ارتفعت الأصوات سيما فى دارفور منادية بالعودة لنظام الإدارة الأهلية والاهتمام بها ودعمها وتقويتها، إلا أن الإدارة الأهلية نفسها لم تذكر وإلا ذكرت معها دار الرزيقات، وذكرت الضعين حاضرتها وبيت النظارة «بيت مادبو»، ودائماً ما يفتخر الدكتور عبد الحميد موسى كاشا بأن الإدارة الأهلية عند الرزيقات أنموذج لأفضل الإدارات الأهلية بالسودان، فالإدارة الأهلية للرزيقات ظلت محافظة ولم تتأثر كغيرها من النظارات التى تأثرت بطموحات وآمال وتطلعات نفر من قياداتها والمتعلمين من أبنائها، ظلت الرزيقات تحتفظ بناظر واحد على قمة هرمها رغم المحاولات اليائسة التى بذلتها مجموعات لتفكيك تلك الإدارة، «الصحافة» من جانبها جلست إلى ناظر الرزيقات سعيد محمود موسى مادبو فى داخل البيت الكبير بالضعين، ويبدو الناظر أقل بكثير من عمره «التسعينى»، ويقول محمود أحمد الصالح أحد القيادات القبلية المقربة من النظارة إن قبيلة الرزيقات يتربع على قمتها الناظر سعيد محمود موسى، ويعمل محمود موسى إبراهيم مادبو وكيلا للنظارة، ويؤكد محمود أن الرزيقات لهم نظارة ظلت مكان اهتمام وتقدير منذ عام 1920م، وتسلمها الناظر إبراهيم موسى مادبو من والده، وكانت العاصمة آنذاك فى أبو جابرة، وكانت الضعين فى ذلك الوقت منطقة رحل، وتأتى إليها المراحيل من كل حدب، ويقولون فلان «فات الضعينة» إلى أن تمت تسميتها «الضعين». إلا أن شواهد التاريخ تثبت بأن هنالك الكثير من المعارك فى عهد الناظر إبراهيم موسى مادبو وقبلها ما بين «الناظر موسى مادبو» و «السلطان على دينار» فى مواقع كثيرة، وفى عام 1948م استقرت الرزيقات فى الضعين فى عهد الناظر إبراهيم موسى مادبو ووكيله محمود موسى مادبو، وبدأوا بتخطيط السوق ب «60» دكاناً كبيراً مكونة من ثلاثة أجزاء «دكان ومعرض ومخزن » برسم «5» جنيهات، ولا يمكن الحصول عليه إلا بعد بيع قطيع من البقر كما يقول الصالح ل «الصحافة»، وما يميز الضعين بأن من يتعاملون بسوقها يتكونون من أكثر من «40» قبيلة، وفيهم التجار «الجلابة» والمقصود بهم جالبو البضاعة بغض النظر عن لونهم أو قبيلتهم أو جهتهم، وهم مستقرون ولديهم دكاكين ومنازل بالضعين، وتعتبر الضعين هى بوابة دارفور، حيث تمر عبرها كافة البضائع لمناطق دارفور الأخرى، كما هى بوابة السودان مع دولة جنوب السودان، وكنا نمدهم بكافة احتياجاتهم الغذائية، وكنا نذهب إليهم بماشيتنا سعياً للماء عند بحر العرب، وكانت العلاقة بين القبيلة وقبائل الجنوب ودية ذات مصالح مشتركة، فيما ظلت تتمتع الإدارات الأهلية باعتراف واحترام كامل من قبل الجميع، ويوجد تنسيق إدارى بين القبائل، ويتم خلالها القبض على المجرمين ومحاسبتهم وفق الأعراف السائدة، ويتبادلون المصالح المشتركة بينهم حسب حديث الصالح، وقد كانت منطقة سماحة التى كانت تعرف ب«سفاهة» هى منطقة بحر العرب «235» كيلومتراً جنوب الضعين، وهى ذاتها منطقة «14 ميل» التى تتنازع عليها الدولتان فى مساحة «284» كيلومتراً مربعاً، ولا يستطيع الزائر أن يفرق بين من هم العرب ومن هم الدينكا خلال مارس وأبريل، وهذا الاستقرار والإلفة جلب الكثير من الفوائد والمصالح المشتركة بين العرب والدينكا. ويتدخل أحمد سعد محمود موسى مادبو موظف بوزارة الثروة الحيوانية والسمكية بولاية شرق دارفور سليل النظارة قائلاً: أنا عضو لجنة الفريق الطيب مختار المكونة من قبل رئاسة الجمهورية بشأن تنظيم المراحيل، وقد خططناها وفى انتظار خطوات الحكومة لتنفيذ الخدمات البيطرية، والخدمات الأساسية للرعاة تتناسب مع ما ظل يقدمه الرعاة من رفد لخزينة الدولة، أما بشأن الأحداث فى دارفور فيقول أحمد مادبو: ظلت الضعين على مستوى نظارتها وقياداتها ترفض الحرب، وأضاف مادبو قائلاً: أنا زول منظمات ويوجد بالضعين معسكر «النيم » به أكثر من «120» ألف من النازحين فيهم «100» ألف يحملون بطاقات تمويلية من قبل المنظمات، ولم يحدث طيلة «10» سنوات أن سمعوا حتى كلمة «أف» من قبل القبيلة، كما لم تحدث بالمعسكر جرائم قتل ماعدا واحدة نتيجة «إهمال». وللرزيقات أعراف يحترمها الجميع كما يقول محمود أحمد الصالح، وقد نجحت فى حل الكثير من القضايا عبر الأعراف فى قضايا دائما ما يفشل القضاء فيها، مثل قضايا الزواج والتى غالبا ما تؤدى لاندلاع حرب «دواس» لتلك الأسباب، وشواهد التاريخ تحكى الكثير منها، ويؤكد الصالح أن «الدواس » عند الزريقات دواس قبيلة وليس فرد، مثلاً «نام ليل، القطر وغيرها»، ويطالب الصالح بتقوية الإدارة الأهلية خاصة فى ظل النزوح والحراك المجتمعى الكبير، ويعتبر الصالح أن مشكلة الأرض من أكبر المشكلات، ويقول إن البشرية تزايدت وزادت معها الثروة الحيوانية واتسعت الرقعة الزراعية، فيما ظلت الرقعة الجغرافية هى الأرض ذاتها دون زيادة، ولتفادى تلك المشكلات لا بد من مراعاة تنظيم سير المراحيل، مثلاً هذه المنطقة بها «12» مرحالاً لحوالى «25» مليون رأس، فلا بد أن تذهب إلى البحر فى الجنوب لعدم توفر المياه، ويؤكد أحمد مادبو أن انفصال الجنوب من أكبر الأخطاء التى عادت بضرر على الرزيقات، فيما يشير الصالح لبعض الأعراف والقوانين المنظمة فى منطقة الرزيقات، ويقول لا يجوز لأحد أن يقطع شجرة فى مناطق مصادر المياه، كما لا تجور زراعة «النقعة » أو «العتمور» وتعنى المنطقة المرتفعة .