هنالك وسائل احصائية معتمدة في استطلاع اتجاهات الرأي العام ويمكن للقوى المتنافسة سياسيا استبيان رأي السودانيين ان بخبراء محليين او خبراء من الخارج، وذلك لإعطاء مؤشر موضوعي عن اتجاهات الناخبين بدلا من ان تكون السياسة صخبا وضجيجا اشبه بالتهريج. ففي استطلاع محدود، لا يدعي احد بحال انه يمثل قاعدة الناخبين تمام التمثيل، شمل من هم بالسجل الانتخابي ومن هم خارجه، ظهر تأييد الناخبين وبنسبة عالية للبشير كمرشح اجدر بالفوز برئاسة الجمهورية. وهذا ما قالت به دوائر امريكية واروبية والتي لا يرغب بعض منها في بقاء البشير على سدة الحكم اصلا. مثل البشير كمرشح للرئاسة القاطرة الحقيقية في دفع المسجلين للتصويت خاصة مع الرمز الواحد للحزب الذي اعتمدته المفوضية. وجرت قاطرة البشير الكثيرين في قائمة حزبه لمناصب الولاة والمجلس الوطني والمجالس التشريعية، والذين لولاه لما كانت حظوظهم تذكر في نيل اصوات الناخبين. وليته يدرك، ان الانتخابات كانت استفتاء على شخصه اكثر مما هي قناعة ببرنامج او اشخاص المؤتمر الوطني وحلفائه وعليه ان يعرف انه سيصبح رئيسا منتخبا للسودان والسودانيين، وان التصويت له كان بأكبر من عضوية المؤتمر الوطني وعليه ان ينظر بأفق اوسع من الانتماء الحزبي او الذين يتحلقون حوله فهذا الشعب بما اظهره من وعي وسلوك يستحق قيادة بقامته. إن الألاعيب التي يمكن ان تقوم بها بعض الكوادر التنفيذية والأمنية ظنا منها انها تخدم اغراضها في السياسة والسلطة ان حدثت، فهي طعن في مصداقية فوز البشير وسلب للناخب السوداني حقه في الاختيار. فإذا كان صلب العملية الانتخابية هو معرفة رأي الناخب وأن نلتزم ذلك الرأي رضيناه او كرهناه، فإن الجولة الحالية هي جولة البشير وعلى الاحزاب تجهيز نفسها لجولات قادمات. ظل طاقم البشير في الوزارة والمنصب الدستوري احيانا لمدى عمري وعدد من السنين جاوز سن المعاش، فهل كثير على الناخب ان يتغيرالطاقم بوجوه جديدة يتوسم فيها الشارع الاستقامة والكفاءة وليس اليد الغليظة للسلطة؟ إلقاء اللوم على الآخرين يسهل ولكن تحملنا لمسؤولية اخطائنا هو المحك في التقدير والتقييم. فمن الواضح ان المعارضة بقيت في حدود الرغبة والامنية للسلطة ولكنها لم تملك القدرة والارادة والتخطيط للوصول إليها. تدلنا التجارب، وهذا عمل مدروس على نطاق العالم، ان للناخب صوت احتجاجي عند استمرار نفس الاشخاص في السلطة لمدة طويلة، ناهيك عن عشرين سنة من عمر الانقاذ، ولم يجد الصوت الاحتجاجي للناخب من يوظفه. عدد مقدر من الذين لم ترد اسماؤهم في السجل الانتخابي كانوا غير متفائلين بالتغيير على يدي القوى المعارضة، وقالوا انهم لم يجدوا الدافع او الحافز او الحث من المعارضة للتسجيل. فليس بخاف، ان احزاب تكتل جوبا او ما تحب ان تسمى به نفسها (احزاب الاجماع الوطني) لم تأخذ عملية السجل الانتخابي بالجدية اللازمة وتراخت فيها وجاء تحركها متأخرا وعلى ايقاع بطيء وفي الاسبوع الاخير عند التمديد. فإذا كانت يائسة من العملية الانتخابية فذلك تقديرها واذا اتكأت على شماعة الامكانات فهذا دليل على عدم جاهزيتها لأمر متوقع حدوثه ولا يحتاج لكبير تمويل اذا كانت القواعد منظمة ونشطة في دفع الناخب للتسجيل. اعتمدت احزاب تكتل جوبا على تعاطف مرشح الحركة للرئاسة في تأجيل الانتخابات حتى نوفمبر القادم، ولو كان موقف قيادة الحركة مع التأجيل لكان المؤتمر الوطني مجبرا على التأجيل كما حدث في جنوب كردفان، ولكن ظهر جليا وزن مرشح الحركة عند قيادته، بل ووزن كل قطاع الشمال. وحتى عند سحب مرشح الحركة للرئاسة بالطريقة إياها، كان من الممكن ان تتفق احزاب تكتل جوبا على مرشح واحد للرئاسة.. كما اعلن بعضهم مرارا وتكرارا ولكن ذلك لم يحدث، بل رأينا انسحابا بالجملة من السباق الرئاسي ثم الربكة والبلبلة الواضحة عن هل الانسحاب يشمل المستويات اخرى ام لا؟، ولم تمض ساعات حتى كان موقف الانسحاب من التنافس على منصب الرئاسة اوعدمه اكثر تذبذبا. وكانت توقعات المهتمين والمتابعين ترجح فوز المعارضة بعدد من مناصب الولاة ومقاعد المجلس الوطني والمجالس التشريعية والتي كان من الممكن ان تخلق توازنا داخل تلك الاجهزة في مقابلة المؤتمر الوطني وتعطي العملية الانتخابية حيويتها في اتجاه التغيير. عوّل حزب الامة على سكوت جرايشن مبعوث الرئاسة الامريكي لتأجيل الاقتراع لمدة اربعة اسابيع فقط وليس لنوفمبر كما كانت المطالبة اولا، واتضح ان ذلك التعويل ليس في محله ولم يأت بنتيجة. وفقدت العملية الانتخابية زخمها وطعمها من اناس شعر الناخب انهم لا يعرفون ما يريدون ولا يملكون الاتفاق على ما ارادوا...! فمن نلوم؟! هل نلوم الناخب على ذلك التخبط..؟! واجهت المفوضية القومية للانتخابات انتقادات متشعبة ولكن تبقى حقيقة ان النظام الاجرائي في الاقتراع والتي اعتمدته المفوضية، يبقى نظاما غير مسبوق ويجعل عملية التزوير صعبة اذا اتبعنا النظام كما هو .. وهنالك الضمانة الاضافية في حق وكلاء المرشحين والاحزاب والمراقبين في البقاء مع الصناديق طيلة فترة الاقتراع والعد والفرز. عدد قليل من الناس يستهين بقدرات وذكاء د/الترابي وهو معروف لدى السودانيين بحيلته الواسعة وذلك حتى قبل المفاصلة بينه وبين مؤيديه وتلامذته الذين كانوا يستميتون في الدفاع عنه عندما توجه إليه الانتقادات، ويبقى مؤيدوه وتلامذته السابقون ادرى به وهو ادرى بهم. إعلان د/ الترابي عن عملية منظمة لاستبدال صناديق الاقتراع يحتاج لإثبات وادلة ولو في مركز او نقطة اقتراع واحدة في العشرين الف نقطة على اتساع القطر، وعلى المفوضية السعي والمساءلة عن ذلك لأنه خرق اساسي في النظام الاجرائي للانتخابات ان حدث، وللمواطن الحق ان يعرف وهي تدخل الجهاز التنفيذي والكادرالامني في الامر ام لا؟ وذلك بصرف النظر عن رأي الناس في د/ الترابي وانه لا يزال مسؤولا بدرجة او اخرى عن بلاوي الانقاذ والتي خرجت من تحت جلبابه. اذا كانت الرغبة اكيدة في التحول فإن البشير لن يبقى الى الأبد.. والدستور يحدد له دورتين، فعمر الشعوب اطول بما لا يقاس عن عمر الافراد، وعلى القوى المعارضة تأهيل نفسها بالتخطيط والتنظيم والارادة والمواقف المتسقة، فإنها بأفعالها لا تسعى للتحول ولا إلى استقرار الوطن. فخافوا الله فينا يا أنتم ويا هؤلاء ..! مركز القارئ للدراسات والنشر