ظلت مياه الصرف الصحي تشكل هاجسا يؤرق كل شخص في ولاية الخرطوم، فالطفح الذي يحدث بين حين وآخر والروائح الكريهة الناتجة، لها آثارها البيئية والصحية على المواطنين.. «الصحافة» سعت الى تلمس مردود انفجار شبكة الصرف الصحي بمنطقة السوق المحلي جنوبيالخرطوم وحول استاد الخرطوم. وقد جلست الى بعض الموطنين، ثم نقلت همومهم ووضعتها امام المعنيين، وذلك عبر التحقيق التالي: الطيب حسين التاجر بسوق الموبايلات قال إن المياه الآسنة الصادرة من شبكة الصرف الصحي، ظلت على هذا الحال لفترة اسبوعين، ولا أحد يسأل عنها، وقمنا اكثر من مرة بتنظيف المنطقة وتجفيفها، الا ان هذه المياه ظلت تفاجئنا بالانفجار من جديد. واضاف الطيب قائلاً إن الرائحة الكريهة اصابتنا بالامراض واضطرتنا للتوقف عن العمل، وحتى المارة والزبائن باتوا ينفرون من السوق.. فيما ذهب عوض الجيد صاحب «عمارة فنون» بالقرب من موقف أركويت سابقا، الى ان الموقف بات مستنقعا لمياه الصرف الصحي، مما اضطر المحلية الى استجلاب عربات لشفط المياه منذ اكثر من سنة تقريبا، غير ان الاوضاع عادت الى سيرتها الاولى بسبب تجدد الانفجار في الشبكات، وصارت الرائحة بالموقع مؤذية وسببت للمتعاملين بالموقع اضرارا صحية بالغة التعقيد، خاصة للجهاز التنفسي.. «الصحافة» سألت المواطنين عن تبليغ المحلية بالأمر حتى تقوم بما يليها في مواجهة الموقف، فقال عوض اذا قمنا باخطار المحلية بذلك سوف تفرض علينا المزيد من الرسوم والجبايات، ونحن لا نملك هذه المبالغ لدفعها. وهنا تدخل الطيب ليأخذ بأطراف الحديث قائلا: «ان المحلية اغلقت متجري قبل 15 يوما لعدم دفعي 50 جنيها. وغادرت المكان وذهبت الى منطقة الاستاد حيث المياه طافحة مثل ايام الخريف، فقط الروائح المتصاعدة هي التي تلفت المارة الى ان المستنقعات سببها تدهور شبكات الصرف الصحي». وفي شارع السيد عبد الرحمن قابلت العم عبد المطلب يوسف، فحدثني بأن مدينة الخرطوم كانت في الخمسينيات من أجمل المدن، مما دفع الانجليز الى ادخال نظام الصرف الصحي، وظلت الشبكة تعمل الى يومنا هذا، بالرغم من ارتفاع الكثافة السكانية التي شهدتها المدينة. ومضى العم عبد المطلب الى أن الحكومات المتعاقبة لم تعمل على معالجة الأمر، فالشبكة تحتاج الى مراجعة كاملة. وحملت اوراقي وذهبت الى وزارة البنية التحتية للقاء المهندس محمد صالح كناوي مستشار البنية التحتية للصرف الصحي بولاية الخرطوم، فعرضت عليه تلك الشكاوى «موقف اركويت سابقا- منطقة الاستاد- السوق المحلي- واقوال المواطنين»، فقال لا اعتقد ان هنالك طفحاً قرب كلية كمبوني موقف اركويت سابقا، وعمد للاتصال باحد المهندسين للتأكد من وجود طفح قرب كلية كمبوني. واثناء حديثي معه اتصل به المهندس وقال له بان ذلك الطفح ليس مياه صرف صحي، وانما هي مياه عذبة ناجمة عن كسر أنبوب مياه في تلك المنطقة. وبالنسبة الى السوق المحلي ذهب كناوي الى ان هذه الشبكة كانت مخصصة للخرطوم القديمة، وظلت الشبكة كما هي، وعندما تم بناء منطقة العمارات حدث بالمنطقة بناء ضخم، وتم تطوير الشبكة بأحدث التقنيات في ذلك الزمان باستخدم مواسير اللاسبيسر وهي مصنوعة من الاسمنت، غير أنها قصيرة العمر. وذكر كناوي أن اقدم خطوط شبكة الصرف الصحي هو الخط المار بشارع افريقيا، وشهد عدة كسور، اما محطة القوز فهي أحدث المحطات في الخرطوم وأفريقيا في اوائل الثمانينيات غير انها توقفت عن العمل، وكان الانجليز قد شيدوا خطاً في شارع المطار الى الحزام الاخضر. وفي اوائل الستينيات برزت العمارات، كما الحقت مناطق نمرة «2» ونمرة «3» والمنطقة الصناعية بالصرف الصحي. وبالنسبة للشبكة القديمة في الخرطوم، فقد توقفت عن العمل في منتصف الثمانينيات، كما توقف الخط الانجليزي ومحطة القوز. وفي سنة 1983 قدم اليابانيون منحة للسودان عملت بها محطة سوبا في الازهري وتم اصلاح خط القوز. سألت كناوي عن اسباب الانفجارات وسبل علاجها، فقال ان سوء الاستعمال أدى الى هذه الانفجارات، غير ان المشاريع التي تقوم بها ادارته ومنها مشروع معالجة محطة القوز القديمة ومد الخط الجديد من محطة القوز الى سوبا في الازهري ومن محطة سوبا، سوف تمكن الهيئة من الضخ الى شمال مشروع سندس بعد تخصيص حوالي «2900» فدان بغرض زراعة النباتات البترولية. ومن المشاريع الجارية الآن مشروع اعادة تأهيل محطة القوز لمعالجة «12500» متر مكعب في اليوم، وقد تم تقسيم المناطق التي لم تصلها الشبكة الي اربعة اقسام، المنطقة الاولى تشمل بري، امتداد ناصر، الرياض، الجريف شرق والجريف غرب، الطائف، المعمورة، اركويت. وقد تمت ترسية العمل بهذه المناطق على مقاول سوداني. والمنطقة الثانية تشمل مناطق جنوب شارع «61»، الحديقة الدولية، حي النزهة، الصحافات، منطقة الازهري، المجاهدين، السوق المحلي، المنطقة الصناعية، جنوب السوق المحلي، السلمة، عد حسين، مايو. وتم اسنادها إلى مقاول تركي، اما المنطقة الرابعة فتشمل مناطق الشجرة، العزوزاب، الكلاكلات، الاندلس وتمت ترسيتها كذلك على مقاول تركي، والمنطقة الثالثة تشمل الخرطوم القديمة، الديوم الشرقية والغربية، السجانة، وهذه المناطق جارٍ التفاوض حولها مع مقاولين، اما منطقة السوق المحلي فهي قيد الدراسة. اما في ما يختص بمدينة ام درمان فقد تم الاتفاق مع شركة ماليزية قبل ثلاث سنوات، واذا لم تباشر الشركة عملها خلال شهرين سوف يتم تحويل العقد الى شركة سودانية. وقال كناوي إن نظام السبتك تانك من أسوا الأنظمة المعمول بها في السودان، اذ يتسرب مليون متر مربع من المياه يوميا الى باطن الأرض. ومن جانبه صرح المهندس عاطف جعفر موظف بشركة مينا وتا، وهي من شركات القطاع الخاص العاملة في مجال تلوث مياه الشرب والآبار بسبب السبتنك، وكذلك المياه الجوفية مما يهدد بتلوث النيل، وقال إن المشكلة تتمثل في غياب البنية التحتية، اذ كان يجب توفير البنية التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحي قبل الاستثمار في الاراضي. واضاف عاطف بأن مدينة دبي جذبت المستثمرين لجودة الصرف الصحي وسهولة تصريف مياه الأمطار، مشيدا بتوجه وزارة البنية التحتية الى اعادة بعض الخبراء السودانيين الموجودين في خارج السودان للعمل بهيئة مياه الصرف الصحي للاستفادة من خبراتهم. ومن جانبه ذكر المهندس هاشم علي محمد مدير شركة الصرف الصحي بولاية الخرطوم، أن الحمامات العامة بمنطقة الاستاد وسوء استخدام المواطنين أدى لانفجار الشبكة. وتعمل الإدارة لمعالجة الموقف بادخال نظام مصافٍ للقضاء على الرواسب والمخلفات والحجارة.