تصريح السيد رئيس الجمهورية حول انشاء وزارة خاصة بالثقافة يبعث على التفاول رغم ان التجربة السابقة قد افرزت واقعاً مريراً. فقد كانت هناك وزارة للثقافة والسياحة وجاء حدث ثقافي كبير بمستوى الخرطوم عاصمة الثقافة العربية، فإذا بالوزارة وهي وزارة الثقافة تهمش في هذا الحدث الكبير، ويصبح دورها ثانوياً. وكيلا تتكرر المأساة مرة أخرى، لا بد من اشراك المهتمين بالشأن الثقافي، على مختلف اتجاهاتهم، وتنوع اهتماماتهم، وتباين رؤاهم طالما كنا نقول ان هناك تحولاً ديموقراطياً في البلاد، ولأن الثقافة ليست بالامر الهامشي وانما هي في صميم ما تتنازع فيه الامم والشعوب. فالمقاتل الذي يحمل سلاحه انما يدافع - في حقيقة الأمر - عن هوية ثقافية. والمفكر والمثقف والعامل والصانع والفلاح والمعلم والمهني كل هؤلاء يدافعون عن قيم ثقافية. وفي الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) ، عندما كانت الجيوش الالمانية تزحف في عمق الأراضي الروسية، خرج أمر القتال اليومي (دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي) لم يقل دافعوا عن وطن لينين أو ستالين من زعماء البلاشفة، ولأن الأمم والشعوب الحية في أوقات المحن والملمات انما تلوذ وتستعصم بتراثها الثقافي، ولهذا ينبغي أن تكون هناك وزارة للثقافة تتخطى الرؤى التقليدية التي بان قصورها، والتي ظلت تؤكد انها جزء من أزمة التهميش والاقصاء التي دفعت بعض بني الوطن لرفع السلاح. ولهذا نريدها وزارة تتخطى الحواجز، وتخرج من قوقعة (الخرطوم) إلى فضاء السودان الرحب - الثري بإبداع ابنائه، الغني بتراثه الثقافي - فكيف لنا ان نحلم - مجرد حلم - بوزارة فاعلة تعكس وجه السودان المشرق بآدابه وفنونه وثقافاته المتعددة والبهية؟.