المفوضية الوطنية، أى القومية، لحقوق الإنسان، مؤسسة توافقت على أنشائها معظم دول العالم بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى أستند على ما يعرف بمبادىء باريس لسنة 1991، لإيجاد منظمة وطنية مستقلة تصدر بقانون خاص، وتخصص لها موازنتها المنفصله، بهدف تعزيز وإحترام وحماية حقوق الإنسان بشتى السبل الواردة فى مبادىء باريس إلتى أجمعت عليها الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى على حد سواء. المفوضية القومية السودانية لحقوق الإنسان تأسست بقانون فى العام 2009، وتم تعيين الرئيس والأعضاء فى العام التالى وشرعت فى مباشرة أعمالها. على الرغم من أن ذلك القانون ذهب للحد البعيد فى تبنى مبادىء باريس إلا أننا فى المجتمع المدنى تحفظنا بعض الشىء على بعض من الأعضاء الخمسة عشر بإعتبار أن تعيينهم من النظام الحاكم قد يحجب عنهم الرؤية الموضوعية لواقع حقوق الإنسان وسبل التصدى لها والدفاع عنها، إستناداً على واقع الحال الذى ظللنا نلامسه خاصة من الجهات العدلية والأمنية والشرطية، ومواقفها إزاء التجاوزات والإنتهاكات اليومية. هذه المقدمة نرى أنها ضرورية للتعرض لما حدث داخل وأمام مقر المفوضية ظهر الأحد 30 ديسمبر 2012. ففى أبان حملة تصعيد عنيفة قامت بها السلطات فى الآونة الآخيرة من خلال الجهات التنفيذية المختصة بتسجيل عمل المنظمات والجمعيات المدنية، منها مركز الخاتم عدلان، إتحاد الكتاب السودانيين،المرصد السودانى لحقوق الإنسان، وسوديا، ومركز الدراسات السودانية، وبيت الفنون، اللتان جمد نشاطهما بقرار من وزير الإعلام، كل ذلك بدعاوى مخالفة القانون وتهديد الأمن الوطنى!!. إزاء هذه التطورات الخطيرة تدافعت عشرات من المنظمات والجمعيات على التقدم بمذكرة إلى مفوضية حقوق الإنسان إحتجاجاً على تلك الهجمة والمطالبة بوقفها، أو إتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المخالفين للقانون، خاصة أن كان هنالك تهديد للأمن القومى. التقى لفيف من أعضاء المنظمات والجمعيات المذكورة للتقدم بمذكرتهم تلك إلى مقر المفوضية، غير أن قوات أمنية وشرطية حاولت منع المتجمعين من دخول مقر المفوضية، تدخل بعض أعضاء المفوضية لإستقبال عدد من الحاضرين إلا أن القوات أخرجتهم عنوة وواجهوا رئيسة المفوضية السيدة آمال التنى والمفوض المحامى الطيب هارون بأن لديهم أوامر من جهات آخرى بمنع دخول أى فرد، على الرغم من حجة الرئيسة وأعضاء المفوضية أن وجود أى شخص فى مقر المفوضية شأن يخص المسؤولين عنها. لكن هيهات ... كان رد رجال الأمن أنهم لا يتلقون أوامرهم من المفوضية!! أخُرج بعض من دخل من أعضاء المنظمات قسراً وتم إعتقال أثنين منهم هما فيصل محمد صالح ومحمد امين. أحتجت على أثر ذلك المفوضة السيدة مريم تكس ودفعها إصرارها أن تعتقل معهم أن كان الأمر كذلك . فجاء الأمر مدوياً من سلطة أعلى ..أرفعوها معهم !! فركبت سيارة الأمن ..إلى حين سمح للآخرين المعتقلين بالنزول والإنصراف.. أنفض الجميع والشرطة من خلفهم تدفعهم دفعاً للإنصراف مع تفلت صريح فى السب والإساءة والضرب المبرح للصحفى عبد الباقى العوض أمام الجميع، سدت بعدها جميع الطرق المؤدية إلى المفوضية وأنتهى السامر. لم تتوان المفوضية بعدها فى إصدار بيان شديد لهجة الإحتجاج على الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فى عقر دار المفوضية المعنية، أو إلتى ينبغى أن تكون معنية، بحماية الحقوق والحريات الأساسية. إثر ذلك أصدرت المفوضية بيانها الصحفى الذى أكدت فيه أن ما حدث يعد إنتهاكاً صارخاً للدستور الإنتقالى ولقانون المفوضية وحرمتها وحصانتها ويحول دون أداء المفوضية المهام التى انشأت من أجلها وأنها ستعمل لضمان عدم تكرار ذلك. نختم، فنقول إن ما حدث فى ذلك اليوم أمر مشين ومعيب ويشكل إنتهاكاً سافراً للدستور والأعراف والأخلاق، وإستخفافاً بدور المفوضية المرجو، ولن يفوتنا أن نشيد بموقف رئيستها وأعضائها ونرجو لهم ولمواطنينا التوفيق والعيش فى عزة وكرامة ونذكر مسؤولينا بقوله سبحانه وتعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" صدق الله العظيم. حاشية : وأمس 31 ديسمبر صدر قرار إدارى بإلغاء تسجيل مركز الخاتم عدلان للإستنارة، والبقية تأتي ..