نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدشن أغنيتها الجديدة (أخوي سيرو) بفاصل من الرقص المثير ومتابعون: (فعلاً سلطانة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدشن أغنيتها الجديدة (أخوي سيرو) بفاصل من الرقص المثير ومتابعون: (فعلاً سلطانة)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطلعات الجماهير تتصدر رسائل الميرغني «2-2»
نشر في الصحافة يوم 13 - 02 - 2013

يبدو أن السيد محمد عثمان الميرغني أراد أن يمسك بزمام المبادرة للتعامل بحسم مع الملفات السياسية والاقتصادية بمبضع الجراح وليس بمسكنات «البندول» المنتشرة في صيدليات النظام التي بدأت تظهر آثارها الجانبية على جسد المجتمع السوداني المثخن بالجراح، عطفاً على خطاب الاستقلال: «لن نركن إلى الاستسلام والضعف، بينما الدماء تسيلُ كل يومٍ، والجراحُ تزدادُ عمقاً، والضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلادُ جعلت الغالبية العظمى من أبناء شعبنا، يعيشون تحت خط الفقر، وضاق عليهم الوطن بما رحب، وبلادنا تزخر بالموارد التي تكفيهم، لو تمَّ استعمالها بالتدبير اللازم، وقطعت يد الفساد التي تنهب قوت الفقراء، وتسرق اللقمة من أفواه الجياع، وردَّ لكل صاحب حقٍ حقه، فالمواطن السوداني صاحب حق أصيل في موارد بلده، وفي توزيعها العادل على بنيه كافة، دون جور واحتكار، اهتداءً بقوله تعالى: «ولا تأكُلُوا أموَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ وتَدلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لتَأَكُلُوا فَرِيْقَاً مِنْ أَموالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
فالمدخل الحقيقي للانهيار الاقتصادي جاء عبر سياسة التحرير التي ابتدرها طيب الذكر السيد عبد الرحيم حمدي الذي أرَّخ لعهده بأكبر كارثة في تاريخ الاقتصاد السوداني عندما تمَّ تطبيقها على عجالة دون وضع الضوابط التي تحد من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، لتصبح مؤسسات القطاع العام سلعة مستباحة في ظل سياسة التمكين والتمكُّن، التي أوجدت ما يعرف ب «فقه السترة». في غياب آليات المحاسبة الرادعة التي تعمل بشفافية لإنزال المشروع الحضاري على أرض الواقع بفهم المقاصد الكلية من النصوص الشرعية كمنهجٍ يمشي بين الناس في حياتهم ومعاشهم ومعادهم لتحقيق العدالة والمساواة ونشر قيم الفضيلة في المجتمع المسلم.
ونتيجة لذلك أصبحت الأنشطة التجارية والاستثمارية حكراً على فئة دون سائر خلق الله، في ظل الحماية والامتيازات التي تجدها بعض مراكز القوى في هذا الشأن، وما رافق ذلك من فشل السياستين النقدية والمالية وغياب المؤسسية والعلمية والشفافية في إدارة النشاط الاقتصادي بتأثير البيئة السياسية للحزب الحاكم بشكل عام، إضافة إلى تكلفة الحرب والسلام والتفاوض التي كانت إفرازاً طبيعياً لسياسات الدولة خصوصاً بعد خروج النفط من الميزانية.
وهناك ما هو أخطر من ذلك ممثلاً في قابلية العقل الجمعي للسيناريو الأسوأ في ظل التدخلات الأجنبية في الشأن السوداني، اعتماداً على المعرفة المتحصلة من المشهد العام التي تؤكد بصورة لا تقبل التأويل أن المواجهة الثقافية والأيديولوجية والاجتماعية بين النخب السياسية والمجموعات الإثنية مع السلطة المركزية تجاوزت الخطوط الحمراء والإشارة بدأت تتلون باللون البرتقالي، والذي يعود بشكل قاطع إلى غلبة مفهوم القوة وفرضيات الواقع التي أوجدتها النظرة الإقصائية للآخر المختلف في هيكلة مؤسسات الدولة وفقاً لما يؤدي إلى ديمومة استمرار الأوضاع على ما هي عليها، والاستئثار بالسلطة والثروة التي تحكمها الانتماءات السياسية قرباً وبعداً من النظام، لتأتي خصماً على التوافق الشعبي والأمن النفسي للمواطن جنباً إلى جنب مع تضاؤل فرص كسب المعيشة في حدها الأدنى، وازدياد معدلات الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي الصارخ.
ووفقاً للخلفية المعرفية بمآلات الأمور، يرى مولانا الميرغني أنَّ أي إصلاح حقيقي لا يستوي على سوقهِ إلا بالوفاق الوطني الشامل «ورتق الفتق الآخذ في الاتساع، والذي لو لم نتداركه سيضيع الوطن.. ونهدم بمعاول التفرق مجدنا ونحرق بنيران العداوة زرعنا وضرعنا». ولكن مما يؤسف له أنَّ السير على صراط الحكمة والاستماع إلى صوت العقل لبلوغ الأهداف الوطنية في الاستقرار والسلام والتنمية محفوفٌ بجحيم الأجندة الخارجية ونزوات السلطة الزمنية «ولن يتحرر الوطن من كبوته إلا بعد أن نسموا جميعاً على ذواتنا، ونتخلص من استعلائنا ورعونتنا».
وعلى غير ما يظن الكثيرون عن مراتب النفس السبع ليست لمسميات مختلفة ومتباينة، بل هي مراتب للأمارة بالسوء.. ومثال ذلك: «إذا تخلفت عن الأمارة اللامبالاة واستصغار الكبائر والمجاهرة بالفسخ وأصبحت تشعر بخطر ذلك عليها وتأنف من هذه الأشياء التي كانت تعتادها وترتادها، وإذا وقع في شيء منها أنَّبها الضمير، فإن تلك النفس قد صارت لوامة... وهكذا يتخلف في كل مرتبة جزء إلى النفس الكاملة وهي درجة الصديقية، وفي تلك الدرجة العليا تتخلف آخر صفة من صفاتها، وهي حب الرئاسة والتسلط وهي أخطرها وأشرها وتستأثر بها إلى درجة الصديقية، فانظر يرحمك الله في خطر هذه النفس»، كما يقول الإمام الشيخ علي زين العابدين بن عوض في كتابه «تاج الأولياء والأولياء». فكيف السبيل لنسمو بأنفسنا ونترفع عن الصغائر لخدمة شعبنا وأمتنا؟!
وفي اعتقادي أن رؤية السيد محمد عثمان الميرغني في خطابه الواصف للصراع السياسي والاحتقان الاجتماعي وما يعتري الوطن من نزيف متواصل للزرع والضرع والبشر، يحتوي على كثير من المحاذير كما يحتفل بالكثير من الموجهات العامة التي يدركها الطرف الآخر جيداً إذا تدبرها في خلق مسارات آمنة للحلول الوطنية وبقناعة راسخة، حتى يخرج النظام من الحلقة المفرغة التي نسجتها الأجندة الخارجية حول عنقه وبصورة تؤشر إلى ارتفاع مناسيب التوتر إلى حده الأعلى، بوضع الحزب الحاكم تحت الضغط المتواصل، مع تقليل مساحات التحرك والمناورة السياسية.
وإذا وضعنا في اعتبارنا صيغة التحالفات البراغماتية بين القوى السياسية والمندرجة تحت حسابات الربح والخسارة في عملية توزيع المناصب وتقسيم المغانم بالتوازي مع المغارم التي يجنيها الشعب من تلك الصراعات، أدخلت العملية السياسية بمجملها في دوامة لعبة الكراسي دون تحسبٍ لتداعيات الصراع على الصعيدين السياسي الاجتماعي.
إضافة إلى ظهور وسائل الإعلام الموازية للإعلام الرسمي من خلال الصحف الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي التي أضحت مظلة خارجة عن وسائل الضبط التقليدية لتقديم وجهات النظر المعارضة للنظام القائم وتشكيل الرأي العام والتي تذهب إلى درجة التطرف أحياناً، من خلال تناولها للأحداث المتلاحقة من وجهة نظرها التي ضاقت بها مواعين الإعلام الرسمي وتقرأ في سياق تصريحات الدكتور أحمد بلال وزير الثقافة والإعلام الأخيرة، وخصوصاً مع بروز الخطاب الأيديولوجي الحاد الذي يسهم بشكل سلبي في تأجيج المشاعر المُستَفَزة «بفتح الفاء»، وتحفيز العنف الكامن في مخيلة أطراف الصراع السياسي.
ومع تداخل الثقافات وظهور موجات التحرر من قيم المجتمع السوداني والخروج عن المألوف في المنهج والمسلك في عصر الفضائيات المفتوحة وشيوع ثقافة الإثارة الذي تلازم مع الخطاب الديني المتطرف فإنه أحدث خللاً في البنية الفكرية للشباب الناهض وهشاشة في التفكير الناضج، وغياب الأوعية الثقافية والسياسية التي تستوعب الطاقات المهدرة بصورة تسمح بحرية التعبير والتنظيم، ومع تراجع المؤسسة الصوفية عن دورها في رفد المجتمع بالثقافة الدينية التي شكلت سياجاً وحصناً منيعاً في مواجهة الاستلاب الفكري، لما تعانيه من ضغوط نفسية لدفع استحقاقات العمل الدعوي من خلال تأييد سياسات النظام، إلى جانب شغلها بمعارك انصرافية في مواجهة جماعات التطرف الديني، فإن محصلة كل ذلك ما نراه من قدح في العقائد وانتقاص من الذات المحمدية عليه أفضل السلام وأتم التسليم، والاجتهادات المفارقة للاشتراطات المعروفة عند علماء الأصول لعدم أهليةِ مَنْ يتصدرون الواجهات الدينية باسم التفكير والتجديد أحياناً أو باسم السلف الصالح في أحيانٍ أخرى. إضافة إلى الفتاوى الدينية التي أصبحت ميداناً جديداً لتصفية الحسابات السياسية والفكرية في سوق السياسة وبالتقسيط المريح، والتنصير المنتظم لمن نشأوا في بيئات مسلمة، أضف إلى ذلك هجرة الكفاءات ونزيف العقول التي أسهمت بخبراتها في نهضة البلدان التي هاجروا إليها، إلى جانب تنامي ظاهرة الذئاب البشرية في شوارع المدينة والمؤسسات التربوية الذين أصبحوا يغتالون براءة الأطفال والاعتداء على الحرمات، مع ارتفاع معدلات الجريمة النوعية، ورفع رايات القبيلة والموازنات الجهوية في إطار التنافس السياسي حتى داخل أسوار المشروع الحضاري، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!
فالآلية المتحكِّمة في التعاطي مع الشأن العام والسلوك المتبع في إدارة المجتمع والدولة تنبني بصورة راصدة على معطيات متناقضة من خلال التضييق الممنهج للأحزاب السياسية ذات الثقل الجماهيري التي تعدُّ الأوعية الشرعية والآليات المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية بوسائل تفتقر إلى الأسس المتعارف عليها، وينسحب الأمر على مراكز الإشعاع المعرفي والبحوث الأكاديمية، ناهيك عن أية تجمعات أخرى حتى إذا كانت جمعية أدبية لأخوان الصفا وخلان الوفاء، يجب أن تدار تحت أية لافتة من لافتات الحزب الحاكم ذات الذراع الطويلة في شتى مناحي الحياة السودانية، في الوقت الذي يطلب فيه النظام من الأحزاب والمجموعات المختلفة الالتزام بقواعد اللعب النظيف في إطار التدافع السياسي!!
حيثُ الكتابة رحلةٌ
بين الشظية.. والشظية
حيثُ اغتيال فراشةٍ في حقلها
صارَ القضية..
تأسيساً على المقدمات الماثلة أمام العيان والنتائج المحتملة من انسداد الأفق السياسي «من المهم أعمال الحكمة والتروي والرؤية الإيجابية ليكون التغيير وفق التطلعات المشروعة والحيوية لأهل السودان وطبيعتهم ومزاجهم ووعيهم الذي يرفض الغلو والشطط والتسلط والعنف. ويتوق دوما إلى التسامح والتحاور وقيم الخير والقبول والاحترام المتبادل»، بحسب رأي مولانا الذي دفع بثقله السياسي ورمزيته الوطنية لمجابهة التحديات التي تواجه البلاد والعباد حتى لا نفقد الوطن الذي نختلف حوله، وفي مخيلتنا كلمات الشاعر المهجري الياس فرحات: «فِيْمَ التَقَاطُعَ والأوطانُ تَجمعُنَا؟... قُمْ نَغْسلَ القَلبَ مما فيهِ من وَضَرِ»!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.