تتعدد الأسباب والموت واحد، ولكن أن يكون هنالك سبب واحد للموت في منطقة بعينها، فهذه ظاهرة تستوجب الدراسة. وحتى عهد قريب كنا نادراً، ما نسمع أن فلاناً قد مات «بالحبال» وهو الاسم المحلي للسرطان، الذي كاد يتحول لوباء في شمال كردفان، ذلك لأن معظم الوفيات التي حصلت خلال السنوات الأخيرة، لفئات عمرية مختلفة، كانت بسبب السرطان. ويلاحظ أن حالات الإصابة في الأجزاء الشمالية أكثر من غيرها. وليست هنالك حتى الآن دراسة واحدة لتحديد أسباب تفشي هذا المرض الخطير، في هذه المنطقة التي تعد أقل مناطق البلاد تلوثاً، لبعدها عن مراكز الصناعة، ولا يوجد فيها نشاط بشري يستخدم مواد كيمائية يمكن أن تكون سبباً في تكاثر حالات الإصابة بهذا الداء، إذا استثنينا السماد والمبيدات الحشرية المعتادة التي يستخدمها المزارعون في نطاق ضيق جداً. ومع أن التقارير تشير إلى أن شمال كردفان تعتبر من أقل الولايات في نسب الإصابة، إلا أن ذلك قد يكون نتيجة لعدم اكتشاف الحالات وصعوبة الوصول إلى المستشفيات. وكانت شمال كردفان حتى وقت قريب تعاني من التهاب الغدة الدرقية، خاصة لدى الفتيات، نظراً لنقص اليود في الماء، مع حالات من التهاب الكبد الوبائي، أما الآن فقد ظهرت الأورام السرطانية التي انتهى معظمها بالوفاة، فهنالك من يقول إن استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية قد زاد من احتمال الإصابة. ويعتقد البعض أن ثمة مواد ذرية مشعة قد جرى دفنها، في سبعينيات القرن الماضي، في منطقة الصحراء الكبرى، وقد يكون أثر تلك المواد الضارة قد وصل إلى شمال كردفان عن طريق الرياح. وأفاد بعض العاملين في المجال الطبي، أن عدد الإصابات في ازدياد، مع عدم وجود مركز طبي واحد في هذه الولاية يعنى بعلاج الأورام مما يزيد الأمر تعقيداً. وهل يمكن أن يكون استخدام المياه غير النقية من الآبار والحفائر سبباً في انتشار كل هذه الإصابات، أو ربما يكون لشبكات المياه التي مازالت تستخدم الأنابيب المصنوعة من الاسبتس دور في زيادة الحالات؟ وهل تزيد الإصابات بالسرطان جراء عمل كثير من مواطني هذه الولاية، في التنقيب الأهلي عن الذهب، حيث يستخدمون الزئبق والمواد الكميائية الأخرى بطريقة غير صحية؟ وحتى الآن، ليست هنالك إحصاءات لعدد حالات الإصابة بالسرطان وأنواعه، ولا توزيع جغرافي دقيق، ولا مؤشر لتحديد الأسباب. وقد بشرت حكومة ولاية شمال كردفان مواطنيها بقيام مدينة الأبيض الطبية التي تحتوي على مستشفى مرجعي، ومركز للأورام السرطانية، ولكن مازال المشروع في رحم الغيب. ويبدو أن الانتظار سيطول، ما دام هذا المشروع يتعلق بهذه الولاية التي ليست لديها «أم تبكي عليها»، فلو قام طريق أم درمان جبرة بارا، أو إذا حلت مشكلة مياه الأبيض، فسوف يرى هذا المشروع العملاق النور!! وطالما أن العلاج في الخارج، متاح للدستوريين، فلما الاستعجال؟ [email protected]