الحمد لله لم أبهت غرايشن والامريكان عندما قلت في مقالي السابق (الشريكان والامريكان وتقسيم السودان).. أن غرايشن لم يكن دبلوماسياً ولا سياسياً في احاديثه قبل الانتخابات، حيث يدعو جهاراً نهاراً على ان سير العملية الانتخابية على أحسن ما يكون، بل حاول أن يقنع القوى المعارضة بدخول العملية الانتخابية بالكيفية التي يراها هو صحيحة، وكأنه سوداني أكثر من السودانيين، وذهبت في حديثي وتحليلي على أن غرايشن يريد من الانتخابات مطية لفصل الجنوب عن الشمال، ولا مصلحة له غير ذلك. قلت ذلك قبل اسبوع من حديث غرايشن الاخير وبعد إنتهاء الانتخابات الذي قال فيه إن الانتخابات مزورة، وأن لا شرعية لها غير فصل الجنوب من خلال الاستفتاء القادم وحل مشكلة دارفور بل هذه المرة طعن الفيل في عينه وليس في ظله عندما قال إن الانتخابات لا تعفي البشير من لاهاى... أكرر اللهم لك الحمد والشكر الذي جعلني أن أقول الحق، قبل ان يدلي به صاحبه لنفسه. إذا كنت «أنا» المواطن المسكين الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله، من حيث توفر المعلومات والدراسات كالدولة التي بين يديها كل شيء ولا تنتبه لما يحاك من مؤامرات على وطنها ولا تعرف، وإذا عرفت لا تبالي، كيف لدولة لها سيادتها أن تسمح لرجل مثل غرايشن أن يقول فيها ما لم يقله مالك في الخمر، ولا تستدعي سفارته بل ترحب به في مقبل الايام، اللهم الا اذا كانت هذه الدولة ممسوكة في مكان حساس. انكشف المستور ووضحت الألاعيب على الوطن، ولا يمكن ان نترك وطننا تتقاذفه الاهواء، ولا نستطيع تخليصه من براثن المتآمرين، وضح جلياً ان قيادات من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تريد ان تلعب بهذا الوطن وهم يتلقون الدروس من هذا الجنرال الاميركي الجريء البذيء الذي لا يحترم حتى مشاعرنا كسودانيين، أين الاخلاق وأين السلوك الديمقراطي الحضاري الاميركي عندما كنت تعلم ان الانتخابات مزورة ورغم ذلك تريد منها ان تفصل هذا الوطن، بهذا السلوك وكأنك تريد شق هذا الجسم الحي الى قسمين بمنشار دون حتى بنج موضعي، أية قسوة وأية غلظة في هذه السياسة الاميركية الجائرة التي لا تعرف الشفقة ولا المنطق ولا الاخلاق. وأية حكومة وطنية هذه يقول فيها غرايشن هذا الكلام ولا تنبت ببنت شفة. هل كل هذا من اجل الكرسي الزائل ام ان حديث غرايشن ليس منه طائل، وكيف بالحركة الشعبية ترضى ان يكون استفتاؤها في اطار اجهزة مزورة، هل هذا ما حاربت الحركة الشعبية من أجله طيلة الخمسين عاماً. استغرب والله جداً لانظمة يقال فيها مثل هذا الكلام ولا تُعلق ولو بنصف سطر في اجهزة الاعلام رداً على هذا الجنرال الجريء، بل علمت أنهم سيستقبلونه خلال الاسبوع الجاري.. لا ادري ماذا يقول لهم وماذا يقولون اليه.. ان ما قاله غرايشن تحدي الحقرة والحقارة الى الاهانة والاستهانة ليس بناظمي الشمال والجنوب وانما للشعب السوداني الذي لم يقدره غرايشن حق قدره، بمعنى أوضح يريد أن يقول غرايشن للشعب السوداني بعد ما كبلناكم ووضعنا زعماءكم في جيوبنا نفعل بكم الافاعيل ولا حول ولا قوة لكم. ولكننا نقول يا غرايشن اذا دعتك قدرتك الى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، هل تعلم انك ضُربت في عقر دارك في سبتمبر 1002م وحتى الآن لم تستطع معرفة مكان الذي ضربك وهو شخص مسكين من عامة المسلمين رغم إستعمالك لكل ما توصلت اليه حضارتك من صنع، خاصة الاقمار الاصطناعية التي تحصى الانفاس، وسمعنا بقوقل الذي يعرفنا ويعلمنا بعدد شبابيك وحمامات منازلنا، لماذا عجز عن معرفة اسامة بن لادن؟! كنت لوقت معجب جداً باميركا وبتطورها الحضاري السريع وباجازتها للقوانين الشجاعة التي اعادت الحرية للانسان الاميركي وعندما بزغ نجم اوباما كنت من المصفقين له والمؤيدين لاطروحاته بل كتبت مقالاً في هذه الجريدة قبل خمسة ايام من فوزه داعياً للوقوف مع اوباما الحكم الانساني النبيل، ولكن بعدما سمعت غرايشن يقول بكل جرأة امام الجنوبيين في اميركا ان الانتخابات مزورة والهدف منها نريده لعملية الاستفتاء وفصل الجنوب وحل مشكلة دارفور، ذهلت جداً من هذه اللغة الاستفزازية الاحتقارية وكدت اندم لوقوفي مع اوباما. يا أخي غرايشن هل نرجو من وصف طبي خطأ يعالج مريضاً ان صح ذلك ربما تكون مصادفة تحصل في الالف مرة واحدة، وهذا لا يعتمد عليه يا أخي غرايشن اتريد ان تلاحق تاريخك مرحلة فصل الجنوب كما تلاحقكم ابادة الهنود الحمر، اذا حصل للهنود الحمر في عصور عفا عليها الزمن اتريدنا ان نرجع القهقري في القرن الواحد والعشرين، عصر النهضة الصناعية، عصر النت، عصر الديمقراطية والشفافية. يا اخوتنا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ارجو أن تنتبهوا لحديث غرايشن يريد ان يلقى بكم الى التهلكة ولشعبكم في الجحيم وانتم الذي تسألون عن ذلك ولا غيركم. صححوا من مفاهيم سياستكم واديروا امركم بمزيد من الشورى، واذا صح قول غرايشن بتزوير الانتخابات فلماذا لا تعلنوا حكومة انتقالية لتشرف على انتخابات جديدة وترعى الاستفتاء بطريقة شفافة وتعالج قضية دارفور بطريقة وطنية. والمثل يقول «ألف نطة ولا خازوق».