بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    شاهد بالصورة والفيديو.. الحرب تشتعل من جديد بين الفحيل وشقيقه.. شريف ينهار بالبكاء على الهواء: (محمد هاجمني بألفاظ غزرة وشتمني بعبارة "تيت" ووصف والدنا بالكلب)    شاهد بالفيديو.. الفنانة منى ماروكو تهنئ أحمد الصادق وتلقبه بالأسد: (كان نائم في الغابة وقال أمرق بمزاجي وكجونكات حتى الممات)    رئيس مجلس السيادة يلتقي السفير الفلسطيني بمناسبة إنتهاء فترة عمله بالسودان    "مصر وسوريا".. إدارة ترامب تدرس إضافة 36 دولة إلى قائمة حظر السفر بينها دول عربية    بايرن ميونيخ يلتهم أوكلاند بأكبر نتيجة في تاريخ مونديال الأندية 10/صفر    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    توجيه عاجل لرئيس الوزراء السوداني    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر.. صهر الجغرافيا في أتون الحرب    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    الجهاز الفني للمريخ يضع برنامجا خاصا للنخبة    المريخ يعسكر ببورتسودان    جريمة بشعة لسودانيين بإفريقيا الوسطى    عمر العمر يكتب: بوصلة رئيس الوزراء السوداني    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    مدرب المريخ يصل الي القاهرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أوراق...إسمها عملة)    عقار وبروميدشن: أى مصالحات ؟    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    ميسي: توقعات كأس العالم للأندية مختلفة مع ميامي    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    مصر توضّح حقيقة حدوث تغير في الخلفية الإشعاعية داخل أراضيها    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    يوم عيد وانتهى    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضجة غير مسبوقة: (ميادة قمر الدين تملك جنبات وصلب وشطرنج دايرة ليها راجل بس) والجمهور: (شكلك كترتي من الشربوت)    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    تفاصيل اللحظات الأخيرة لأستاذ جامعي سعودي قتله عامل توصيل مصري    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات السودانية الاثيوبية: نظرة تاريخية ومستقبلية
نشر في الصحافة يوم 25 - 05 - 2013

ان سياسات (اثيوبيا) كانت مرتبطة بسياسات (النيل عامة) كما ان (الصراع) الذي بدأ في ذلك الوقت للسيطرة على ذلك القطر (اثيوبيا) كان في الحقيقة صراعاً للسيطرة على (النيل الأزرق).
الآن مورهيد - النيل الأزرق- ص133
(1)
لاسم (اثيوبيا) ايقاع تاريخي فريد ولحون جغرافية بديعة تُتُرعان الوجدان، وتشبعان العقل بحلم طفولي غامض يدوزنه رباب شارد: يمتد ذلك الحلم إلى بدايات التاريخ حين بدأ الانسان حبوه باتجاه الحضارة ، وعلى الرغم من تجنٍ واضح من كتاب الغرب على تاريخ اثيوبيا حين وصفوها بالعزلة وبالتوحش، أو حين حددوا ان تاريخها الحديث يبتديء حينما ظهر (الامبراطور ثيودور) - فالأصح - ان هذا ما رأته (انجلترا) - في ذلك الوقت حين تدخلت عسكرياً لتثأر لاهانة وجهها إليها الامبراطور ثيودرو أو كما عبر (الآن مورهيد) «ان كل العمليات الحربية الواسعة النطاق والبالغة التكاليف لم تكن إلا ضرباً من الغطرسة العنصرية لا أكثر ولا أقل فقد اساء ثيودور إلى دولة عظيمة يجب أن ينال جزاء» - (النيل الأزرق: 413).
والحقيقة غير ذلك تماماً فالتاريخ الاثيوبي يمتد إلى فجر التاريخ: انساناً وأحداثاً، كان لها الأثر في المسار البشري: ظهور المسيحية في اثيوبيا، تدمير (عيزانا) الملك الاكسومي لمملكة مروي (325م) وتشهد مسلته الشهيرة على ذلك فقد اضاءت شيئاً من تاريخ السودان في عز الفترة ، واستقبال (النجاشي) لهجرة المسلمين الأوائل هروباً من عسف أهل مكة، وتمت تلك الهجرة بتوجيه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
عنت اثيوبيا في اللسان الاغريقي ذوي الوجوه المحترقة وحدد كل من (هومير) و(هيرودوت) (بلاد اثيوبيا) ابتداء من حدود مصر الجنوبية وحددها (استرابو) باعتبارها جزءاً وامتداداً للأراضي المصرية والمصطلح الاغريقي يغطي كل شعوب المنطقة التي يتدرج لونها من السمار إلى السواد وبالتحديد (النوبة) و(اثيوبيا) الحالية و(اريتريا) (فتحي غيث "الإسلام والحبشة عبر التاريخ- ص6 ، وبركات موسى الحواتي - دراسات في الذاتية السودانية ص59) كما أن المصطلح ارتبط على نحو مباشر بالاسرة الخامسة والعشرين وهي الأسرة الكوشية التي حكمت (كوش) ومصر في الفترة من 712-663ق.م، ودون اغراق في المتابعة التاريخية نلحق بالمتغيرات السياسية والاستراتيجية للقرن الافريقي واثيوبيا قبل الحرب العالمية الأولى.
(2)
السودان واثيوبيا قبل الحرب العالمية الأولى
يورد الأستاذ الدكتور سيد فليفل في دراسته الممتازة - ضمن أعمال الندوة الدولية للقرن الأفريقي 1-7 يناير 1985: ص543، «تشكلت الخريطة السياسية للقرن الافريقي قبل الحرب العالمية الأولى في فترة مبكرة قبيل الربع الأخير من القرن 19 حين بدأت تهتم بالمنطقة قوتان افريقيتان هما (مصر) و(اثيوبيا) وثلاث قوى أوربية هي (فرنسا وبريطانيا وايطاليا)»: استندت مصر في تدخلها على نظرية السيادة العثمانية (كما فسرت تدخلها قبل ذلك في السودان) وظهر نفوذها في مينائي (سواكن) و(مصوع) ونفوذ ضعيف على ساحل البحر الأحمر الغربي كله.. بالاضافة لسلطنات هرر الاسلامية 1884/1875 ويلاحظ ان الامبراطورية المصرية حين قامت بذلك ربطتها بالسودان كانت قد ربطتها بالسودان وحاولت ربطها بالمديرية الاستوائية.
حال تراجع وضعف الامبراطورية المصرية بسبب الضغط البريطاني سارع (منليك الثاني)، (ملك شوا) إلى احتلال (هرر) 1887م وبعض مناطق (الصومال) الغربي (الاوجادين) وانتهى ذلك الوضع إلى اعتراف الدول الاوربية، بأقصى امتداد شرقي توصل إليه منليك: المعاهدة الانجلو اثيوبية 1897، (راجع مجلة الدراسات الاثيوبية - معهد الدراسات الاثيوبية - اديس أبابا 1971-يوليو) ولكن الوضع كان كما يلي:-
٭ حرم الاستعمار الاوربي اثيوبيا من تطلعها للوصول للبحر الأحمر والمحيط الهندي لتأمين تجارتها من ناحية والحصول على السلاح من ناحية أخرى.
٭ استطاع منليك أن يوقف رغبة ايطاليا في أن تفرض وصايتها وحمايتها على اثيوبيا بل أنه أوقع الهزيمة بها في (معركة عدوة) 1896، مؤكداً على حماية استقلال بلاده وسيادتها.
٭ شكل عام 1896 بدايات صراع واستراتيجيات خطيرة باتجاه اريتريا والسودان:
- تحولت اريتريا إلى منطقة صراع استراتيجي بين اثيوبيا بقيادة منليك وايطاليا وبريطانيا وكانت قد سمحت لبريطانيا باستعمار اريتريا وعادت لتكتشف خطأها الاستراتيجي في ذلك.
- مطامع منليك في الأراضي السودانية ينتهي خطابه الدوري إلى الدول الاوربية (10 ابريل 1891) والذي رأى ان حدود اثيوبيا تمتد إلى (الخرطوم) ولكن متغيرات ضرب السودان بعد معركة كرري 1898 وبعد تراجع فرنسا عن (فاشودة) تم التوقيع بين منليك و(جون لين هارينجتون) الضابط البريطاني المكلف بالتفاوض في مسألة الحدود السودانية الاثيوبية في 15 مايو 1902 وكانت الاتفاقية تنص على ما يلي:
- الملاحظة الأولى: ان يسير الحدود من (خور أم حجر) إلى (القلابات) إلى (أنهار النيل الأزرق) و(البار) و(البيبور) و(الاكوبو) ثم إلى (مليل) إلى التقاء خط عرض 6 شمالاً بخط طول 35 شرق جرينتش ويلاحظ على الوضع ما يلي:
- حصول اثيوبيا على (بني شنقول) على حدود السودان الشرقية - منحت الشركات البريطانية امتياز البحث عن الذهب في (بني شنقول).
- وآلت لاثيوبيا (تانا) و(منابع النيل الأزرق) مقابل تعهدها بعدم منح أي امتيازات إلا (للحكومتين البريطانية والسودانية) مع حق استعمال قوى المياه المندفعة منها دون التأثير على كميتها (راجع د. يونان لبيب رزق - السودان في عهد الحكم الثنائي الأول 1899-1924، ص:101-105) وقد اتفقت القوى الاستعمارية في ذلك الوقت (بريطانيا - فرنسا - ايطاليا) ولأسباب استراتيجية على عدم الاخلال بالوضع السياسي لامبراطورية اثيوبية ذلك في عام 1906.
(3)
قراءة في وثيقة بريطانية تطرح تصوراً خطيراً، يواصل الأستاذ الدكتور سيد فليفل في دراسته للوثيقة الخطيرة التي ترسم التصور البريطاني للخريطة السياسية للقرن الافريقي (السودان) و(اثيوبيا) بعد الحرب العالمية الأولى (خطاب المفوض البريطاني في أديس أبابا ويلفورد تنسيجر إلى الجنرال (سير ونجت) ريجنالد حاكم عام السودان وهو بتاريخ 11 اكتوبر 1917 وكان التصور كما يلي:
٭ ان اثيوبيا تمر بحالة فوضى عارمة بعد حكم (ليج اياسو) وهي (فوضى) تبرر التدخل الخارجي والذي يعني اعادة تقسيمها بين بريطانيا وفرنسان وايطاليا ، وهو رأي انتهى إلى ان تتولى دولة واحدة فقط الوصاية على اثيوبيا وحددها بايطاليا.
٭ تقليص امبراطورية منليك إلى وضع اثيوبيا السابق قبل توسعه وعلى هذا فان تصور اعادة التقسيم بنى على الآتي:-
- تقسم الأراضي الاثيوبية على كل من السودان وكينيا والصومال.
- يكون للسودان من القسمة الاثيوبية:
٭ ضماناً كافياً بعدم المساس اطلاقاً بتدفق المياه من النيل الأزرق وبحيرة تانا.. عبر أراضيه.
٭ أن يضاف للسودان الأقاليم الآتية:
- منطقة (جوجام) GOJJAM المطلة على بحيرة تانا.
- منطقة (وايجا) WALEGA
- منطقة (كافا) و(جور) KAFA & GORE
- منطقة (جيما) بما تضمه من سكان مسلمين
٭ ان رأي تسيجر في مبرراته لذلك التصور:
- ان هذه الاضافة إذا تمت سوف توفر للسودان قدرات اقتصادية واستراتيجية هائلة بما في ذلك احتمال وجود البترول.
- رغبة أهل تلك المناطق في الانضمام للسودان هروباً من عسف الحكم الاثيوبي.
٭ ضم (اريتريا) للسودان (المستعمرة الايطالية الأولى) في القرن الافريقي وبرر ذلك ب:
- تمثل اريتريا منفذاً استراتيجياً لتجارة السودان ومجالاً حيوياً له وعلى أن تعوض ايطاليا بتنازلها عن اريتريا في مناطق أخرى من القرن الافريقي.
- ان ذلك (الضم) يهيئ لبريطانيا فرض سيادتها المطلقة على البحر الأحمر والتحكم الفعلي في ساحله الغربي من ناحية أخرى.
- يرتبط بالتصور البريطاني انشاء خط سكة حديد من الخرطوم إلى الساحل عن طريق أديس أبابا مربوطاً بخط سكة حديد أديس أبابا (جيبوتي) القائم فعلاً، ربما يحقق حيوية الاتصال السياسي والاقتصادي والعسكري.
- يضرب هذا التصور (الوحدة الصومالية) ويحقق في نفس الوقت مصالح السودان.
وبعد فهذا تصور لم يتح له أن ينفذ لكنه يرمي بظلال خطيرة على التطور السياسي الذي اعقب فترة تقديمه ومناقشته، على الأخص ما تعلق بفكرة اعادة تقسيم القرن الافريقي الحالية وبطرح عدد من الرؤى والأفكار الاستراتيجية حول علاقات دول القرن الافريقي سواء فيما بينها أو فيما بينها وبين النطاق الاقليمي أو الدولي وهي جديرة بالنظر والاعتبار.. باعادة قراءة متأنية.
(4)
حفلت مذكرات الرحالة الذين زاروا (اثيوبيا) عن طريق (سنار) ومنذ (جيمس بروس) بالكثير عن تاريخ ووقائع السودان واثيوبيا وانتهت إلى حقائق فرضتها الجغرافيا واجازها التاريخ:
٭ ان هناك فكرة رائجة تظهر في كل عصر من العصور وهي انه من الممكن حجز مياه النيل الأزرق أو على الأقل تسميمها أو السيطرة عليها بما يؤثر على السودان أو مصر وهي فكرة ظلت تظهر وتتبلور في العصر الحديث والواقع الماثل (لاحظ المشروعات الاسرائيلية على بحيرة تانا).
٭ يطرح (النيل الأزرق) في مساره الهادر باتجاه السودان، بانوراما غريبة للحدود: انخفاض جبال الهضبة الاثيوبية في تدرج منتظم نحو السهول الشاسعة - وتبدو هنا - فيما يثبت (الآن مورهيد) نقطة الالتقاء بين (عرب الصحراء) و(سكان الجبال الاثيوبية) وبين (الاسلام والمسيحية)، بينما يتوسطها (المجوسية) كحاجز.
٭ يصف النهر في وضوح: نفوذ الجغرافيا على التاريخ - وهو نفوذ خطير - في مسار العلاقات السودانية الاثيوبية: جيوبولتيك يطرح الممكن وهذا الاستقرار والتعثر، التكامل والانشطار، القبول والتنافر، ولكل ظروف وابعاد، تجاوزت الثنائية إلى الاقليمي والدولي، ويرتبط ذلك في كل الأحوال بطبيعة الجوار وتداعياته، على الأخص وان التوازنات التاريخية والجغرافية تأخذ بتلابيب مثل تلك العلاقة من حيث التعدد الاثني والثقافي والديني وما يدور بينهما من صراع تستعر درجاته في مرحلة وتتراخى في مراحل أخرى في سياق دوران صراعات السلطة والثروة والأهم من كل ذلك أن السودان واثيوبيا يتبادلان (الفضاء الاستراتيجي) في كل، على مدى التاريخ والزمان وتبدو الوقائع شاهدة فكل صراع سياسي في أي منهما ينعكس على الآخر، ولقد يبدو مهماً في هذا الاشارة إلى ما أورده الدكتور عبد الوهاب الطيب البشير في دراسته التعددية الدينية في اثيوبيا (الراصد سبتمبر 2008-ص70 «ان حكومة الشراكة التي تقودها تنظيمات تحالف الجبهة الديمقراطية بقيادة (ملس زيناوي) (عليه رحمة الله)، جاءت وهي تحمل في حساباتها تسوبة فوضى الصراع الناتج من غياب التوازنات الاثنية والثقافية والدينية واللغوية. من خلال اعتماد صيغة النظام الاتحادي إلى درجة الحكم الذاتي وحتى تقرير المصير فيما نص عليه دستور 1994 وهي صيغة استهدفت ترميم المركزية المزاحة والصراعات المستمرة إلى زرع الثقة المتبادلة والعدالة في تحقيق المساواة في السلطة والثروة. ولقد عانى السودان وما زال يعاني من أزمة التعدد الاثني وتداعياتها الخطيرة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
(5)
تبدو بانوراما العلاقات السودانية الاثيوبية مرتبطة تمام الارتباط بالتاريخ من حيث النفوذ المتبادل لكل أنواع الصراع - على الآخر - ويرتبط ذلك بمستويين، المستوى السياسي الرسمي وتداعياته ومستوى شعبي البلدين على اختلاف الأصول الاثنية والثقافية واللغوية (حالات النزوح المتبادلة عبر الحدود في حالات الاضطرابات السياسية وتؤكد دروس التاريخ في هذا المقام:
٭ خصوصية العلاقة - بمعنى القبول الوجداني المتبادل لكل من شعبي السودان واثيوبيا وهو مدخل كثير ما تناسته الدراسات والبحوث، وكانت قد اشارت له الدكتورة مريم الصادق المهدي في المحاضرة التي قدمها السيد السفير الاثيوبي بالنادي الدبلوماسي في أمسية 5 مايو 2013.
٭ تنمية القدرات الاقتصادية المتبادلة بصورة منهجية على الأخص فيما بين ولايات التخوم والتماس (حالة القضارف واكسوم).
٭ التنظيم القانوني لحالات الدخول والخروج بين كل من البلدين.
٭ استتباب الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين البلدين.
٭ بناء الأجهزة المادية اللازمة لتأكيد حالة الاستقرار:
- في مجال الكهرباء.
- في مجال المياه.
- في مجال الحركة الاقتصادية - ويبدو مهماً النظر إلى الاقتراح الذي سبق تقديمه من المفوض البريطاني في أديس أبابا (1917) بانشاء خط سكة حديد من الخرطوم إلى أديس أبابا على سهولة الانتقال البري.
ويرتبط كل ذلك ب:
- احترام سيادة كل من البلدين (عدم التدخل المباشر أو غير المباشر في سياسة كل منهما) ولا يمنع ذلك التنسيق في المسائل والقضايا الاقليمية والدولية.
- التعايش السلمي.
- تنشيط العمل الأكاديمي (الدراسات المتخصصة) على الأخص أحياء فكرة الكونفدرالية في القرن الافريقي.
- تنشيط أعمال اللجان المشتركة (سواء ان كانت وزارية أو فنية)، والدعوة هنا موجهة إلى مركز الدراسات الافريقية بجامعة افريقيا العالمية والمركز العالمي للدراسات الافريقية بتبني ندوة علمية يشارك فيها أهل التخصص من جامعات اثيوبيا عن مستقبل العلاقة.
ويهم أن تثبت هنا ان كثيرا من الدول والجامعات والمؤسسات قد اسهمت في مجال دراسات العلاقات السودانية الاثيوبية والقرن الافريقي في الفترة 1998/1959 وان تلك البحوث قد بلغت 1012 وعدد من قاموا بها من الأساتذة 670 أستاذاً.
(6)
(اثيوبيا) و(السودان) يمثلان رأس الرمح في حركة التعمير السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة وهما الأقدر على تقديم نموذج يحتذى به في العلاقات الثنائية - وللحديث بقية - نعود لها إن شاء الله مع أطيب التمنيات لاثيوبيا وابنائها الأعزاء في ذكرى عيدهم القومي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.