٭ قد يندهش البعض من التطرق لهذا الموضوع باعتبار ان واقع الحياة من الغلاء وغموض التخريبية التي اصبحت انقلاباً.. لا يحتمل مثل هذه الكتابات التي لا تعبر إلا عن هموم مجموعات صغيرة مازالت تراودها الأحلام الرومانسية.. ولكني اقول لهؤلاء بالفعل الحياة صارت ذات ايقاع سريع وفارغ وحزين، ولكن هذا لا يعني نهاية الحياة.. ولا يقضي على الأمل. ٭ دعوني أقول لكم وللكل.. كانت ومازالت وستظل الحاجة المتأججة لدى أية أمة من الأمم تتطلع للجديد المفيد، وتعمل على تحقيق هذا الجديد الذي تتطلع اليه الأمة، وتبرز تلك الحاجة بشكل واضح واحتدامي لكل ساحات العمل الفكري والثقافي عند المنعطفات الحادة أو الهادئة التي قد تنتج بفعل متغريات سياسية واقتصادية. ٭ في السودان نتحدث كثيراً عن معنى الثورة الثقافية والبعث الحضاري باعتبار أنهما ركن جوهري وأساسي في عملية إحداث التغيير المنشود في حياة الإنسان السوداني.. ويدور حديث أكثر حول أصل هذه الثقافة ومكوناتها.. والحديث يتصل أكثر عن مفهوم المثقف ومن هو وما دوره في الحياة العامة. ٭ والحقيقة أن الاهتمام بهذا الموضوع لم يكن هنا في السودان وحده، وإنما ظل كامل الحضور وبالصورة الملحة في جميع البلدان التي تشابه ظروفها ظروفنا.. لا سيما البلدان العربية والإفريقية. ٭ ومنشأ الوقفة الطويلة والاهتمام بهذه القضية واحد، وهو الإطار الذي تحاول بعض الجهات أن تضع فيه المتعلم وتحد من قدرة عطائه وتفاعله مع قضايا أمته.. وبالتالي فإن التساؤل القائل.. هل المواطن الذي اجتاز العديد من مراحل الدراسة النظامية هو المثقف المعني بتحمل أعباء ريادة العمل؟ أم أن هناك تعريفاً آخر للمثقف؟ ٭ المعنى اللغوي لكلمة مثقف واضح.. إذ أننا نقول إن الذي يثقف الرمح أو السيف يجعلهما شديدي الحدة والفاعلية، ومن هنا قد يكون الإنسان متعلماً بمعنى أن يجيد القراءة والكتابة كما يكون السيف سيفاً والرمح رمحاً، ولكن العبرة في الفعالية، وإذا كانت فعالية الرمح أو السيف في الحدة والمضاءة.. تكون فعالية المتعلم في مقدرته على تحمل هموم الحياة وهموم الآخرين، والعمل على مساعدتهم في تغيير حياتهم إلى الأفضل على الدوام. ٭ وعند مطلع شمس كل يوم جديد نجد أنفسنا في أشد الحاجة إلى طاقات المتعلمين المثقفين، فهم وحدهم جنود هذه المرحلة وحداتها.. وهذا لموضوع يسكن ذهني وخواطري على الدوام.. إلا أن ضرورة طرحه للمناقشة تجددها ظاهرات كثيرة أخذت تكتنف أجواء حياتنا الثقافية والفكرية، وخطورتها تكمن في أنها تتعلق بمفهوم البعث الحضاري للأمة السودانية، وأهمية الغوص من أجل حسم موضوع الهوية الذي تحيط به المخاطر في جو الرجعة إلى الجهة والقبيلة والعنصر. أواصل مع تحياتي وشكري.