: (إنا لله وإنا إليه راجعون) (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) آل عمران آية 581- صدق الله العظيم ٭ سرى نعيه من لندن وكنت أحسبه محالاً لأني ودعته قبل أن يغادر الخرطوم الى انجلترا وهو في كمال الصحة وأتم العافية بعد الوعكة الطارئة التي ألمت به، وكانت معنوياته مرتفعة بأنه سوف يتلقى العلاج في انجلترا التي يعشقها ويحب ناسها الذين وجد فيهم ضالته- الحرية والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون والاخلاص في العمل لرفع أسم الامبراطورية ولأنه هنالك سوف يكون تحت رعاية اساطين الطب- وشاء الله أن تكون علة الوفاة غير التي سافر للعلاج منها. (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) صدق الله العظيم. وقبر صباح السبت الموافق 41 رجب 4341ه في مقابر أحمد شرفي بأم درمان المدينة التي أحبها ومجد أهلها الذين يعرفهم فرداً فرداً أصولاً وفروعاً. ان الشيخ نموذج في علاقاته ليس بأهله فحسب بل مع غيرهم ومع اصدقائه العديدين وجميعهم حزنوا عليه حزناً شديداً،متمثلين حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( خياركم خياركم لأهله) كان يواصلهم في السراء والضراء ويحسن اليهم ويبرهم، كان فخوراً بخاله عبيد حاج الأمين أحد ثوار 4291. سمى شيخ ادريس تيمناً بالشيخ ادريس ود الارباب المحسي الموكضاب- جد المحس وفقيه المحس وشيخ المحس عاش في واوس- شمال شرق السروراب شرق النيل قبل رحيله للعيلفون كما علمت من الاجداد بحكم صلتي بالفقيه الذي انحدرت منه جدتنا آمنة بنت ود أسيد والدة جدنا عبد القادر. والمحس والجموعية هم أهل العاصمة الاصليون الحقيقيون بجانب الجميعاب شمالاً والبطاحين شرقاً أصحاب زرعها وضرعها، والجموعية النيلاب هم أهل حبوبتنا شموم بنت عبد المحمود- بجانب الصلات الأخرى وهم جعليون الشيخ كان نسابة ام درمان من الأحياء أسأله عن أى معلومة تجد عنده المعلومة بالتحديد بالتاريخ، أساله عن العظماء من رجالات ام درمان يعرفك بهم، أسأله عمن يطلق عليهم ظرفاء ام درمان يعرفهم ويعرف أقاويلهم، اسأله عن الأدباء والشعراء والسياسيين والمفكرين في أى من المجالات في ام درمان تجده مرجعاً، اسأله عن الفنانين والمغنين وتطور فنونهم وغنائهم ويجيبك وكأنه العالم المختص في هذا المجال، يعشق الرياضة يتابع أخبارها ويشاهد المباريات وهو لاعب تنس، اسأله عن عظماء الصوفية بام درمان، يحدثك عن الشيخ قريب الله وصلته الحميمة به وبجيرانه- بكير- التوم من الله- قنديل وغيرهم. أسأله عن سوق ام درمان العريق وتجار السوق وانشطتهم في التجارة في الداخل والخارج وأماكن دكاكينهم ومكاتبهم ومحلات تجارتهم بأقاليم السودان المختلفة، وبالذات عملهم كجلابة في الجنوب حيث كان والده يتاجر متنقلاً بين الجنوب والشمال مع عمه المرحوم شيخ الأمين عبد الرحمن، يتحدث كثيراً عن تجوال والده بين غابات ومستنقعات وأحراش وأدغال الجنوب. حقيقة الشيخ هو موسوعة معلومات ليس عن ام درمان فحسب بل يعرف تاريخ السودان معرفة العالم المتخصص في علم التاريخ بالذات فترة 9981-6591، استطيع القول إنه قرأ كل ما كتبه حكام السودان الانجليز ويتابع كل ما كتب ويكتب عن السودان وهو بجانب اللغة العربية يجيد اللغة الانجليزية حديثاً وكتابة، ويميل للقراءة باللغة الانجليزية. أذكر ذات مرة كنا بلندن والتقينا وكان يحمل مجلداً أتى به من جامعة درم حيث توجد مكتبة ضخمة تضم وتحوي كل ما كتب عن السودان ويحكي المجلد تاريخ السودان في صور فوتوغرافية للذين خدموا في السودان بالطبع كان معظمهم خريجي جامعتي كمبردج واكسفورد، وأصر على أن أطلب من مكتبة الجامعة هذا السفر العظيم وقد فعلت وكان زهيد الثمن أمدني المرحوم بصور لكثير من المخطوطات لا أزال احتفظ بها كلها عن تاريخ السودان، وكان يلاحقني ليتأكد انني قد اطلعت عليها. ربنا يجعل البركة في الصديقين الكريمين الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه والاستاذ محمد صالح عثمان لعلمهما بالجهد الذي بذله المرحوم الشيخ في هذا المجال وتقديرهما له. تخرج الفقيد في مدرسة التجارة الثانوية بعد ام درمان الاميرية وعمل موظفاً بالبنك الاهلي المصري بفرعه بام درمان، وقد ساعده في توظيفه بالبنك معرفته ودرايته بتجارة وتجار ام درمان، ثم انتقل الى شركة شل محاسباً طاف خلال عمله بها معظم مكاتب هذه الشركة الضخمة في السعودية وعدن والامارات المتحدة وغيرها بعد أن اجتاز امتحانات التخصص نال الشهادة القانونية في المراجعة والمحاسبة (ACCA) . أنشاء مكتبه الخاص على أرقى المستويات وقد استمعت الى الاشادة به من شركة (Price water house) البريطانية الشهيرة واسعة الانتشار في أمريكا واوربا عندما دعاهم قبل سنوات المغفور له الشيخ لزيارة السودان، وأعتقد أن مكتبه تحت إدارة ابنه محمد لا يزال ذا علاقة وطيدة بهذه الشركة العملاقة. عاش حياة منظمة منتظمة ومرتبة دون غلو ولا تفاخر- أهتم برعاية الاسرة وتعليم النشء وقد وفق والحمد لله في ذلك. رب اغفر له وأرحمه رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناتك، وأجعل البركة في ذريته من بعده، السيدة الفضلى زوجه الحاجة بثينة وأبنائه حسن وعبيد ومحمد، وأختهم هدى واسأله تعالى أن يلزمنا جميعاً ،أهله وأصدقاءه الصبر وحسن العزاء. «دعوتهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين» سورة يونس آية 01.