٭ في عام 4791م اجرى الزميل العزيز كمال حسن بخيت حواراً مع الشاعر السوري نزار قباني نشرته مجلة «السودان الجديد» التي كان يرأس تحريرها الزميل العزيز فضل الله محمد. ٭ والحوار بالطبع كان حول مسائل الادب والشعر، وكنت وقتها احرر صفحة «من العمق العاشر» بنفس المجلة.. ودخلت طرفاً ثالثاً في الحوار، وقلت حينها إن نزار يقول إنه زار السودان آخر مرة قبل ثلاث سنوات، ويرى ان الشعب السوداني على اختلاف مشاغله واهتماماته وتركيبته أكثر شاعرية من شعرائه. ٭ ونزار بوصفه فناناً يمتلك ناصية الكلمة ويجيد التعبير بها مهما اختلفنا حول القضايا التي يعالجها ويعبر عنها.. وأرى أنه من المستحيل أن يفوت عليه أن يرى ما عليه جماهير الشعب السوداني، وذلك بقوله إن الحقيقة الشعرية في السودان موجودة في وجوه الناس وحوارهم وتصرفاتهم أكثر مما هي موجودة في دفاتر الشعراء. ٭ ومن المستحيل أن يفوت عليه أن هذا بالقطع موجود بكثرة في شعر الشعراء، ولكن أظن أن نزار رأى أن يلمح ولا يصرح بالقضية الكبيرة التي تواجه الشعراء والأدباء عندنا، وبالذات الشعراء الشباب الذين تعج وتفيض أدراج مكاتبهم «بالكراريس» الملأى بشتى ألوان التطابق بين شاعرية الشعب وشاعرية من يكتبون، فالقدر القليل الذي وجد طريقه للنشر يؤكد ذلك في وضوح تام. وعلى سبيل المثال لا الحصر «أمتي» لمحمد المكي إبراهيم وأغنية «يافا» لسيد أحمد الحاردلو و «البحر القديم» لمصطفى سند و «خواطر إنسان» و «ليالي الريف» لإسماعيل حسن، و «رياح العودة» للزين عباس عمارة.. بالإضافة للذي نقرأه كل يوم على صفحات الصحف لمختلف الشعراء الشباب، لمحمد عبد الحي وبركات موسى الحواتي وأبو آمنة حامد وعثمان خالد وفاطمة بابكر وجلاب ويوسف خليل وسبدرات، وللعديد من الشعراء الذين يعبرون بصدق عن الوجه المشرق للشعب وللأرض. ً٭ وهذا ما أردت أن اقف عنده داعية الى نقاش هادئ بعيداً عن الصراع الأجوف والمهاترة، والدعوة بالتحديد موجهة إلى المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، واضعين في الاعتبار أن الإنسان لا يملك وسيلة يبعد بها الموت عن نفسه، ولكن الأمة تستطيع أن تقهر الموت بالفن، وحين تدرك أمة ما معنى هذا تفسح الطريق أمام مواهبها ليبدعوا في كل المجالات، وحقيقة لا يقهر الموت إلا الحجر والكلمة، والكلمة أبقى وأصلب. ٭ أرجو أن تكون هذه الملاحظة بداية جادة للتفكير في بعث المشروعات الكبيرة التي نوقشت في سبيل إنشاء دور نشر تعاونية تساعد على عكس وجه الناس السودانيين الذي يبحث عنه نزار قباني في دفاتر الشعر ونبحث عنه نحن أيضاً. ٭ هذا ما كتبته قبل ثلاثة وأربعين عاماً تعليقاً على ما أورده نزار في حوار عن حالة الشعر والشعراء في السودان عام 9691م... وقد يتساءل القارئ عن مناسبة هذه الرجعة لحديث كاد يدخل منطقة النسيان. ٭ الإجابة.. حالة البؤس في عوالم القراءة والاطلاع، حيث عزَّ الكتاب بفعل الغلاء، وعزَّ النشر بفعل ضيق ذات اليد بالنسبة للشعراء والأدباء.. وتلاشت أحلام دور النشر التعاونية. هذا مع تحياتي وشكري.