تقرير : عبدالوهاب جمعة: منذ ان فتحت الصين خزائن النفط للسودان التي اغلقتها شركة شيفرون في ما مضى من تاريخ السودان القريب،تحولت الصين الى شريك تجاري كبير للسودان ، وانهالت الشركات الصينية ومعها القروض المالية على البلاد وتعددت الاستثمارات للدولة الاكثر سكانا في العالم، علي ارض النيلين ، لكن وفقا لمحللين فان الصين لم تكن الحليف الاستراتيجي بعيد المدى للسودان، ففي لحظات المقارنة مع حجم التبادل التجاري بين الصين والولاياتالمتحدة فان تأرجح الميزان يميل الى صالح الولاياتالمتحدة اكبر مستورد للسلع الصينية في العالم ، وبعد احداث هجليج وتوقف ضخ النفط اوقفت الصين تلك القروض ، والان بعد ان بدأت العافية تسري في انابيب النفط ووصل البترول الى ما بعد الجبلين في طريقه الى موانئ التصدير ،تأتي الانباء بتسريع الصين للقروض للسودان بحجة « تفهم الصينيون للظروف الاقتصادية » فهل الصين حليف استراتيجي ام يربطها رباط المصالح . فقد وافقت الصين الشعبية على تسريع الاجراءات الخاصة بالقروض الممنوحة للسودان وزيادة حجم التعاون في مجال القروض التفضيلية والميسرة والمنح ، مع منح اولوية للمشروعات المرتبطة بزيادة الانتاج والانتاجية في الموسم الزراعي الحالي تقديرا للظروف الاقتصادية الحالية بالسودان. وقال وزير الدولة بالمالية عبدالرحمن ضرار ان الصين تعهدت بزيادة حجم التعاون مع السودان ، كما التزم بنك التصدير والاستيراد الصيني بالتنسيق مع وزارة التجارة الصينية بتسريع الاجراءات الخاصة بزيادة حجم التعاون مع السودان في مجال القروض التفضيلية والميسرة والمنح، مع منح اولوية للمشروعات المرتبطة بزيادة الانتاج والانتاجية. وكشف ضرار بعد عودته من الصين ،والتي تباحث فيها حول تطوير اوجه التعاون الاقتصادي والتجاري مع المتخصصين هناك، عن توقيع مذكرات تفاهم بين الجانبين ،وقال ان الجانب الصيني ابدى بموجب هذه الاتفاقيات تفهمه للظروف الاقتصادية التي يمر بها السودان ،متعهدا بتسريع اجراءات منح السودان قروضا للمشروعات ذات الانتاجية ،والتي اكتملت اجراءاتها وقدمتها حكومة السودان كاولوية . ويقول بروفسور العلوم السياسية عبده مختار ان الصين تحركت نحو القارة الافريقية في الاونة الاخيرة بهدوء شديد، ويصف البروفسور ذلك ب« الدبلوماسية الناعمة » و « دبلوماسية المساعدات الانسانية» ، ويعتقد عبده مختار ان الصين كسبت كثيرا من الدول الافريقية، وتواجدت في جنوب افريقيا وانغولا ودول غرب افريقيا . ويلفت عبده مختار الى تواجد الصين في السودان من خلال الشركات الكثيرة والعمالة الكثيفة ، واعتبر ذلك بانه « نموذج في التعامل بين دول العالم » ،ويوضح ان الصين تتميز بعدم تدخلها في الشؤون الداخلية، وتكتفي بالتعاون الاقتصادي ،وهو ما يعتبره بروفسور العلوم السياسية تميزا عن دول الغرب التي تضع اشتراطات محددة قبل اي عملية تنمية. ومع ذلك فمن الواضح حسب البروفسور عبده مختار، فان السودان بتعامله مع الصين سيكسب كرت ضغط في تعامله مع دول العالم باعتبار ان الصين دولة تملك اقوى اقتصاد بعد الولاياتالمتحدة ،ويؤكد عبده مختار انه ليس من المستغرب بمكان ان تبدو الصين حليفا استراتيجيا لجهة المصالح التي تقود الى ديمومة الصداقات. لكن اذا كانت الصين حليفا استراتيجيا لماذا لم تقدم الدعم للسودان في مجلس الامن ؟ ينفي بروفسور العلوم السياسية عبده مختار ان تكون الصين قد تخلت عن السودان، ويلفت الى ان الصين دعمت موقف السودان اثناء قضية دارفور، مضيفا « الصين ناضلت مع السودان » ،ويؤكد ان ذلك الدعم اضطر بعض الغربيين الى وصف سفير الصين بالامم المتحدة بانه « وزير خارجية السودان » . ويستدرك مختار ان الصين لها سقف محدود في دعم البلاد لجهة ان الصين تحاول موازنة علاقتها مع الغرب الذي يمثل لها اكبر مصدر لنمو الاقتصاد الصيني ، وبعبارات واضحة يقول عبده مختار « الصين تضطر الى استخدام دبلوماسية التحفظ او الحرج عندما يكون موقف السودان ضعيفا » . والعلاقة بين الصين والسودان التي تضرب بجذورها الى خمسين عاما الماضية ازدهرت في ظل الحزب الشيوعي الصيني بعد سياسة الانفتاح الاقتصادي التي قادها الحزب في ثمانينات القرن، بينما فتح حزب المؤتمر الوطني ابواب الاستثمارات الصينية على مصراعيها ، لكن هل نعتبر الصين حليفا استراتيجيا ؟ يقول القيادي بالمؤتمر الوطني دكتور ربيع عبدالعاطي ان الصينيين يعرفون موارد السودان من خلال الشركات العاملة ،ويشير الى تنوع الاستثمارات الصينية من النفط الى المعادن وحتى الزراعة ، ويصف القيادي بالمؤتمر الوطني علاقات الصين بالسودان بانها علاقات استراتيجية ويزيد بالقول « انها علاقات لمستقبل واعد »، ويعتقد عبدالعاطي جازما ان الصينيين اكثر تجربة ومعرفة من غيرهم بالسودان ، ويعترف عبدالعاطي بان سوء العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان اثر على الصين، الا انها تدرك ان قوة الاستثمارات في شمال السودان، ويرى القيادي بالمؤتمر الوطني ان الصين تعرف فرص استثمار ما تحت ارض السودان والتي تعتبرها « اوسع الفرص ». اذن، اذا كانت تلك العلاقات متميزة ، فبما يصفها القيادي بالمؤتمر الوطني ؟ يقول ربيع عبدالعاطي ان العلاقات بين البلدين تعتبر انموذجا للمصالح المشتركة، مشددا على ان العلاقات بين البلدين لم يطرأ عليها اي « غبش » يعكر صفو العلاقات بينهما . معظم القروض الصينية تقوم على مبدأ ضمان النفط ، وبعد احتلال هجليج وتدمير منشآت النفط من قبل قوات الجيش الشعبي لدولة جنوب السودان توقفت قروض تمويل محطة كهرباء الفولة وخط نقل الكهرباء ، بجانب توقف خط نقل الكهرباء الى مدن منها مدينة أبو حمد الواقعة على مقربة من سد مروي ، لكن اذا كانت الصين حليفا استراتيجيا للبلاد ، فلماذا توقفت القروض بضمان البترول بعد احداث هجليج وتوقف نقل نفط الجنوب عبر خطوط الانابيب وموانئ السودان ؟ وهل الصين تسعى الى المصالح الدائمة وليس الصداقات الابدية؟ يجيب عن ذلك التساؤل بروفسور الاقتصاد بالجامعات السودانية عصام بوب بالقول الصديق الوحيد للصين هو المال والمصالح الاقتصادية، مشيرا الى ان ذلك ديدن الصين في تعاملها مع معظم دول العالم ، لكن ما هى تلك القروض وما هو حجمها ؟ مرة اخرى يقول بوب ان لا احد من العلماء او الاداريين يعرفون ماهية تلك القروض ،وهل تمول لمشاريع حقيقية ام تذهب لاغراض اخرى ، ويدعو بروفسور الاقتصاد الى مراجعة السودانيين للسياسات الاقتصادية ،مؤكدا ان تلك القروض تمثل عبئا كبيرا على الاجيال المقبلة، ويقطع بوب بالقول « تلك القروض ليست لها فائدة اقتصادية للبلاد » . ويعطي بوب رؤية تاريخية لما سبق ان تعرضت له البلاد جراء الاعتماد على القروض الخارجية، ويقول ان ديون البلاد السابقة لم تذهب الى المشاريع التي تعود بالفائدة على الناس ،مشيرا الى ان ديون البلاد وصلت الى 46 مليار دولار، مؤكدا انه مع مرور الايام ستزداد مبالغ تلك الديون لعدم مقدرة البلاد على دفع اقساط تلك الديون وخدماتها ، ويخشى بروفسور الاقتصاد بوب من ان تكون تلك القروض الصينية مرهونة لثروات البلاد المدفونة في الارض. ومع ان الكثير مما يحصل بين مختلف دول العالم رهين بنظرة كل دولة الى الاخرى بناء على المصالح الدائمة وليس الصداقات المستمرة، الا ان وضع السودان يختلف فليس للسودان كثير من الحلفاء سوى الصين التي لها حساباتها الاخرى عند التعامل مع السودان بمواجهة الولاياتالمتحدة .. على اي حال، لا يستطيع السودان التخلي عن حليفه الصيني في ظل سياسة القطب الواحد وامواج العولمة التي تجتاح العالم .