عندما تحين اللحظة الحاسمة في حياة كل امرأة متزوجة ويأتي «الطلق» معلنا بداية عملية الولادة التي تعتبر ميلاداً جديداً، فهى أسعد وأصعب لحظات حياة المرأة، فتشعر فيها بالألم، والضعف، والوحدة، فتتلمس حينها من يواسيها ويشعرها بالأمان.. وتعود الناس على ان مساندة المرأة التي تضع حملها تاتي من أمها وحماتها وبقية العقد النضيد من نسوة الجيران والاقارب.. وعلى الزوج أن يشكل غياباً دائماً امام غرف التوليد.. «الصحافة» تبحث عن الزوج الغائب الذي يعتبر المعين لزوجته في تلك اللحظة العصيبة ليشاركها آلامها وفرحتها .. بحثاً عمن يقبل ومن يرفض . وفي مجتمع مازال معظم سكانه في طور الحياة التقليدية ولم تمس الحداثة الا مظاهر استخدامه لبعض مخترعات التكنولوجيا دون ان تغير من طريقه تفكيره، تظل مستشفيات الولادة وغرف التوليد فيها عصية على وجود الازواج بالقرب من زوجاتهم وهن يقفن على شفا لحظات فارقة ما بين الحياة والموت، ويستنكر معظم الرجال فكرة الوجود بالقرب من مستشفيات «الدايات»، ولعل الطرف والنكات التي تروى في اجهزة التلفاز والاذاعات والمسارح التي تقدمها فرق النكات عن كراهة البعض النزول في محطة مواصلات اسمها «الدايات» لعلها دليلاً على تجذر السلوك، ويرفض عدد كبير من الرجال المتزوجين مجرد فكرة الذهاب لمقابلة طبيب النساء والتوليد باعتبارها تقلل من مكانتهم في مجتمع يصنف الناس على اساس مدى الشدة والباس والرجولة، ويؤكد محمد عبد الله ان زوجته تعاود طبيب النساء مع حماته ويقطع بالقول انه لم يزر عيادة نساء وتوليد ابداً، واذا كان البعض يرفض مجرد الذهاب مع زوجته الى عيادة النسوة والتوليد لمتابعه حمل زوجته فإن حضور موعد الولادة يعتبر ضرباً من المستحيل. يقول علي الصادق ذو السبعة والثلاثين عاماً انه لم يحضر عمليات زوجته الثلاث، مشيرا الى انه يتعمد الانشغال بالعمل لفترات طويلة عند الايام الاخيرة لوضع زوجته، وكشف الصادق ان الامر يتطلب احيانا ادعاء السفر تلافيا للجلوس امام مستشفى القابلات، بينما يرفض آدم عبد الله كلية فكرة ان يذهب الى مستشفى الولادة لحضور عملية الوضوع، مؤكداً ان جل ما يعنيه في عملية الولادة هو اعطاء زوجته قيمة تكاليف المستشفى قبل مدة كافية من ميعاد الولادة. إلا أن معتصم الموظف باحدى الشركات التجارية يؤكد ان لديه الرغبة في الحضور مبكرا الى المستشفى، بيد ان اصوله التي ترجع الى احدى الولايات الوسطى تمنعه من ذلك، مشيرا الى ان ما يفعله هو الحضور بعد انتهاء عملية الولادة لتلقي التهانئ والتبركيات بحضور ولي العهد، ويعترف معتصم بأن سلوكه انتهازي، مضيفاً أن هذا هو واقعنا ومجتمعنا، ومع نمو حركة التعليم ودخول مستحدثات التكنولوجيا من اجهزة البث الفضائي وشيوع المعرفة فإن البعض بدأت تزول عنده المخاوف من الوجود امام مستشفيات الولادة. يؤكد حسن الامين أنه ظل موجوداً امام ممر غرفة الولادة لاكثر من ساعة في انتظار انتهاء عملية الولادة، مشيرا الى ذلك السلوك ليس عيباً في حقه، مؤكداً أن تلك اللحظات التي تعانيها زوجته تتطلب منه الوجود ليس امام غرفة التوليد، بل الدخول الى غرفة التوليد ومشاركتها تلك اللحظات. وقد تبدو فكرة الامين جريئة، إلا أن مجرد طرحها يظل عصياً على التناول في ظل ضعف الخدمات الصحية بالبلاد ونقص مقدمي الخدمات الطبية. ومع ازدياد حراك التعليم والتطورات التكنولوجية وسياسات التحرير الاقتصادي وشيوع منظمات المجتمع المدني، بات من المؤكد قبول فكرة وجود الازواج أمام مستشفيات الولادة .. وقد يأتي حين من الدهر يستعجل فيه محدثك بأنه عليه اللحاق بموعد دخوله غرفة العمليات لمساندة زوجته في عملية الولادة.