٭ اقترح ليون تروتسكي على جوزيف ستالين في السنوات الأولى من الثورة الروسية، أن يعمم خطوط التلفون في أنحاء الاتحاد السوفيتي الجديد، فكان رد ستالين أن ذلك بمنزلة ثورة مضادة. ٭ أراد ستالين أن يقول لرفيقه تروتسكي إن قوة الدولة تكمن في احتكار المعلومات، وأنه متى ما تمكن الناس من الاتصال ببعضهم البعض، تناقلوا المعلومات فيما بينهم، ومتى امتلك الناس القوة أصبحت قوة الدولة في مهب الريح. ٭ ونحمد لتروتسكي اقتراحه الجميل وإن لم ينفذ، فالاقتراحات الجميلة، كما يقول التاريخ، حتماً تجد أذناً صاغية ولو بعد حين. ٭ غاب تروتسكي وحققت ثورة المعلومات قفزات هائلة، جعلت المعلومات على (قفا من يشيل)، وأصبحت المعلومة لا تحتاج لأكثر من خط تلفون، وجهاز كمبيوتر صغير، وليس بالضرورة أن يكون هذا الخط التلفوني سلكياً، وليس بالضرورة أن يكون مرتبطاًَ بشبكة التلفونات الوطنية، بل يمكن ربط الجهاز لاسلكياً بأي من الأقمار الاصطناعية، وفي هذه الحالة تتاح لأي فرد في أية نقطة في العالم، معرفة كل شيء والحصول على كل شيء ابتداءً من أخبار البورصة وانتهاءً بأخبار الانقلابات السياسية. ٭ غاب ستالين وغابت دولة الاتحاد السوفيتي العظيم، وكانت ثورة الاتصالات والمعلومات سبباً في غيابها، اعتمدت الدولة على القوة، وأودعت المعلومات خزانة الآيديولوجيات، وأحكمت عليها بالضبة والمفتاح. ٭ واضطر غورباتشوف لاحقاً إلى أن يعترف ويقول: كان علينا أن ندفع ثمن التخلف، وسندفع هذا الثمن لوقت طويل، فقد كنا آخر من يدرك أهمية المعرفة والخيال الخلاق في عصر المعلومات. ٭ وفرح المعسكر الغربي بما فعلته ثورة الاتصالات في المعسكر الشرقي، إلى الدرجة التي جعلت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، تتبجح وتقول إن مجلس الأمن يتكون من ستة عشر عضواً خمسة عشر عضواً من الدول دائمة العضوية أو المنتخبة من الجمعية العامة، والعضو السادس عشر هو محطة ال (CNN)، في إشارة ذكية إلى أن الأقمار تتابع ما يدور في دهاليز السياسة، وأن أجندة الاجتماعات لم تعد في طي الكتمان. ٭ ثورة الاتصالات طالت كل شيء في المعسكر الشرقي، ومست حتى آليات عمل الحزب الشيوعي، وفعلت فعلتها في مدرسة الكادر والخلايا السرية. ٭ في فترة من تاريخ السودان، كانت كوادر الحزب الشيوعي تنشط في توزيع (المناشير)، وكان المنشور أداة نضالية فاعلة، لكن ثورة الاتصالات عصفت بالمنشور. ٭ وفي الثورة الايرانية احتل، (شريط الكاسيت) مكان المنشور، فكانت خطب وكلمات الإمام الخميني تسجل على الكاسيت، وتهرب داخل ايران، فاندلعت الثورة الإسلامية واقتلعت حكم الشاه. ٭ حتى شريط الكاسيت تقهقر وحلت محله الرسائل الالكترونية، ولا ندري ماذا سيحدث غداً.. كل الذي نعرفه أن إخفاء المعلومات أصبح (دقة قديمة)، وعملة زائفة حتى داخل سوق الاتصالات. ٭ ولو قام تروتسكي من قبره اليوم وزار السودان، لإلتقى الباشمهندس مبارك محمد أحمد المدير العام للمركز القومي المعلومات. ٭ ولعاد لبلاده وفاهه مفغوراً. ٭ فالذي يدور في المركز القومي للمعلومات مدعاة للدهشة والفخر معاً، ويشير بصلابة إلى أن المعلومات هي القوة والرأسمال والخيال.. والمستقبل البهيج.