د. أحمد عثمان خالد: ٭ أخيراً بعد صبر طويل عادت مدينة أبو كرشولا الى حضن الوطن الحبيب على أيدي قوات شعبنا الباسلة والمجاهدين من الدفاع الشعبي والأجهزة الأمنية الأخرى، وكانت الفرحة عارمة لكل قطاعات الشعب السوداني، لأن الطريقة التي غزت بها الجبهة الثورية مدينة ابو كرشولا وما فعلته بالمواطنين كان استفزازياً ولا يمت الى الانسانية بصلة، وكان رد الفعل قوياً، وكانت الاستجابة سريعة، والخروج العفوي لدعم ومشاركة القوات المسلحة جاء تلقائياً، وهو أقل ما تستحق من واجب وهى تدافع عن حياض هذا الوطن منذ الاستقلال الى يومنا هذا. إن تحرير مدينة أبو كرشولا من الخونة والمارقين أذناب عبد العزيز الحلو ومالك عقار ومجموعات قطاع الطرق من بعض أبناء دارفور الخارجين عن الاجماع الوطني، يمثل هذا التحرير بداية النهاية لهذه الحركات العميلة الحاقدة التي تسعى لتفتيت السودان والنيل منه ومن كرامة شعبه الأبي، ولكن أنى لها هذا والشعب يقف خلف القيادة وقواته المسلحة، ولو أن العملاء كانوا يدركون أن ضربة أبو كرشولا ستحقق هذا الاجماع الوطني والدعم والسند الشعبي للحكومة والجيش لما أقدموا وفعلوا تلك الفعلة النكراء التي جلبت عليهم الخزي والعار والدمار، فتحرير أبو كرشولا ربما يغير الكثير من المعادلات السياسية ويعيد الأمور الى نصابها ويضع النقاط فوق الحروف، وهذا ما نرجوه ونتوقعه في مقبل الأيام، خاصة إذا تأملنا المفردات التي حملها خطاب السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن احمد البشير، والتي جاءت قليلة المحتوى كثيرة المضمون والمعنى لمن يعتبر، لقد تضمن الخطاب رسالتين مهمتين، أما الاولى فقد كانت بمثابة التحية والإجلال والتقدير للقوات المسلحة التي حققت هذا النصر بمعاونة المجاهدين من الدفاع الشعبي والشرطة وجهاز الأمن الوطني، وهم أهلٌ لهذا التقدير والاحترام بما قدموا من عمل عظيم، أما الرسالة الثانية والمهمة جداً تلك التي أرسلها إلى قطاع الشمال وحكومة الجنوب بأن تكف عن دعم المتمردين ومساندتهم، وإلا سيحيق المكر بها، والاتفاقيات الموقعة من قبل كأن لم تكن شيئاً مذكوراً، والنفط لن يعبر عبر الأراضي السودانية لتدعم به الجبهة الثورية وقطاع الشمال، أما الجانب الآخر من الرسالة فقد وجهه السيد رئيس الجمهورية الى قطاع الشمال الجناح السياسي للجبهة الثورية، وقال بالحرف الواحد لا للتفاوض مع العملاء بعد الآن، والتفت الى الوزيرة تابيتا بطرس وقال ديل الناس البمثلوا وليس العملاء والمأجورين، وحينها ذرفت عينا السيدة الوزيرة تابيتا بطرس التي كانت تبدو أكثر فرحاً ونشوة لتحرير أبو كرشولا، وزادت فرحتها بإشارة الرئيس الذكية، وما استطاعت أن تكف الدمع الحزين في لحظة الفرح والسرور، ويا لها من لحظات تعبر عن مكنونات هذا الشعب وقيمه الجميلة في الحارة والباردة، والخطاب الخاص من الرئيس لأبناء النوبة يحتاج منهم الى وقفة تحليلية لأبعاد هذا الخطاب ومراميه ومقاصده في المرحلة المقبلة، وبهذا الخطاب قطع السيد الرئيس الشك باليقين لقطاع الشمال المنتظر عودة غندور لأديس أبابا لمواصلة التفاوض العبثي الذي لا طائل من ورائه غير الخبث والمكر والغدر، فلا مسارات إنسانية مكذوبة ولا وقف إطلاق نار بعد خريطة الطريق التي وضعها السيد الرئيس، لأن الحركة الشعبية حقيقة لا تريد السلام، والجبهة الثورية تقاتل نيابة عن آخرين وليس لديها هدف، وبالتالي يجب مواجهتها والتصدي لها بكل الوسائل حتى تكسر شوكتها، فخطاب السيد الرئيس يمثل منهجاً جديداً للتعامل مع الواقع المعاش، ويمثل تحدياً لأبناء النوبة على وجه التحديد في هذه المرحلة كما سبق أن أشرنا، فيجب عليهم أن يكونوا على قدر هذا التحدي، وذلك بإقناع إخوانهم المغرر بهم. وبعد تحرير أبو كرشولا كل الأنظار الآن تتجه إلى كيفية معالجة الآثار الناجمة عن هذا الغزو، فعدد النازحين بالرهد يقدر بالآلاف، وآخرون في مدن أخرى من مدن السودان، فكيف يعودون وكيف ترتب أوضاعهم من جديد بعد أن فقدوا كل شيء كانوا يملكونه، ولذلك يجب على الحكومة المركزية التدخل السريع المباشر لترتيب العودة وإعداد وتجهيز المدينة لاستقبال العائدين حتى لا تكون العودة أشبه بالإكراه، بعد أن أصبحت أبو كرشولا هشيماً تذروه الرياح، لكن يبدو أن السيدة الوزيرة مشاعر الدولب مدركة تماماً للأوضاع من موقع مسؤوليتها، فقد أشارت في خطابها بالمجلس الوطني الى ضرورة دعم الدولة ومنظمات المجتمع المدني لمواطني أبو كرشولا حتى يتكيفوا مع الوضع الجديد بعد الدمار والخراب الذي طال المنازل والمدارس والأسواق، والأسوأ من ذلك كله أن الغزاة نهبوا كل المحاصيل الزراعية والمؤن الغذائية، وبالتالي أصبح المواطن لا حول له ولا قوة، فقد لا يجد حتى «التواريب» التي يمكن أن يدخل بها الموسم الزراعي الجديد، لذلك نأمل في هذا الظرف الحرج أن يتدخل البنك الزراعي لدعم صغار المزارعين بأبو كرشولا بصيغة القرض الحسن حتى يستطيعوا إصلاح ما لحق بمزارعهم جراء الغزو اللعين، وعلى الإخوة في اتحاد المزارعين التحرك في هذا الاتجاه الذي أشرنا إليه عاجلاً لتدارك الموقف واللحاق بالموسم الزراعي الذي بدأت أمطاره تهطل هنا وهناك، كما لا بد من الإشارة لحكومة المركز والولاية بوضع خطة محكمة لعودة النازحين واستقرارهم تشمل كل محاور الحياة من التعليم والصحة والكهرباء وغير ذلك، حتى تعود أبو كرشولا الى ما كانت عليه في السابق، وهذه فرصة عمل سياسي نادرة للمؤتمر الوطني على وجه التحديد، ليعيد الثقة للناس ويعمِّر ما خربته الحركة الشعبية وأدخلته في النفوس من كراهية وحقد، أخيراً التحية لقوات شعبنا المسلحة، والتحية الخاصة لمتحرك المنتصر بالله بقيادة العميد الشاب الكناني وبقية إخوانه من المجاهدين، والمجد لشهدائنا، وعاشت أبو كرشولا حرةً أبيةً والتحية أخيراً لرئيس الجمهورية الذي وضع النقاط فوق الحروف.