على طريقة حُجّاب سلاطين دارفور والمعلنين لقراراتهم وفرماناتهم السلطانيه، في السابق ، يقف الواحد منهم ويسمى «الموقاي» بالأسواق العامة وتجمعات المواطنين، ليعلن قرارات توجيهات السلطان وأوامره، وينادي الناس بصوت جهير حتى يتحلّقوا حوله، ثم يقول قولة أشبه بالديباجة «يا ناس، خَشم خشمي والكلام كلام سيدي..» فيعلن بعدها الأوامر والتوجيهات.. على هذه الطريقة قدم السيد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية من خلال مؤتمر صحفي عقده في منطقة أبيي أول من أمس، عن ما أسماه «صفقة شاملة» مع الشمال، يتنازل فيها الشمال عن منطقة أبيي بقرار رئاسي يتبعها للجنوب، مقابل التفاهم حول ترسيم الحدود والعلاقات بين الجانبين وقضايا ما بعد الاستفتاء. وسبب تشبيهنا للسيد باقان أموم ب«الموقاي» في دارفور ، أن المقترح الذي قدمه وأعلن عنه ليس له فيه إلا «خشمه» الذي نطق به، فهو مقترح أمريكي صميم طرح من قبل في المفاوضات السرية التي جرت نهاية سبتمبر الماضي بين طرفي نيفاشا برعاية أمريكية في منتجع (green tree ) أحد ضواحي نيويورك، وترى الإدارة الأمريكية في اقتراحها أن يتم القفز فوق كل المراحل وتجاوز قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي، بصدور قرار من رئاسة الجمهورية يضم منطقة أبيي للجنوب، كما فعل الحاكم العام الإنجليزي بالسودان عندما أصدر قراراً إدارياً ألحق به المشيخات التسعة لدينكا نقوك بمديرية كردفان بدلاً عن بحر الغزال عام 1905م . وبالطبع رفضت الحكومة هذا المقترح، وعدِّل في مفاوضات أديس أبابا الأخيرة. والسبب الأساس في قضية أبيي والخلاف عليها والتفسيرات والتأويلات والإلتباسات الحادثة، أن القرار الذي ضمّ قطعة أرض في شكل مثلث جنوب بحر العرب كانت تقطنها قبيلة دينكا نقوك بمشيخاتهم التسعة، لكردفان هو قرار ذو طبيعة إدارية أمنية، فبحر الغزال نفسها ضمت لحدود السودان في العام 1903م ، وكانت حدود كردفان آنئذ عند بحر العرب على طول مجرى النهر، ولم تكن المشيخات التسعة لدينكا نقوك تسكن أبيي التي كانت مراعياً لأبقار المسيرية إلا قبل خمسين سنة تقريباً، ولما قام النوير بطرد وإجلاء دينكا نقوك من بحيرة «نو» وبحرالزراف وجنوب نهر السوباط، ولفظهم دينكا ملوال ودينكا توج «أهل سلفاكير» لجأوا إلى هذه المنطقة بقيادة زعيمهم أويل جوك وجدوا فيها المسيرية وفرقانهم حيث توجد مدافن للمسيرية جنوب بحر العرب ومن بينها قبر زعيمهم علي بو قرون أبونفيسة هناك ويوجد خور شهير يسمى خور أبو نفيسة جنوب بحر العرب مما يدلل وجود المسيرية هناك الذين سبقوا دينكا نقوك بالتواجد في المنطقة بما يقارب القرن من الزمان كما تقول الدراسات التاريخية، وعندما تكاثفت الهجمات من قبائل الدينكا الأخرى والحروبات التي كانت تستهدف دينكا نقوك في مناطق سكنهم الجديدةجنوب بحر العرب وعجزت سلطات بحر الغزال التابعة للحكم الإنجليزي عن حمايتهم نظراً لحداثة ضم بحر الغزال للسودان، لجأوا للمسيرية ولمديرية كردفان وقام حاكم كردفان «ب. ت. ماهون» حاكم مديرية كردفان 1901- 1906» برفع توصية للحاكم العام « سير ونجت باشا» الذي بدوره أصدر قرار ضم منطقة المشيخات التسعة وتقع جنوب بحر العرب لكردفان عام 1905م، وتمدد دينكا نقوك نتيجة للمنافع المتبادلة مع المسيرية وللاستقرار والطمأنينة التي وجدوها، في إتجاه الشمال لعدم وجود ما كان يمنع عيشهم في كل مناطق الجزء الجنوبي الغربي لمديرية كردفان. المهم أن المقترح الأمريكي كان يبسط القضية لدرجة الجهل بتاريخها، ويحاول التغاضي عن الحقائق التاريخية المعروفة وعن القناعات المترسخة لزعامات دينكا نقوك، إن كانوا صادقين في علاقتهم مع المسيرية منذ مجيئهم للمنطقة بقيادة زعيمهم جوك ومن بعده كوال أروب وأروب ديت ودينق مجوك ، فالمعاصرون من أعيان دينكا نقوك يدركون هذه الحقائق لولا تأثير الحركة الشعبية عليهم. ويعبّر السيد باقان الذي ردد المقترح الأمريكي وأعاد إنتاجه بطريقته ومن داخل أبيي، عن مسعى للحركة لكسب الوقت وإغواء المؤتمر الوطني بقبول هذه الصفقة مقابل ترسيم الحدود الذي سيتم، رضت الحركة أم أبت، وهذا المقترح مرفوض بالكامل إذا كان القصد منه كل المنطقة، أما لو قصد منطقة المشيخات التسعة جنوب بحر العرب فتلك مسألة قابلة للنقاش وتسوية يمكن النظر فيها أما غيرها فلا .. وإذا كانت هناك صفقة ستتم بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، على حساب أهلنا، فالمسيرية لن يكونوا بالطبع جزءًا منها ولن تمر. ** أما في جانب آخر فقد وجّه السيد سلفاكير رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب صفعة قوية لنائبه الدكتور رياك مشار، في الحوار الذي نشرته الزميلة «السوداني» واتهامه بأنه يسيء التصرف ويعمل على صنع حكومة داخل حكومة وأنه إنفصالي وغيرها من التهم التي كالها له، وهذا الحديث الذي قاله سلفا يفتقر للحصافة السياسية إلا إذا كانت الأمور وصلت لنقطة اللاعودة بين الرجلين، وإن حدثت أي تطورات نتيجة لهذا الحديث الذي بالتأكيد له ظلال أخرى ، فإن النوير سيكون لديهم موقف آخر إذا تغدى سلفاكير بمشار قبل أن يتعشى به الأخير .. والأيام حبالى يلدن كل عجيب...!! نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 28/10/2010م