: وما الوحي الثائر؟! إنه ديوان شعر لصاحبه وناظمه الشاعر الأديب فضل الحاج علي، صدر ضمن سلسلة تضم أعمالاً شعرية لأدباء سودانيين أصدرتها وزارة الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر في إطار تعاونها مع وزارة الثقافة السودانية، وحملت السلسلة مقدمتين لوزيري الثقافة في قطر والسودان، فالشكر لهما والشكر لدولة قطر التي أعطاها الاخ وزير الثقافة السموأل خلف الله، ما اثلج صدورنا من شكر واجب علينا لدولة قطر ذات الايدي في دارفور، ولها أيادٍ أخر سلفت فشكراً لهم، وهنا لا يفوتني أن اتوجه بشكري الخالص لأخي الأستاذ عبد الغني فضل الحاج علي، وهو ابن الشاعر فضل الحاج علي، أشكره لأنه خصني بنسخة من ديوان والده «الوحي الثائر» وهو مطبوعة متوسطة الحجم ولكنه ضم بين دفتيه كنزاً وأدباً فيه عناوين راقية وجادة عرفتني بشخصية الشاعر فضل الحاج علي، كما عرفتني بزمانه وقضاياه وأحلامه التي عاش لها وناضل وجاهد فيها وظل ينافح عنها حتى مضى، وكما يقول المثل كل إناء بما فيه ينضح. وحينما قرأت قصيدة قراءة عارضة وسريعة تداعت الى خاطري صورة الشاعر وشخصيته فتذكرت قول الشاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده.. فلم يبق الا صورة اللحم والدم فإن الذي يطلع على «الوحي الثائر» أول ما تقع عليه عينه صورة الشاعر وما كتبه تحتها من أبيات شعر معبرة تدل على خبرته بالدنيا وتقلباتها، كما تدل على زهده فيها وحذره منها، وفيها دعوته لغيره ألا يركنوا إليها لأنها لا تعرف الوفاء. ما هذه الدنيا سوى .... حسناء شائبة عجوز إن أسعدتك اليوم .... خانت في غدٍ رب الكنوز والشاعر كان صاحب قضية، وكان جاداً وملتزماً بها، ويقيم الدين في حياته، كما سجل شعره انفعاله بالقضايا الإنسانية والوطنية، وكان ثائراً ومناضلاً ضد الظلم ومنادياً بتحكيم الدين وقيمه في حياة الأفراد والمجتمع، كذلك كان يرى دور المرأة في إطار أدب الدين والشرع، والشاعر تعدى بمشاعره وعبر بشعره مشاركاً ومواسياً لإخوانه في فلسطين، كما كان من المنادين بوحدة وادي النيل، كما يستشف من ثنايا شعره حبه للتحدي والرجولة ومواقف البطولة ويرفض الضيم والانكسار. والديوان غني ومتميز، ويحتاج لحلقة خاصة تجمع مجموعة من أهل الاختصاص في الشعر والأدب والنقد ليتناولوه ويخرجوا للناس خباياه وكنوزه، فأمثال هذا الشاعر يستحق منا الاحتفاء لأنه يمثل مدرسة الالتزام الأدبي والأخلاقي ودعوة للجد. وهذا الالتزام الواضح قليلاً ما نجده في أعمال كثير من الشعراء من الذين نجدهم يجنحون الى الغزل والوصف الحسي في اعمالهم، والشعراء يتبعهم الغاوون.. فهم في كل وادٍ يهيمون، فلا تجد ديواناً يخلو من ذلك الا «الوحي الثائر»، وكان الشاعر إنسانياً ويحب السلم، ويعاضد ويناصر المستضعفين، ويشجع الثائرين على الظلم أمثال غاندي الذي نظم فيه قصيدة تعد من أميز شعره، والشاعر ذو خلق صوفي شفيف وعفيف، وهذه صفات تبرز في «العزلة» وتأملاته في الكون في «الكونية». وفي خطاب «حمامة الوادي» وفي «ليلاك ام ليلاى شعبي»، وفي «احفظ شبابك» واخرى مثل «مناجاة» والديوان يعتبر نفحة من نفحات نفس مؤمن.. وقديماً قال العقاد رحمه الله: والشعر من نفس الرحمن مقتبس... والشاعر الفذ بين الناس رحمن وفي خاتمة كلماتي المتناثرة عن الديوان وعن صاحبه، آمل ان تجتهد اسرته وعارفو فضله في الاعتناء بهذا السفر والأدب حتى تصل رسالته ويكون صدقة جارية. واكرر دعوتي لإقامة حلقة ومنتديات تعرف وتتناول هذا العمل بالدراسة والمقارنة، وقد قيل في الحكم أحيت أرض جاهلها وقتلت ارض عالمها.. فهيا لنحييه والأرض تنبت ألف شاعر!!