أصدر مصطفى تيراب وزير الدولة بوزارة الثقافة والاعلام، والمسئول عن الشئون الثقافية بالوزارة، اصدر قرارا بتكريم الراحل الشاعر عبدالله خالد عبدالله جبريل الملقب بالكاظم، وذلك بتكوين لجنة قومية برئاسة د. عبدالقادر سالم رئيس هيئة المهن الموسيقية لتعمل على جمع ونشر اعمال الراحل، وتقديم الرعاية الاجتماعية لاسرته، وبقرار استثنائي صادق الوزير في اكتوبر الماضي على تأسيس (منظمة الشاعر الكاظم الثقافية).. لقد عملت اللجنة القومية والتي بدأت في مرحلة سابقة بمبادرة اصدقاء الراحل، عملت للوصول الى اهدافها بتكوين لجان فرعية متخصصة، في مجالات الاتصال والجوانب الفنية والانشطة المختلفة، فيما قررت ان يكون الاحتفاء به في مناسبة ذكراه الخامسة في الثلاثين من ابريل القادم، وذلك على سبيل الشراكة الذكية بين الوزارة والمجتمع السوداني العريق. لقد ذهبت اللجنة القومية الى اهمية التعريف بالشاعر ، وبأعماله وعلاقاته الثقافية الفنية وتعظيم الفرص لدعم امتدادات اسرته ماديا ومعنويا، وفي هذا الاتجاه قد تشارك مدن سودانية باحتفالات غنائية يشارك فيها زملاؤه واصدقاؤه ، بما في ذلك الابيض التي شهدت بدايات نجاحاته الشعرية. ايضا تم اقتراح مشروع استعراضي فني في كل من الحاج يوسف، وامبدة مساهمة في تعزيز فرص النجاح ، فيما عمدت اللجنة القومية الى مخاطبة شركات الاتصالات الحكومية والخاصة والشخصيات القومية ذات الاهتمام بالابداع الثقافي للمساهمة في تعزيز فرص النجاح المادي لمشروعات ذكرى وتخليد الراحل. لقد برزت شاعرية الكاظم في الابيض وسط الكوكبة الكردفانية الفنية التي ضمت الراحل جمعة جابر، ود. عبدالقادر سالم، عبدالرحمن عبدالله، وابراهيم موسى ابا وغيرهم. وقد كان الراحل ضمن عضوية (رابطة اصدقاء الكلمة) في ستينيات القرن الماضي، وقد كانت تستضيفها فرقة فنون كردفان في دارها، في عهد انتمى اليه الاعلامي المميز ابو عاقلة يوسف، لقد ولد عبدالله بمدينة بارا (1946) وكان والده ضابطا في قوة دفاع السودان ومن اوائل خريجي كلية غردون. ولقد تخرج الكاظم في معهد بخت الرضا وعمل معلما، ثم انتقل للعمل صرافا بوزارة المالية، وفي السبعينيات التحق بموسيقى سلاح الطيران الى ان تقاعد بالمعاش قبل نحو عامين من وفاته في مستشفى الشعب بالخرطوم. لقد غنى بكلماته وألحانه جيل العطاء من الموسيقيين والمطربين من اصدقائه وزملائه كما ظل يرعى الواعدين من المبدعين ويقدم لهم كل عون ممكن، وقتما كان ممكنا. عندما دعتني اللجنة القومية لأكون جزءا منها اساهم معها في الاعداد للمناسبة، لم يخطر ببالي ان وجودي في اللجنة قد يكون مصدرا للتعريف بصلات اسرية تربط بين الكاظم واهل دارفور، خاصة ان والده تنحدر جذوره من قبيلة الشايقية في بارا، عندما عادت بي الذاكرة الى فترة الثمانينيات من القرن الماضي، كانت مفاجأة وخليط من مشاعر بتعزيز الانتماء، عندما عرفت ان الراحل الشاعر عبدالله الكاظم هو الاخ غير الشقيق لخالتي حسنة وهي من ساهمت في تربيتنا كأطفال ضمن اسرة كثيرة العدد ، واسعة التأثير بمدينة كبكابية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كما انها الاخت غير الشقيقة لاخوالي من جدي لأمي.. عندما التقيت والدته ام جديان اول مرة، بمنزله بحي العشرة بالخرطوم، واستمعت اليها متعرفا على شخصيتها، دهشت حقا انها امرأة لا تقل جرأة وارتباطا بقيم العدالة، من جدتنا فاطمة بنت الامير سنين ودحسين ام حسنة. لقد ارتسمت شخصية عبدالله في مخيلتي بارتباطاتها الوجدانية مع والدته والبيئة الاسرية حولها، اذ انها نوع من النساء تملك مشاعر العطف بجزالة، وفي ذات الوقت تمتلك اسباب قوة الشخصية الى حد الصدام. ان كلتا المرأتين ، لم تكن تحفلان بمن يكون الحاكم، اذا لم يكن عادلا، لقد كانت ام جديان تعبر عن غضبها على نميري بصوت عال يسمعه من حولها من الناس في السوق او المواصلات العامة، وذلك لاعتقادها انه اعتقل ابنها الوحيد دون وجه حق، اذ لم يخرج من المعتقل السياسي الا مع تباشير انتفاضة ابريل 1985م، وقد خلد الراحل علاقته بأمه في قصيدة تغنت بكلماتها المطربة ماجدة الصادق، على صعيد آخر ما كان صعبا علينا، الكاظم وشخصي ان نطور علاقات الاسرة الممتدة، دون مساس بتطوير تجاربنا المشتركة في مجال الثقافة او اعطائها فرص النمو، بيد ان ثمة وقت طويل قد مضى دون ان التقيه حتى فارق الحياة، ان اكثر ما ساعدني في التعرف على مزاياه انه كان شاعرا مقبلا على الحياة والناس، اما شخصيته فقد كانت كتابا مفتوحا ، حتى انه عندما يغضب يعمل على كظم الغيظ الذي قد ينتابه. وكان ذلك سببا ان يلقبه والده بالكاظم..! في اوقات لاحقة تعرفت على العلاقات الاسرية التي جعلت من الكاظم خالاً، كان ذلك في العام 1980م، عندما ذهبت خديجة يعقوب (ابنة خالتي حسنة) وهي معلمة الى الابيض في كورس تأهيلي لمدة عام. هنالك وبقانون الصدفة تعرفت على بعض افراد من اسرة الناظر تمساح جد والدتها من بارا. لقد قادها ذلك الى زيارة اسرة والدتها في بارا، وفي اوقات لاحقة، سافرت خديجة الى كوستي للتعرف على اسرة شقيق جدها (محمد عبدالله)، ثم تطورت مبادرة خديجة حيث شاركتها فيما بعد اخوانها خاصة شقيقتها فاطمة فردوس التي عملت موظفة في القضائية بالفاشروالخرطوم، قبل ان تنتقل الى قطر مع زوجها. لقد اصبحت اسماء من اسرة الخالة حسنة متداولة بين الاهل في الفاشر وكبكابية، كما انه صار معلوما اماكن سكنهم في بارا والابيض وكوستي والدويم والصالحة والحاج يوسف، من الاسماء التي تذكر في اوقات مختلفة ، شامة معلمة اللغة الانجليزية بمدرسة الخرطوم بنات القديمة وابناء عوض عبدالله بالحاج يوسف، واسماء اعتدال واعتماد في الجمارك، فضلا عن اسم ماهل ابوجنة الذي كانت ام جديان رحمها الله كثيرا ما تتحدث عنه بفخر اسري. اما الابنة البكر للراحل، نوال وهي ام لاربعة اطفال، فهي ربما من سيقع عليها عبء دفع التواصل بين اطراف اسرة ابيها، الذي ادرك تماما ما يمكن ان تقدمه نوال لإبقاء اسمه حيا في علاقات الاسرة بعد وفاته.. لعل مناسبة تأبين واحياء ذكرى الراحل عبدالله الكاظم، من ناحية اخرى تمثل ملتقى وذاكرة نادرة لثقافات سودانية، بامتدادات قديمة عبر الصحراء ، وهي تعمل بمثابرة على تمتين العلاقات الازلية بين غرب السودان، وكيانات نهر النيل الاوسط. لقد اصبحت تلك العلاقات اليوم على المحك، يتراجع الوعي بقيمة علاقات ما قبل سودان اليوم، والذي اضحى جزرا معزولة ومأزومة بالنزاعات المسلحة والغضب والكراهية، اصبح الكتاب الوحيد المقروء هي تقارير المخابرات الاستعمارية طالما شجعت ذبح علاقات التاريخ والثقافة وتقاطع الاعراق، على قاعدة من طموح فاسد، تدفع مجموعات صغيرة في كل الاطراف ان تحاول تأسيس حالات صفوية مستحيلة، مثلما حاولت الادارة البريطانية لنحو نصف عام، لم تفلح على ان مجموعات اليوم لا تملك حكمة المستعمر او صبره..! ان مبادرة لجنة الاصدقاء التي اصبحت اليوم اللجنة القومية بقرار وزاري، قد تساهم في اعادة بعض الوعي بقيمة التنوع كعلاقات انسانية، دستورية، تنموية بين الكيانات السودانية، ان والد عبدالله ينحدر من قبيلة الشايقية التي يرفض فيها مستنيرون كُثر، عاطفة الانكفاء على الذات، وتضييق الواسع في الحياة العامة، اما والدته فهي من تنتمي الى امتداد قبلي واسع في كردفان بمناطق دار حامد والحمر والجوامعة، كما ان للراحل ارتباطات وامتدادات في دارفور لا تقل اتساعا في قبائل التاما والهوارة ومصاهراتها، وفوق هذا وذاك فإن المناسبة تمثل صوت الغناء الشجي للوجدان السوداني القادم من كل تلك الروافد الثقافية، هكذا يوشك ان تصبح حياة وتجربة وذكرى الراحل الشاعر الكاظم ملتقى للثقافات السودانية وهي تتعاضد وتتكامل ولا تتعارض، وهي تمد لسانها الطويل على ضيّقي الافق الانساني والثقافي من الذين يظنون في انفسهم قدرة على حرق جذور التنوع، في وقت تتجه فيه قوى المستقبل الى اعادة اكتشاف التنوع، وتحسين فرص ادارته، من اجل مستقبل متراضي عليه للسودان، وذلك ما سيحدث تماما. ان الخرطوم، والبلاد عامة على موعد مع فعاليات ذكرى الراحل الشاعر الكاظم، بنهاية ابريل المقبل وسيشتمل برنامج اليوم الختامي على كلمة اللجنة القومية، وكلمة اسرة الراحل ، مع تقديم سيرة ذاتية له، فيما تقدم فرقة فنون كردفان (اوبريت كردفان) من كلمات الراحل من على الاذاعة والتلفزيون ، بعد تقديمه سلفا في الابيض. يعقب ذلك كلمة راعي المناسبة ، ثم اطلاق اسم الكاظم على احد مؤسسات الاذاعة والتلفزيون. على ان يختتم التكريم بحفل تقدم فيه اغنيات من كلمات الراحل وتلحين واداء معاصريه، من اصدقائه المطربين، كما يصاحب التكريم والحفل معرض فني مصاحب، تعرض فيه اعمال الراحل بما في ذلك كتاب (كبايات الشاي في دولة البرامكة)..