على الرغم من نبرة التفاؤل التي حملتها تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي جوزيف استافورد حول إمكانية ان تشهد الفترة الثانية للرئيس الأمريكي باراك اوباما تحسناً في مستوى العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، الا أن مراقبين يشيرون الى أن كلام الرجل ربما جاء على سبيل الدبلوماسية الناعمة التي دائما ما تستبطن الأشياء وتميل للتعامل بليونة حتى عندما تستدعي المواقف الحدة، فاستافورد ليس المسئول الأمريكي الاول الذي يتحدث عن رغبة بلاده في تطبيع علاقتها مع السودان، فهناك من سبقوه في هذا المضمار،على رأسهم المبعوثون الأمريكيون الذين تداولوا على ملف السودان منذ سنوات، وعلى الأخص المبعوث أسكوت غرايشن الذي وصفه البعض بأنه من أكثر السفراء الأمريكيين فهماً وإداركاً لطبيعة العلاقة مع السودان، ولكن ما يميز تصريحات الرجل بحسب متابعين انها جاءت في بداية مرحلة ثانية للرئيس اوباما وهي مرحلة كما هو معروف تشهد تحررا من قيود كثيرة تفرضها مجموعات الضغط التي تتبنى القضايا وتعبر عنها تحقيقا لمصالحها المتقاطعة، وهو امر عبر عنه السفير احمد عبدالله مدير الإدارة الأمريكية بوزارة الخارجية عندما أشار الى ان «الإدارات الأمريكية المختلفة لم تستطيع ان تتحلل من هيمنة تلك المجموعات التي نجحت في وضع السياسة في إطار محدد» مراقبون يذهبون إلى القول بان علاقات أمريكا دائما لا تبنى على التصريحات التي تقال في الإعلام، وإنما تنطلق من تقارير لجان متخصصة، ويقول المحلل السياسي د.عبدالرحمن احمد في حديث ل(الصحافة) امس ان تصريحات السفير الأمريكي ربما جاءت في سياق العلاقات العامة، لان سياسة بلاده الخارجية مربوطة بعمل اللجان الاخرى على رأسها لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، ويضيف عبدالرحمن «السفارات من مهمتها جمع معلومات بحيث تمكن الدولة من وضع سياستها التي تصنع عبرها علاقاتها مع الدول الاخرى» وينوه الى ان التوقعات في الولاية الثانية لاوباما دائما تأتي في بداية البرنامج لذلك فان تحسين العلاقات يعتبر حلماً بالنسبة للسودان، ويقطع عبدالرحمن بان القضايا الداخلية في السودان أصبحت الآن تحتل مكانة بين مراكز القوى داخل الولاياتالمتحدة على رأسها المنظمات اللوبية، التي تضغط باستمرار في سبيل تحديد خطوط للعلاقة مع الدول الاخرى، وهو ما ذكره السفير احمد عبدالله خلال حديثه في الندوة التي اقيمت اول امس بدار اتحاد الصحفيين حيث قال» ان السودان لديه قاعدة داخلية كبيرة بدأ تأسيسها منذ التسعينيات من خلال منظمات دينية مسيحية شكلت حملة ضخمة نتيجة لعدة عوامل مختلفة مما نجحت في تشكيل وبناء صورة ذهنية لدى المواطن الأمريكي تجاه السودان، وبالتالي فإن الكونغرس الأمريكي يعمل بحساسية تجاه هذه المنظمات، وأصبح منخرطاً جدا في قضية السودان بشكل ملفت» لكن البعض ربط تصريحات استافورد بما تم في دهاليز الإدارة الأمريكيةالجديدة والتي دفعت بالسناتور الامريكي جون كيري على رأس وزارة الخارجية، وهو ما اعتبره الكثيرون امرا مبشرا ويمكنه ان يدعم خط التوجه الأمريكي الرامي الى تحسين العلاقات لكون ان كيري كانت له محاولات من قبل عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس حيث زار السودان مرتين كان يسعى خلالهما الى معرفة كنه العلاقة بين بلاده والسودان، وهو يقف في اتجاه عكس الوزيرة السابقة هيلاري كيلنتون، ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسور على الساعوري ان الأمريكان لا يعرفون دائما الكضب او الصحة فقط قضيتهم تبنى على المصلحة، ويضيف» معروف ان اوباما في ولايته الثانية سيكون متحررا اكثر من الهواجس هل يعاد رئيسا ام لا وهو امر يجعل نفوذه راجحا أكثر من قبل، ويشير الساعوري في حديث ل(الصحافة) إلى ان السياسة الخارجية الأمريكية عادة تشارك فيها اللجنة الخارجية ومجلس الشيوخ، ويضيف « اذا كانت هناك جدية من الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بملف العلاقات مع السودان في تقديري فإن وجود جون كيري على رأس وزارة الخارجية يمكن ان يساهم في إعادة دراسة للعلاقة مع السودان ونتيجة لتلك الدراسة قد تتحسن العلاقة او لا تتحسن لان كل الاحتمالات واردة من واقع ان الأمر مرتبط بعوامل كثيرة جدا وليس عاملا واحدا» وينوه الساعوري إلى ان كيري لم يكن متفقاً مع هيلاري في مواقفها تجاه السودان وكان مخالفا أيضا لمنظمات الضغط. وبحسب ما ذكر فإن الحكومة السودانية في بعض مراحلها حاولت البحث عن مداخل اخرى لإصلاح العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، من بينها تشكيل جماعات ضغط مشابهة لتلك التي تعمل الآن في تحديد مسار السياسة الخارجية الأمريكية، وهناك من يقول ان السودان حاول تجنيد بعض الشخصيات والمؤسسات التي لديها باع في شغل العلاقات العامة وقام في مقابل ذلك دفع الكثير من المبالغ المادية لكون ان طبيعة العمل تحتاج الى أموال كبيرة لتحقيق الأهداف المرجوة، ولكن وفقا لمقربين فإن تلك السياسة لم تؤتِ أوكلها وفشلت امام المد القوى لتيار المنظمات اللوبية، ولكن د.فاروق وهو مواطن سوداني عاش كثيرا داخل أمريكا يقول ان أمريكا دولة مؤسسات ونظام ولكن اوباما لديه المقدرة بان يقرر أشياء في مصلحة بلاده، ويضيف»بحكم معايشتي لطبيعة المجتمع الأمريكي اعتقد ان السودان يحتاج الى تكوين لوبي سوداني، نحاول من خلاله ان نفهم الذهنية الأمريكية، وماذا تريد، نحتاج إلى اختراق للإدارة الأمريكية الحالية ويمتد هذا في المستقبل»