مخرجات القمة الرئاسية لدولتي السودان التي عقدت بأديس أبابا، تبدو عادية بالنظر الى ما أنجز سابقا فيما عرف باتفاق التعاون اضافة الى الحاجة لحلول آنية، لكون أن التصريحات التي قالها الطرفان لم تأت بجديد في كثير من جوانبها واكتفت فقط بتأكيد ما هو موجود وظل الطرفان يلفان في فلكه منذ توقيع الاتفاق في سبتمبر الماضي، هذا رغم نبرة التفاؤل التي عبرت عنها الوساطة ممثلة في ثامبو امبيكي ورئيس الوزراء الاثيوبي هايلي ماريام الرئيس الحالي للايقاد ، وصفا القمة بالناجحة، وعبرا عن ارتياحهما للنتائج، ولكن الناظر الى القضايا محل النقاش بعين فاحصة، مع استصحاب تعقيدات الملف بين الدولتين، يمكنه ان يعطي نقطتين تبدوان أكثر أهمية فيما توصل اليه الطرفان في أديس ابابا، حيث تمثل تلك النقطتان بؤرة التمركز الرئيسية التي يدور حولها محور الملف، وهما نقطتان كثيرا ما تكسرت عند جدارهما أشرعة البحث عن الحلول منذ ان تم توقيع الاتفاق، أولها قضية فك الارتباط بين الحركة الشعبية قطاع الشمال ممثلة في الفرقتين التاسعة والعاشرة والجيش الشعبي بالجنوب، وهي النقطة التي وجدت اشارات وصفت بالقوية من قبل رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت الذي تعهد بالتزام مكتوب للوساطة بشأن الاجراءات في فك الارتباط، وفقا لامبيكي الذي قال «ان كير أبلغ القمة بأنه يتعين على جنوب السودان أن يقطع أي علاقات تربطه مع قطاع الشمال» ، وأهمية هذه القضية تكمن في ان المتابع لمجريات المباحثات التي عقدت بين الجانبين سواء ان كانت في الخرطوم او جوبا او حتى أديس يجد ان ملف فك الارتباط، كان دائما العقبة الكؤود التي تفشل لجان التفاوض في تجاوزها، لكون ان دولة الجنوب دائما ترفض ادارة الملف في أجندة المباحثات، في وقت يصر وفد السودان على تضمينها ضمن الترتيبات الأمنية، مما يضع العملية برمتها في مهب الريح وهو ما حدث كثيرا. وبالتالي فان هذه النقطة تخلق انطباعا جيدا بحسب المتابع بان رئيس دولة الجنوب جاء الى هذه القمة بشئ من الجدية لكون أنها بادرة تعطي قدرا من حسن النوايا في اطار المضي قدما لتنفيذ الملف، فالمؤتمر الوطني وفقا للناطق الرسمي باسمه بروفيسور بدرالدين أحمد ابراهيم قال «ان تعهد سلفا يعني حسن النية ومبادرة حقيقية وحرص من الجنوب للتنفيذ باعتبار ان قضية فك الارتباط كانت واحدة من القضايا المتعثرة»، بينما يقول المحلل السياسي د. أحمد عبدالرحمن ل«الصحافة» « في تقديري ان تعهد سلفاكير كتابة بفك الارتباط مع قطاع الشمال يمثل نجاحا كبيرا للأطراف لكون ان القضية الأساسية المتوقف عليها النقاش في السابق هي ان الجنوب يأوي الحركات المتمردة» ، وأضاف»بالتالي فان باقي الأشياء ستحل بالتدريج تباعا مع الحوار». ويقول المحلل السياسي د. أحمد عبدالرحمن ان تعهد سلفا سيحفظ للسودان ماء وجهه ويجعله قادرا على السماح بمرور نفط الجنوب لكونه رهن مرور النفط وغيره بفك الارتباط. ولكن مثلما ان بادرة سلفا تحمل أهمية لا يمكن تجاوزها، الا ان هناك من يحذر من سوء العاقبة حالما لم يستطع الرجل الوفاء بوعده، انطلاقا من العقبات التي يمكن ان يضعها الناقمون على الاتفاق بالجنوب وعلى أي خطوة ايجابية تصب في خانة التصالح، وهؤلاء كثر كان النائب الاول لرئيس الجمهورية على عثمان طه قد أشار اليهم خلال حديثه الأسبوع الماضي في حوار مع التلفزيون، وهنا يقول بروفيسور بدرالدين «ان هذه قضية مطلوبة في هذا الوقت ولكن قطعا تحسمها على ارض الواقع الخطوات العملية في ترتيبات اللجان وترسيم الحدود، باعتبار انها قضية متداخلة في اطار امني لا يمكن ان تحسم فقط من خلال الأحاديث او المكتوب لان الواقع هو ما يتم ترتيبه على الأرض وبعدها ستكون هناك دولتان ولجان للمراقبة اذا حدث أي تجاوز». فيما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. عمر عبدالعزيز «ان تعهد سلفاكير كلام يحمل الكثير من الخطوط المبهمة، ورغم انه وعد كتابة بفك الارتباط لكن عندما يعود سيجد هناك تيارات رافضة وقوية في انتظاره، لان الحركة الشعبية قطاع الشمال هي جزء من الحركة الموجودة في الجنوب، مما يعني ان هناك مؤثرات عملية ستؤثر في هذا لالتزام» . ويري عمر بان الاجراءات العملية قد تحمل مفاجآت تجعل الطرفين يتراجعا خاصة اذا كانت لديهما نية مبطنة للتراجع، ويضيف»الشمال كان جادا وعبر عن ذلك ولكن الجنوب كما عهدناه كثيرا ما يتراجع عن اتفاقاته» . ويقول د. أحمد عبدالرحمن «بأنه سواء ان صدق سلفاكير او لم يصدق فان ذلك يحسب عليه». والنقطة الثانية بحسب ما ورد في منطوق تصريحات الجانبين هي المصفوفة التي ستعلنها الوساطة لاحقا ووقع عليها رئيسا البلدين، ووفقا لامبيكي «ان القمة كلفت الوساطة باعداد مصفوفة تتضمن مواقيت زمنية محددة بانزال الاتفاقيات على أرض الواقع»، وتكمن أهمية هذه الجزئية في انها تمثل جدولا زمنيا للتنفيذ وترتيب الملفات سيما وان هذا الأمر كان أيضا مثار جدلا طويل شهدته قاعات الاجتماعات، بحيث كثيرا ما اختلفت الدولتان حول أولوية الملفات ومن اين تكون البداية ففي وقت كانت تشدد الخرطوم على تنفيذ الملف الأمني باعتباره المسلك الذي تمره عبره باقي القضايا، تري جوبا ضرورة البدء بملف النفط لكونه شريان الحياة بالنسبة للدولتين، وفوق كل ذلك تمثل المصفوفة بحسب مراقبين نقطة تحول في مسار تنفيذ الاتفاق الذي لازمه الجمود والبطء منذ توقيعه وحتى الان، وذلك لان الطرفين كانا يفتقدان الى الآليات المناسبة لانزال ما اتفقا عليه الى ارض الواقع، وهنا يشير بدرالدين أحمد الى «ان المصفوفة أمنت على كل النقاط المطلوبة لتنفيذ الاتفاق بارادة الرئيسين ومباركتهما لها وتأكيدهما وبالتالي فان الخطوات القادمة ستكون بناء على هذه المصفوفة» . وبحسب بيان القمة الذي صدر فان الرئيسين وجها باكمال المصفوفة وتطبيق كل الاتفاقيات المتعلقة بالترتيبات الأمنية من خلال اجتماع اللجنة السياسية المشتركة بين البلدين في 13 يناير الجاري بأديس أبابا. بيد ان القمة نفسها التي سحبت عشرة ايام قبل موعدها الذي حدد أولا في الرابع عشر من يناير الجاري، يعتبرها مراقبون جاءت برغبة الطرفين ونتيجة لدوافع حقيقية في انهاء ما علق في افق العلاقة بين البلدين منذ الانفصال، هذا اذا أخذنا في الاعتبار ما تشهده اوضاع البلدين اقتصاديا وامنيا، وهو امر بدوره سيعزز امكانية الحل الشامل، فالناطق الرسمي باسم وزارة خارجية الجنوب ميوم الير تبوك يقول ل«الصحافة» امس «نعتقد ان هذا الاتفاق سيدفع بروح جديدة ويحدث انعاش ويفتح الطريق امام الطرفين» . وأضاف»بالتأكيد ستكون هناك توجيهات رئاسية خلال الأيام المقبلة بشأن الانطلاق في تنفيذ الاتفاق، مما يعني ان هناك تنفيذا سلسلا سيتم»، ويري ميوم ان المشكلة في السابق كانت في كيفية ان ينطلق الحوار، وزاد»الآن نحن نبدأ ونتفاءل»، وأشار ميوم الى ان دولته تري بان مجرد الشروع في ترسيم المنطقة العازلة ، تلقائيا سيتم التأكد من الاتهامات المتبادلة لان عملية فك الارتباط حاجة تتم بالعمل وليس حديث فقط» ، ويقول د. عمر عبدالعزيز ان نتائج القمة تمثل خطوة ممتازة وايجابية لكون ان هناك بعض المؤشرات الدالة على رغبة الطرفين في الحلول، رغم ان الكلام فيها عمومي ولكنها ليست نهاية المطاف لان الكروت المقلوبة لا تزال موجودة». ويري بدرالدين أحمد ابراهيم «ان السودان من جانبه امن على الالتزام بكل ما تم وابدي حرصه على اقامة سلام حقيقي وتنفيذ كل ما يليه بشأن الاتفاق». وأضاف»اللقاء كان لتعزيز الاتفاقات واعطاء الدفعة الأساسية باعتبار ان رئيسي البلدين هما الذين شهدا التوقيع، بالتالي تم التأمين على كل ما يترتب عليه» ، ويقول المحلل السياسي الجنوبي اتيم سايمون ل«الصحافة» امس «ان القمة انعقدت بعد توافر قناعة من الطرفين بعكس المرات الفائتة مما يؤكد وجود حالة من الارتكان للحلول العقلانية في توقيت بلغت فيه الأزمة مداها البعيد» ، وأضاف اتيم «هذا يعني انحسار موجة التشنج السياسي التي كانت تتسيد المشهد كله في الفترة الماضية ، وقد كان باديا في آخر خطابات جماهيرية للرئيسين» ، وزاد» ان لم تضع القمة النقاط على الحروف الا انها بينت ان ثمة حوار يمكنه ان يستمر ويتواصل».