يبدو ان صبر والي الجزيرة الزبير بشير طه قد بلغ منتهاه ،فالرجل الذي كان يصنف ضمن قائمة الولاة الاكثر مهادنة وطاعة للمركز خرج عن المألوف اخيرا حينما وضع يده على جرح ولايته وعبر بحديث شفاف عما ظل يعتمل بدواخل مواطنيه الذين تسيطر عليهم نظرية المؤامرة حيث يعتقدون ان الجزيرة تتعرض لتدمير ممنهج ويدفعون بشواهد واسانيد تعضض دعواهم. وكان الوالي البروفيسور الزبير بشير طه قد شن هجوما عنيفا وغير مسبوق على قانون مشروع الجزيرة 2005، لفشله في زيادة الإنتاج والإنتاجية وتوفير الأمن الغذائي بالسودان، وقال للجنة تقييم الأداء بمشروع الجزيرة إن مواطني ولايته اكتووا بنار المعيشة جراء السياسات التجريبية حول مشروع الجزيرة ،مصعد من لهجته حينما اكد أن مزارعي الجزيرة ليسوا فئران تجارب، ليتنقل بعد ذلك واضعا يده على جرح الولاية النازف وقال إن السبع سنوات التي أعقبت هذا القانون لم ترفع معدلات الإنتاج والإنتاجية مما زاد من معدلات البطالة وتشريد أسر بأكملها جراء إغلاق مصانع النسيج والمصانع الأخرى التي كانت تستفيد من خيرات المشروع، مطالباً الدولة بضرورة الالتفات لحل مشاكل المشروع بتعديل أو إلغاء القانون الذي تسبب في تدني وخروج محصول القطن أحد المحاصيل النقدية ذات العائد المجزي للمزارعين ،ويمضي الوالي في حديثه القوي مبديا استنكاره لعدم وجود جهة تحاسب مجلس إدارة المشروع و عدم وجود جمعية عمومية تحكمه مما أتاح مطلق السلطة له،ليصل الى جزئية باتت مطلب تيار واسع بالولاية وذلك بمطالبته الدولة بضرورة دخول ولاية الجزيرة كشريك في إدارة مشروع الجزيرة إلى جانب الحكومة الاتحادية من النواحي الإدارية والإشرافية، ويكشف لاول مرة وفي حديث يستشف منه مدى غبنه أن مشروع الجزيرة لم يتلق أي نوع من قروض التنمية التي دخلت البلاد مؤخراً والبالغة 13 مليار دولار. الوالي الذي تتباين الآراء بالجزيرة حول ادائه يتفق الكثيرون بما فيهم اولئك الذين يعارضون نظام الانقاذ انه يمتاز بطهارة اليد والحرص على المال العام ،معتبرين انه بحديثه الاخير قد عبر عن مايجوش بدواخل سكان ولاية قامت نهضة السودان على اكتافها الا انها باتت تبحث عن اكتاف تتكئ عليها لتعود كما كانت ،فالقيادات والمواطنون في الولاية التي يصفونها بالمنكوبة في دلالة على تردي اوضاعها يستندون على جملة من المعطيات والشواهد التي يؤكدون انها تعضض اعتقادهم ورؤيتهم وتكشف الاستهداف والتآمر الذي تتعرض له الجزيرة ،ويأتي على رأسها تدهور المشروع الزراعي الاول في السودان، حيث يشيرون الى ان هناك حملة تدمير متعمدة تستهدف القضاء عليه للتضيق على مواطن الولاية ،ويستدلون في ادعائهم هذا بعدم جدوى كل الخطط التي وضعتها الدولة للنهوض بالمشروع بل ويشككون في مراميها ويضربون المثل بقانون 2005 ،كما يعتبرون ان خصخصة المشروع وبيع وتوزيع اصوله وتشريد 46 الف عامل ووضع مستقبل 147 الف مزارع في مهب الريح عمل ممنهج الهدف من ورائه التمهيد لبيع المشروع للقطاع الخاص ،ومن الاسانيد التي يرتكزون عليها في تأكيد نظرية المؤامرة عدم سعي الدولة لاعادة الحياة ل 250 مصنع بالولاية اجبرتها السياسات الاقتصادية على تسريح عامليها والتوقف عن الانتاج ،علاوة على ذلك يرون ان عدم تنفيذ مشروع تنموي كبير وتردي الخدمات تظل شواهد شاخصة تشير بجلاء الى ان المركز لايضع الجزيرة ضمن اولوياته،ويذهب مواطنون وقيادات اكثر اصرارا على وجود مؤامرة تستهدف الولاية لتعضيض وجهة نظرهم ناحية اغفال المركز او تعمده غض الطرف كما يشيرون عن انصبة الولاية في المشروعات القومية الموجودة بالجزيرة وابرزها مجموعة مصانع جياد والمنطقة الصناعية بالباقير ومصنع سكر الجنيد وغيرها ،ويشيرون الى ان الدولة ظلت تهضم حقوق الولاية ولاتمنحها النسب المتعارف عليها من عائدات المشروعات القومية المقامة بالولايات وانها تستأثر بعوائد هذه المنشآت من ضرائب وخلافه،ويرون ان الاحصاءات الرسمية التي اشارت الى ان 23% من الباعة الجائلين بالعاصمة من الجزيرة وتلك التي توضح ان 60% من السودانيين بالمملكة السعودية من الجزيرة ايضا توضح تردي الاوضاع بالولاية التي يقولون انها باتت طاردة ،كما يعتبرون ان تمثيل الجزيرة في الحكومة الاتحادية (وزيران) لايتناسب مع ثقلها وحجمها،ومن اكثر القضايا التي يعتبرون انها توضح حجم الظلم والاستهداف الذي يعاني منه انسان الجزيرة هو التمييز المخل في القبول للخدمة العامة وغيرها الذي يستند على القبيلة حسبما يؤكدون. تغيير والي الجزيرة للغته ولهجته وهو يخاطب المركز وجد استحسانا لدى قطاع واسع من مواطني الولاية ،الا ان البعض تساءل عن اسباب هذا التحول المفاجئ في موقف الرجل وهل سيكون ضحية لجهره بالحقائق ويلاقي ذات المصير الذي واجهه والي القضارف الاسبق كرم الله عباس الشيخ،يرى نائب رئيس المؤتمر الوطني بالولاية عمر الشريف ابراهيم ان الوالي تحدث بنبض المواطنين وعبر بكل وضوح عما يجوش في دواخل انسان الجزيرة،معتبرا ان حديث الوالي عن تردي مشروع الجزيرة يأتي من واقع تأثيره السالب على مجمل اقتصاد البلاد وحياة المواطنين بالولاية ،وقال ان الوالي بحديثه وضع المركز امام المسؤولية وذلك لأن الواقع في الولاية يوضح ان هناك معاناة حقيقية بسبب تدهور المشروع، مشيرا في حديث ل(الصحافة) ان الولاية ظلت تتحمل اعباء كثيرة لكونها تحتضن عددا من المرافق الاتحادية ،ويقول انه كلما حدثت مشكلة في احد المشاريع والمؤسسات والمرافق الاتحادية بالولاية تلقي بظلالها على مواطن الجزيرة وحكومته ،ضاربا المثل بمشروع الجزيرة وعدد من المستشفيات الاتحادية ومؤسسات اخرى مثل الري ،وقال ان حكومة الولاية تلجأ لمعالجات اوجه الخلل في كثير من الاحيان خصما من ميزانيتها بحسبان ان المتضرر هو مواطنها ،ويعتقد ان انسان الجزيرة ظل يسهم بنصيب وافر في التنمية والمشاريع الخدمية وان حكومة الولاية تعمل على تفعيل الجهد الشعبي لانها تضع الظروف التي تمر بها البلاد في اعتبارها ،ويؤكد عمر الشريف ان الوالي صمت خلال الفترة الماضية تقديرا لظروف البلاد بالاضافة الى ان الفترة السابقة كانت لوضع الخطط والاستراتيجيات ،وزاد:الوضع الآن اختلف بعد الانتهاء من الخطط حيث ظهرت المطالبات لتنزيل الخطط على ارض الواقع ،ورغم الظروف التي مرت بها الجزيرة الا ان التنمية لم تتوقف وذلك للدور الكبير لجهد الشعبي ومساعي حكومة الولاية ،وهنا اؤكد ان مايحدث بالولاية من تنمية وخدمات ليس مجهودا حكوميا بل اسهام مباشر من مواطن متميز ظل مبادرا ويسبق الدولة ولاينتظرها. ويرجع المحلل السياسي ياسين الباقر تغيير لهجة الزبير بشير طه الى انه ظل منذ توليه منصب الوالي يواجه ضغوطات كبيرة من المواطنين الذين كانوا يطالبون بحقوق مشروعة في التنمية والخدمات ،مشيرا في حديث ل(الصحافة) الى ان تردي وتدهور مشروع الجزيرة من اكثر القضايا التي وضعت الوالي في مواجهة مباشرة مع المواطنين جعلته في موقف لايحسد عليه ،واردف:لم تكن هناك خيارات امام الوالي الذي يرى التنمية المركزية تنداح في بعض الولايات وتتوقف في الجزيرة وفي ذات الوقت يعايش الآثار السالبة على مواطنيه جراء تدهور المشروع فلم تكن امامه خيارات سوى كشف الحقائق للمركز بصوت مسموع ،وان الوالي فضل الانحياز لصالح مواطنيه ،ويرى المحلل السياسي ياسين الباقر ضرورة ان يقرأ المركز حديث الزبير من زاوية انه يبحث عن الاصلاح في المقام الاول وان يأتي التفاعل مع حديث الزبير بشير طه مختلفا عن ردة الفعل التي تعامل بها المركز تجاه جهر والي القضارف الاسبق كرم الله عباس بالحقائق ومطالبته بحقوق ولايته.