأن السلطات قد تخلت عن فكرة الحاق أبيي بمجلس في بحر الغزال وبدأ ارتياح كبير على زعماء وأهالي الدينكا عندما تم ابلاغهم بهذا... وهذا يعني ان هنالك تعاقداً ثقافياً قد نشأ بفعل العيش المشترك والمصاهرة المزودجة ما يعطي المسيرية الدفع بنظرية قانون العقود البريطاني والسوداني وهي مبدأ - استوبيل - الذي يمنع أحد أطراف التعاقد من التراجع عن سلسلة تعامل مستقرة وثابت ما يلحق الضرر بأحد الأطراف وهو المبدأ الوارد في الشريعة الاسلامية - لا ضرر ولا ضرار.
ومن جهة أخرى يعتبر بعد انفصال الجنوب ان قرار دينكا نقوك التمسك بالبقاء في اطار الحدود الجغرافية لشمال السودان في السنوات 1905، 1930، 1953 مندرجاً تحت مبدأ هام من مبادئ القانون الدولي وهو القبول الطوعي دون جدال بالبقاء في الأراضي الاقليمية لشمال السودان وعدم الالتحاق ادارياً بمديرية بحر الغزال. وأقرب مثال لتطبيق مبدأ القبول الطوعي ما حدث في الشكوى التي قدمتها هوندوراس ضد السلفادور لمحكمة العدل الدولية وادعائها ملكية جزيرة مينقوارا Meanquara والتي كانت تخضع لسيادة سلفادور منذ القرن التاسع عشر.
واشارة المحكمة في الحكم الذي اصدرته لصالح سلفادور إلى وجود سلفادور في المنطقة المتنازع عليها لفترة طويلة بدون أي اعتراض أو احتجاج من هوندوراس ولا توجد في الوسائط المقدمة إلى المحكمة أية وثيقة توضح احتجاج هوندوراس سوى في مرة واحدة، جاءت بعد تاريخ طويل من أعمال سيادة السلفادور في مينقوارا وقدم الاحتجاج في وقت متأخر جداً بحيث لا يمكنه التأثير على مبدأ الرضوخ أو القبول الطوعي من جانب هوندوارس لسيادة سلفادور على المنطقة المتنازع عليها.
أبيي الوطن الضائع إلى أين
بعد السرد المفصل لحقائق الجغرافيا، والواقع الاداري لوضعية أبيي منذ العهد التركي، وتأكيد القانون الدولي بأن الحدود الموروثة من الاستعمار يجب أن لا تخضع للتغيير إلا باتفاق قانوني، وتقديم الكثير من الأمثلة على المستوى العالمي والأفريقي المماثلة لحالة أبيي سأقوم بتلخيص الحقائق المجردة حتى يكون المواطن السوداني على بينة من المخطط الرامي لتمزيق وتفكيك وتقطيع أواصل الوطن وأبيي خير مثال:-
الحقيقة الأولى: قضايا السودان بصفة عامة وقضية الصراع بين شمال السودان وجنوبه بصفة خاصة، وفي مقدمة ذلك قضية أبيي خرجت من دائرة الشأن الداخلي ودخلت دائرة الصراع الدولي والاقليمي مع فجر اتفاقية السلام الشامل (CPA) والاتفاقية كما تقول حقائق الواقع هي بكل المقاييس تخطيطاً وتنفيذاً صناعة أمريكية مع غياب الارادة الوطنية.
الحقيقة الثانية: سارت المحادثات بين ممثلي حكومة السودان وممثلي الحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق لمدة ثلاث سنوات حتى استقرت أخيراً في مكان وزمان ولادتها في نيفاشا تحت ضغوط مباشرة وغير مباشرة ممن يطلق عليهم أصدقاء المحادثات وعلى رأسهم أمريكا التي كثفت ضغوطها على الجانب السوداني أكثر من الضغط على الحركة التي كان قائدها أيضاً تحت ضغط مكثف من أبناء دينكا نقوك للوقوف معهم بأن أبيي جنوبية رغم عدم قناعته بذلك مع تغييب كامل لأصحاب المصلحة الحقيقية من أبناء المسيرية.. والنتيجة كانت تجاوز بروتوكول مشاكوس (بروتوكول الأسس والمبادئ لمحادثات نيفاشا) الذي نص بأن الحدود بين شمال السودان وجنوبه حدود 1956/1/1 (الحدود التي تركها الاستعمار البريطاني عند استقلال السودان)... وأخيراً كما يقولون تمخض الجبل فولد فأراً وكان الفأر هو بروتوكول أبيي وملحقه الذي تنازل عن الحقوق المشروعة للدولة الأم كما نص القانون الدولي وكان الاتفاق المشؤوم بأن الحدود بين الشمال والجنوب حدود 1956/1/1 عدا منطقة أبيي ومضمونه استفتاء عموديات دينكا نقوك التسعة والسودانيين الآخرين المقيمين في أبيي دون اشارة لقبيلة المسيرية صاحبة القدح المعلى من حيث الارث التاريخي بالكثافة السكانية.
الحقيقة الثالثة: بروتوكول أبي المذكور منح المنطقة وضعاً انتقالياً إلى حين اجراء استفتاء يقرر سكان أبيي من خلاله مصيرهم بأنفسهم ولكن الخلاف على تحديد من يحق له التصويت حال دون اجراء الاستفتاء الذي كان مقرراً اجراؤه متزامناً مع استفتاء جنوب السودان الذي اختار فيه الجنوبيون الانفصال في يناير 2011.
الحقيقة الرابعة: من الثابت عدم تضمين حق تقرير المصير لأي تغييرات للحدود الموجودة في وقت الاستقلال مهما كانت الظروف.. عدا في حالة اتفاق الدول المعنية على خلاف ذلك.. ولم تتفق الدولتان بخلاف ذلك في اتفاق بروتوكول مشاكوس 2003 الذي أشار بوضوح إلى حدود السودان القائمة في 1956. وهذا الطرح يتماشى مع الارث القانوني للحدود في قارة أفريقيا والتطور الوارد ضمن سياق القانون الدولي المعاصر الذي أشرنا إلى أمثلة منه. وفي حال أبيي ان الاستفتاء لنيل حق تقرير المصير لا يمنح للقرى والفرقان بل إلى شعوب المنطقة بأسرها لتقرر مصيرها وان استثناء المسيرية من هذا الحق ظلم واضح للعيان ولا يرضى بالظلم إلا العاجز عن نيل حقوقه المشروعة.
الحقيقة الخامسة: أمهل مجلس الأمن والسلام للاتحاد الأفريقي حكومتي السودان وجنوب السودان ستة أسابيع للتوصل إلى اتفاق نهائي حول منطقة أبيي اعتباراً من الأربعاء 24 اكتوبر 2012 وذلك بناء على التوصية الصادرة من الوسيط الأفريقي للطرفين والتي قبلها الطرف الجنوبي وتحفظ عليها الجانب السوداني وظل يكرر رفضه لها.. ولكن التناقض في الموقف الرسمي ومسك العصى من نصفها هو سبب كل البلاوي التي تعانيها وخير دليل على ذلك تصريح السيد وكيل الخارجية المناوب في جريدة الانتباهة الصادرة يوم الخميس الموافق 2012/11/29 حيث قال: ان الحل في منطقة أبيي يكمن في تطبيق البروتوكولات الخاصة بالمنطقة التي تم التوصل إليها بشهادة المجتمع الدولي، فضلاً عن استصحاب آراء أهل المنطقة في جميع مراحل الحل!! وتعليقاً على ذلك أقول للسيد الوكيل بالانابة أهل المنطقة كانوا مغيبين في كل مراحل الحل إلى أن وقع الفأس في الرأس... وان البروتوكولات التي أشرت إليها عدا بروتوكول مشاكوس هي التي جعلت جزءاً غالياً من الوطن في مهب الرياح وهي مصدر المشاكل وليس المستعان بها لحل مشكلة أبيي.
الحقيقة السادسة: أقول للسيد وزير خارجيتنا، رغم سعيكم الدؤوب ومحاولة تطمينكم لشعب السودان بصفة عامة وأهل المنطقة بصفة خاصة بأنكم قد أقنعتم القادة الأفارقة بعدم رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي والعمل على حلها داخل البيت الأفريقي أقول لكم اعيدوا قراءة الموقف الذي تجاوز مساعيكم وان القضية ذاهبة لمجلس الأمن الدولي بناءاً على قرار مجلس الأمن والسلام الأفريقي ورفض المحاور الجنوبي العودة لطاولة المفاوضات بشأن أبيي... وسوف يؤيد مجلس الأمن الدولي توصية لجنة الوساطة العليا التي اجازتها الدول الأفريقية في آخر اجتماع لمجلسها في اكتوبر 2012 وان غداً لناظريه قريب ويوم14/12/ 2012م ليس ببعيد وحتى الآن لم تتقدموا بأي طرح للوساطة الأفريقية كمرجعية لحل القضية بالوسائل السلمية ولم تعملوا على كسب ثقتهم رغم أهمية دورهم في سير المحادثات.
التوصيات:
1- الكرة الآن في ملعب مجلس الأمن الدولي وعلى حكومة السودان بذل جهودها مع الدول المحايدة والمتفهمة لخطورة الموقف في أبيي والاحتمالات الواردة لجر المنطقة للمربع الأول إذا لم يتخذ المجلس الدولي قراراً متوازناً يؤمن على الحقوق المشروعة لكل سكان المنطقة.
2- قضية كرواتيا خير مثال لمعالجة قضية أبيي حيث أصدر الاتحاد الأوربي توصيته حول النزاع في كرواتيا أكد فيه قدسية الحدود السابقة للجمهوريات اليوغسلافيا كما أصدر مجلس الأمن قراراً يشير فيه بعدم قبول أي محاولة لتغيير الأراضي بالعنف.
3- التمسك ببروتوكول مشاكوس (الأسس والمبادئ) الذي تتطابق أحكامه مع القانون الدولي ونصوصه الواضحة بأن حدود الاستقلال هي الحدود المعترف بها بين الدول كما ان هذا البروتوكول تتطابق بنوده مع ميثاق الاتحاد الأفريقي عند انشائه.
4- أبيي أرض سودانية تقع مسؤولية حمايتها على الحكومة والشعب السوداني بأسره بأنه الحفيظ على سلامة أراضيه من جميع الجهات وليست مسؤولية المسيرية وحدهم وأخشى ان سادت هذه الفكرة ان تفقد الكثير من أراضي الوطن.
5- لمصلحة دولتي شمال وجنوب السودان أن تكون أبيي منطقة تكامل وتعايش بين الشمال والجنوب للدينكا دورهم الايجابي كصمام أمان للشمال في علاقته مع الجنوب وللمسيرية نفس الدور كصمام أمان للجنوب في علاقته مع الشمال مع اعطاء كل ذي حق حقه في السلطة والثروة.
الحل:
لقد وقعت عدة اخطاء في تناول قضية ابيي. هذه الاخطاء اخرجت القضية من الاطار القانوني والاطار التاريخي والاطار المحلي ودفعت بها الى الاطار الدولي الذي لم يتمكن من حلها وتحقيق السلام لاهلها.
وبالتالي يكمن الحل في عودة القضية للداخل واحالتها وقضايا الحدود الاخرى المستعصية لمفوضية حكماء تكوّن بطريقة متوازنة وبتفويض كامل من حكومتي شمال وجنوب السودان واعطاء المفوضية الوقت الكافي لتقديم حل يشترك فيه اصحاب المصلحة كافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.