٭ ترتفع معدلات الشكوى كل يوم بارتفاع الأسعار وغول الغلاء الذي يتغدى بمقدرات الناس.. كل الناس الرضع والأطفال والشباب والشيوخ والكهول.. نعم ان المواطن الذي يصرف خمسمائة جنيه في الشهر.. يعاني كل يوم ويشعر بوطأة الغلاء ويعيش داخل سجن الحرمان دون ان يجد طريقاً للخلاص.. اذا كان دخله محدوداً بهذا المرتب الضئيل ولم يكن من اصحاب الثروات المشروعة او غير المشروعة.. الظاهرة أو الخفية. ٭ الحديث عن صعوبة الحياة وعن سوء الاحوال المعيشية بالكلمات المرسلة هكذا سهل.. ولكن اذا وقفنا وقفة عابرة ندرك في اي قاع يعيش محدودو الدخل من موظفي الدولة والقطاع العام الذي بقى ولم تطوله ماكينة الخصخصة اللعينة ويمكن ان يلحق بهم اعداد من ارباب المعاشات.. ومجموعات من كبار السن والارامل الذين يعيشون على دخل ثابت من ايجار قديم او جنيهات يجود بها ابن او ابنة.. او قريب. ٭ وبالطبع هناك موظفون كبار في دواوين الحكومة وفي بعض شركات الاستثمار والبنوك يتقاضى الواحد منهم 20 و40 و50 ألفاً في الشهر.. وهؤلاء ليسوا من محدودي الدخل لانهم في الاغلب الاعم يحصلون على انصبة اخرى من الارباح او من حوافز الاجتماعات والاكراميات والعمولات بطريقة او اخرى سواء في السودان او خارجه. ٭ لكن اليوم نتحدث عن العاملين في دائرة كبار موظفي الدولة والشركات والبنوك الاستثمارية التي خلقت طبقة غنية ارستقراطية بعيدة كل البعد عن الاحساس بآلام الاغلبية من الشعب ومتاعبه ومعاناته. ٭ سؤال كبير ومهم وخطير لماذا يعاني اغلب الشعب؟ والاجابة ايضا بسيطة.. ان قيمة هذه الجنيهات الخمسمائة تنخفض كل يوم في هذا الزمان السوداني العجيب ، وأسعار السلع جميعا ترتفع كل يوم، وكلنا يذكر النكتة التي تحدثت عن العامل الذي اشترى قطعة صابونة في المساء ولما اصبح اليوم التالي ذهب الى الدكان ليشتري نفس الصابونة وجد سعرها قد ارتفع، فأخذ يحدق في وجه صاحب الدكان قائلاً له: «يعني ما ننوم».. هذا حالنا مع الخبز.. والزيت.. والسكر والشاي والارز والعدس والصابون والكهرباء، والماء، والغاز.. والخضار.. الخضار في السودان كيلو البامية 20 جنيها وايضا الفاصوليا الخضراء.. الاسود بخمسة جنيهات والبطاطس بثمانية جنيهات، وهكذا حال الموظف الصغير والعامل وهم الاغلبية.. لم اذكر أسعار اللحمة والفراخ لانها اصبحت أماني وأحلام عسيرة المنال. ٭ حدثني احد اصحاب الجزارات قال لي انه يجمع عظام اللحمة الضاني والعجالي ليدفع بها لبيوت موظفين من اصحاب الخمسمائة جنيه، والذين كانوا من زبائنه في زمان مضي حتى تتمكن زوجاتهم من اضافة الويكة «لشوربة» العظام، فالخضار لم يكن في مقدورهم بداية من البصل والطماطم. ٭ على كل من يقرأ هذا الكلام ان يحاول ان يضع ميزانية لعامل او موظف دخله خمسمائة جنيه ولديه سبعة اطفال وأمهم.. قبل ان يفكر في الحديث الطيب الذي قاله الاستاذ علي عثمان في مؤتمره الصحفي الاسبوع الفائت والحديث الطيب والقرارات الاطيب باطلاق سراح المعتقلين السياسيين.. فمع هذا العذاب والحرمان والضياع الذي اكتنف الحياة لم يبق لنا الا ان نغلق اسواق وبوتيكات الكلام. علينا ان نكف عن بيع الكلام وان ننظر لهذا الحال الكئيب الذي تزيده الحرب كآبة وحرمانا.. على الحكومة والمعارضة ان ينظروا كيف يعيش صاحب الخمسمائة جنيه ناهيك عن العاطل والمتشرد والمريض.. كفانا كلاماً ولنبدأ العمل.. هذا مع تحياتي وشكري