تقرير: صديق رمضان: السادس من يونيو 2011 تاريخ لايمكن ان يسقط عن ذاكرة مواطني ولاية جنوب كردفان ،وذلك لأنه حمل بين طياته حدثا لم يكن في الحسبان ولم يدر بخلد احد، بل ان اكثر المتشائمين لم يكن يتوقع ان تعود الولاية القهقرى وتنزلق مجددا في مربع الحرب ، فرغم حالة الاستقطاب السياسية الحادة في تلك الفترة ،الا ان الجميع كانوا علي قناعة ان الولاية ستمضي في طريق التنمية الذي خطه الثنائي أحمد هارون وعبدالعزيز الحلو، وستعبر نفق تداعيات الانتخابات المظلم ،الا ان الرياح جاءت علي عكس مايشتهي مواطنو ولاية اصابهم الرهق من ويلات الحروبات ،فبعد سنوات ست اعقبت اتفاقية نيفاشا تجرع من خلالها المواطنون نخب السلام والاستقرار ، وجدوا انفسهم في مواجهة الحرب مرة اخري ،ليتغير الواقع كليا عما كان عليه ماقبل يوم «الكتمة»،فالاستقرار تحول الي تشرد ونزوح ،والتنمية الي دمار ،والابتسامة الي حزن ،وترابط النسيج الاجتماعي الي تمزق وتباعد،ورغم ذلك يظل الامل يحدو المواطنين بان يأتي يوم يصمت صوت البندقية. الطرق..إجهاض ثورة شهدت الفترة الاولي من شراكة هارون والحلو تنمية غير مسبوقة علي الاصعدة كافة ،خاصة في مجال الطرق ،وكانت الخطة تمضي بوتيرة متسارعة حسبما هو مقرر لها ،حيث وصلت الطرق التي تمت سفلتتها وتلك التي وضعت عليها ردميات مايربو علي الالف كيلو متر بمختلف انحاء جنوب كردفان ،الا ان الحرب اللعينة قالت كلمتها وفرضت سطوتها ،وذلك حينما عطلت دوران عجلة التنمية علي صعيد الطرق ،حيث توقف العمل في العديد من المحاور بسبب عدم الاستقرار الامني ،وابرزها طرق القطاع الشرقي التي وفر لها تمويل من القرض الصيني بقيمة 150 مليون دولار،و توقف فيه العمل بسبب الهجوم على الشركة الصينية المنفذة،وتوقف كذلك طريق كادقلي تلودي، الذي يبلغ طوله «82» كيلو، بتكلفة «7» ملايين يورو من الاتحاد الاوربي ،وقد استولت الحركة على آليات الطريق قبيل اكماله ، وأصبح مواطن تلودي يصل لرئاسة الولاية عبر أكثر من «700» كيلو بدلاً من «82» كيلو،وهناك طريق كادقلي أم سردبة - كاودا ،ايضا تعطل العمل فيه، وهناك طريق دلامي هيبان كاودا ،و طريق كادقلي البرام تروجي الأبيض ، ومحور كادقلي أبو سفيفه هيبان..والقائمة تطول،ومواطن جنوب كردفان هو من يدفع الفاتورة.. التعليم..الأحلام تتبخر قبل تجدد الحرب في منتصف 2011 كان التعليم بجنوب كردفان يمشي علي ساقين في مسير اقرب للركض ،ولكن بعد «الكتمة» ورغم جهود حكومة الولاية فقد بات يتكئ علي عصاتين ،وقضت الحرب على آمال ومستقبل الكثير من الصغار، وهو الامر الذي وضع جنوب كردفان ضمن قائمة اكثر الولايات بالبلاد التي تشهد ظاهرة التسرب من قاعات الدروس الي ردهات الاسواق ،واثار الحرب علي التعليم بجنوب كردفان لاحصر لها ،وعلي سبيل المثال فقط ،فقد قضت الحرب علي مستقبل الطلاب فى مدرسة علي عثمان الثانوية بكاودا ، ومدرسة ريفي البرام بنين وبنات وقد حرموا تماما من الامتحانات في العام 2011 ، وهناك أكثر من «100» مدرسة أساس فى محليات «هيبان ،أم دورين،البرام ،دلامى ومناطق أخرى » ، كانت تحت ادارة الحركة الشعبية وفق اتفاقية السلام، تأثرت تماما بالحرب منها «18» مدرسة بالبرام و«11» بهيبان و«10» فى أم دورين و«14» مدرسة فى دلامى والبقية فى مناطق أخرى فضلا عن مدارس خاصة بالحركة الشعبية «خارج نظام التعليم السودانى» ،فيما انخفض عدد الطلاب بمدارس الأساس من «276531» فى العام 2010 الى «258755» نهاية العام 2011، برغم من ارتفاع عدد مدارس الأساس من «995» مدرسة عام 2010 الى «1049» مدرسة «حكومية وغير حكومية» بنهاية العام 2011 منها «171» مدرسة للبنين و«169» مدرسة للبنات مقابل «709» مدارس مختلطة منها «58» مدرسة قرية و«72» للرحل . الزراعة...توقف مسيرة عقب توقيع اتفاقية نيفاشا شهد القطاع الزراعي بجنوب كردفان ازدهارا غير مسبوق حتي وصلت المساحات المستغلة في 2010 اكثر من عشرة ملايين فدان ،ولكن بعد الكتمة تغير الواقع تماما ،وهنا يصف نائب رئيس اتحاد مزارعي السودان غريق كمبال واقع الزراعة بالولاية بالمزرئ ،مؤكدا تأثرها سلبا بالحرب ،كاشفا عن توقف عمليات زراعة محصول القطن المطري الذي اشتهرت به الولاية وتقلص المساحات الزراعية الي مليون و500 ألف فدان فقط ،وقال ان مناطق تلودي الكبري التي كانت تنتج القطن توقفت فيها الزراعة تماما ،وان المساحات الزراعية بهبيلا وكرتيلا تراجعت الي 10% فقط ،مبينا عن خروج المنطقة الشرقية الممتدة من العباسية الي ابوكرشولا عن الخارطة الزراعية ،وقال ان عدم الاستقرار الامني اخرج سبع من محليات الولاية من دائرة الانتاج،مبديا اسفه علي هذا الواقع ،وزاد:الحرب تسببت في هجرة المزارعين والايدي العاملة ولم يعد هناك من يفلح ملايين الافدنة الصالحة للزراعة ذات التربة الخصبة ،ويقول غريق ان وزارة الزراعة بالولاية بعيدة كل البعد عن هموم شريحة المزارعين ،وانه في الوقت الذي بدأت وزارات الزراعة في الولايات الاخري التحضير للموسم الجديد ،يركز وزير الزراعة بالولاية جل همه في انجاح بطولة سيكافا. التصفيات..سلوك غريب يعتقد المك محمد رحال ان الحرب القت بظلالها السالبة علي كافة الاصعدة بالولاية خاصة التنمية التي قال انها كانت تمضي بوتيرة متسارعة ومرضية للمواطنين ،مشيرا الي ان اسوأ افرازات الحرب بروز ظاهرة التصفيات والاغتيالات التي لم تكن مألوفة بالولاية ،وقال ان الادارة الاهلية بذلت جهودا كبيرة حتي لايتمزق النسيج الاجتماعي ،الذي قال ان الحرب شكلت عليه تهديدا كبيرا وانها كادت ان تعصف به ،لافتا الي انهم عملوا كل مافي وسعهم لافشال مخطط الحركة الشعبية الذي كان يهدف لاحداث انقسام اثني وحرب قبلية ،مؤكدا تماسك النسيج الاجتماعي بالولاية ،ووجود انصهار وتجانس بين مختلف مكونات الولاية وعلي رأسها النوبة ،مطالبا باعادة الثقة التي قال انها باتت علي المحك وتحتاج لجهود مكثفة لاعادتها مثلما كانت في السابق. من أين جاء مصطلح حرب عنصرية؟ هكذا تساءل الامير محمد كوكو أمير قبيلة الداجو بجنوب كردفان «منطقة لقاوة» ،وقال ان الحرب التي اندلعت بجنوب كردفان ليست قبلية ولاعنصرية ،بل هي بين الجيش السوداني وقوات متمردة ،مبديا اسفه لسلوك بعض وسائل الاعلام التي قال انها وعقب احداث ابوكرشولا تتعمد تلقين من يتحدثون اليها احاديث مضمونها ان الحرب الدائرة بجنوب كردفان عنصرية،وقال ان الترويج لمثل هذه الافكار يحمل بين طياته خطورة بالغة علي النسيج الاجتماعي، ليس علي مستوي جنوب كردفان بل علي صعيد البلاد قاطبة ،معتبرا ان الدولة شاركت في هذا الخطأ بصمتها علي دعاوي عنصرية الحرب ،مناشدها بالتدخل لايقاف ما اسماه بالعدو الحقيقي والخطر الكبير علي مستقبل السودان. السلام هو الحل ويري عضو قيادة مجلس الثورة اللواء ابراهيم نايل ايدام ان النوبة ظلوا يتعرضون لظلم فادح منذ عقود مضت ،وانه جاء الوقت الذي يجدون فيه الانصاف من الدولة ،معتبرا انهم تعرضوا لتهجير قسري وسلبت حقوقهم ،وحرموا من نصيبهم في السلطة والثروة ،وقال ان استمرار الحرب سيضاعف معاناتهم ،ويري ان الحل يكمن في الجنوح الي السلام وليس استمرار الحرب ،وزاد:سنظل متمسكين بارضنا ولن نبارحها لاننا نمثل اصل السودان ،وهذه حقيقة يعلمها الجميع ،ويجب ان تترك الحكومة سياسة التعامل معنا علي اساس اننا«مغفلين نافعين»،ويلفت الي ان استمرار الحرب ليس من مصلحة انسان جبال النوبة. أدوار مفقودة ويقول الأمير محمد الزاكي الميراوي ان الإدارة الأهلية تعمل دوما من اجل احلال السلام بجنوب كردفان ،في الوقت الذي يعمل فيه اخرون لاشعال نيران الحرب ،مشيرا الي ان الحرب فرقت المواطنين بالولاية الي طوائف وفق تصنيفات مختلفة ،مشيرا الي الإدارة الأهلية بالولاية تمثل ضامناً لتماسك النسيج الاجتماعي، وذلك لانها تحظي باحترام كل شرائح المجتمع ،مطالبا الحكومة بمنح الإدارة الأهلية فرصة عبر اشراكها في المساعي الرامية لاحلال السلام بالولاية ،وقال انهم يملكون القدرة التي تتيح لهم اقناع مختلف الاطراف بالجنوح الي السلام وايقاف الحرب، التي قال ان انسان الولاية تضرر منها كثيرا، وانه بات يتطلع الي ان يعود الاستقرار ليتواصل قطار التنمية سيره مثلما كان الوضع قبل تجدد الحرب في السادس من يونيو عام 2011،مؤكدا علي ان الولاية قادرة علي التطور والتقدم.