رصد / الصحافة : شهدت قاعة المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون جلسة نقاش لكتاب سوح في روض المعاني للكاتب حسن محمد عبدالحفيظ « الشتيوي « ... وقد صدرت له من قبل ثلاث روايات هي : أنثى الزراف ، أحزان الشيخ جبرالله وسلطان أم عناب، وسوح في روض المعاني هو تجربته الشعرية الأولى .. كانت المناقشة قوية حيث طلب مقدم الورقة الأساسية أبوعاقلة ادريس في ختام ورقته أن يمسح الكاتب هذه التجربة من ذاكرته الابداعية مما أثار جدلاً كبيرا وجعل النقاش حادا .... هذه الجلسة شهدت جدلا كثيرا باعتبار أن لا أحد يملك حق اقصاء تجربة ابداعية ايا كانت .. بدأت الجلسة بقراءات شعرية من الشاعر حيث قرأ بعض قصائد الديوان فقرأ من قصيدته طيف : طال اشتياقي في انتظارك عند أبواب الرجاء حالما بالتلاقي مفعما بالأماني كيافع غرير في ليلة العيد يهفو للصباح فرحاً يهاتي ويقضي ولهي وصبابتي وجارف الأشواق فألوذ بطيفك من ضرام التياعي ولظى الفراق وقرأ للوطن : لبيك يا وطن العز والإباء يا نداء الحق يعلو في الوجود يا نشيداً في فم الأجيال لحناً داوي الصدى كهدير الرعود سامي المعاني زاخراً بالمعاني جليل المقام في سجل الخلود وقرأ غيرها من القصائد قدم الجلسة الكاتب محمد عمر عبدالقادر وبدأ تقدمته بأن الشعر لغيور على نفسه لا يرضى أن يتسمى بغيره ولا يرتضي أن يتسمى غيره به وهو حس حفي في فضاء المعرفة الفسيح الذي تتهادى فيه سحائب الإبداع فتبرق لهفة وترعد هزة ولا نراها غير أنّا نشتم دعاشها حساً عندما تمطر رمل الوجدان فنتنفس أوكسجين الدهشة عارفين أن الذي قرأنا أو سمعنا هو الشعر وهكذا أتعرف على الشعر في كوننا الأدبي . ثم قدم ابوعاقلة لتقديم ورقته التي بدأها قائلاً : الكاتب حسن محمد عبدالحفيظ روائي مقتدر على أساليب الفن الروائي من حيث التكنيك الفني المتعارف عليه في باب الكتابة الروائية الإبداعية حيث لابد أن يكون هناك صراع ما ، وماأروع أن يكون صراعاً جدلياً فلسفياً ، والقلم الروائي لابد له من أن يرسم الشخصيات ، ومن أن يجيد فن العرض ، وهو ينتقل مابين الفجوات الزمانية والمكانية مابين المشهد والمشهد وهي فجوات يملؤها الخيال. وقد أمسك الكاتب حسن محمد عبدالحفيظ بتلابيب القص في نصوصه الروائية :»أنثى الزراف» و» أحزان الشيخ جبرالله» و»سلطان أم عناب» وحسب الروائي عبدالحفيظ من الاقتدار في الفن الروائي إنه نشر «أنثى الزراف» في دار النشر بجامعة الخرطوم وأعرف أنه اطلع على روايته ووقف على تجربته الروائية الشائقة الممتعة الأديب الراحل المهول بروفيسور علي المك ، واللغة في نص عبدالحفيظ ? الروائي الكاتب- برزة ، وقد بلغ فن التصوير عنده أعلى ذراه ، تأمل مثلاً المقطع الأول من روايته «سلطان أم عناب». ( توارت الشمس وهي تغيب خلف جبل الزهاد الشامخ على ضفة النيل الغربية قبالة أم عناب ، وتوشحت السماء بلون الدم القاني الكئيب ، ثم بدأ الليل ، متئداً ، ينشر دثاره الحالك على القرية ، الممتدة على الربوة الفاصلة بين غابة العناب الكثيفة والحقول المترامية حتى حافة الصحراء . وضجت الأرجاء ، وقتئذ ، بلحن صاخب فريد ، إذ تعالت اصوات القماري ، والغربان ، والعصافير وهي تؤوب لأوكارها وأعشاشها ، على أفنان المانجو وهامات النخيل البسيق. بينما يترامى للأسماع بين الحين والحين ، ثغاء شياه ، وخوار أبقار ينبعث من جوف الحقول ، وأصوات بكاء ونحيب تجلجل في أغلب البيوت ، في حين تعبق الأجواء برائحة نفاذة لروث محروق ، تهب من ناحية البساتين). وواضح أن الكاتب حسن عبدالحفيظ قد كتب نصوصه الروائية على نار التجربة الإبداعية فأنضجتها ، فجاءت نصوصاً متماسكة لها قولها حيث استطاع الكاتب الروائي أن يوصل صوته الخاص للمتلقين . على أن تجربة الكاتب الروائي حسن محمد عبدالحفيظ»الشتيوي» في فن الشعر من خلال ديوانه « سوح في روض المعاني» كانت متسرعة متعجلة ، إذ لم تكتمل أدواته الفنية بعد ? وللشعر أدوات ومقومات تبحث في مظانها ? لكن الميزان هو واحد من أهم أدوات الشعر باعتباره جنساً إبداعياً له غيرته على نفسه ، بالإضافة الى اللغة ، والعاطفة المشبوبة الجياشة المتقدة ، والتعبير عن تجربة شعورية صادقة ، ليتسق الصدق النفسي مع الصدق الفني ، وبالإضافة إلى الخيال المجنح ، والإيقاع الموسيقي العارم الذي يخلب الآذان الشاعرة المرهفة . « سوح في روض المعاني» يكاد يخلو من موسيقا الشعر ، ولوجاءت نصوصه على نسق تجارب قصائد النثر لعذرته ? باعتبار قصيدة النثر ضرب جديد من ضروب التجريب ? لكن نصوص السوح جاءت متكئة على إرث الشاعر وعلى ثقافته الأصيلة فهو يكتب على شكلي القصيدة العربية الأصيلة : العمود والتفعيلة ، والخلل الموسيقي بيّن لكل ذي أذن شاعرة، وهذا الاضطراب في عروض الشعر عند الشاعر هو ماعصف بتجربته كلها فقدمت لنا عملاً فنياً متهافتاً. صحيح أنه استخدم لغة الفن نحو قوله :» أزهار حديقتي» «الله الله» « ألق البهاء» « شفيف الضياء» « قطر الندى» « وتلفها الغمام» « والسنا» و» يانع الأيك والورود» « ومراتع الفراش والأطيار» « مليكة المدائن» « سخيات المواطر» وتبدو ثقافة الشاعر العالية واضحة في استلهامه ليوناردو وابن خلدون وشكسبير ومدام كوري ، إلا أنني أقول إن اضطراب الميزان الشعري في « سوح في روض المعاني « قد أقعد بالشعر عند الشاعر . كنت أود لو جاءت قصيدة أديبنا عبدالحفيظ في مدرسته الثانوية حنتوب مموسقة كأنغام الهزار ، مشبوبة بالعاطفة ، مترعة بالسحر والدهشة والجمال مثلما جاءت نونية حنتوب لأستاذنا في مضمار الشعر وأستاذه في حنتوب الشاعر الصيدح الراحل الهادي آدم ، وقد ألقاها في اليوم المدرسي « يوم الآباء: في حنتوب عام ستين : نحن كم أبدعت أصابعنا السحر فسموه ? جاهلين- الفنونا نحن شدنا جسراً على البحر فاجتزناه في لحظة تحير العيونا وعبرنا الصحراء حيث توارى الجن في جوفها الكئيب دفينا إن الكتابة مسئولية تاريخية ، والكاتب يحاسب وفق السياق الإبداعي لنصه ، والنقد كذلك مسئولية تاريخية ، والناقد يحاكم حول تجربته النقدية عبر الأشراط الفنية والمعايير الجمالية المتعارف عليها في مشاريع النقد ، والحكم ?في نهاية المطاف- للتاريخ ، فالنص المدهش يصمد حتما وإن خلت عليه القرون ، والنص الميت يولد ميتاً وتلفظه ذاكرة التاريخ نسياً منسياً إلى الأبد ، ومثلما كتب الأديب الروائي حسن محمد عبدالحفيظ نصوصاً جمالية سيكتب لها البقاء في ذاكرة السرد السوداني مثل «أنثى الزراف» و»أحزان الشيخ جبرالله» و»سلطان أم عناب» فأنا أريد لنصوصه الشعرية ألا تموت .. أقترح عليه أن يمحو تماماً من ذاكرته الإبداعية تجربته في «سوح في روض المعاني» وأن يبدأ من جديد ، بمزيد من الإتقان والتجويد ، وأنا واثق أنه ? بموهبته الفنية الخلاقة ، وحسه المرهف ، وذوقه الجمالى ، وصدقه الشفيف ، وإنسانيته الفذة ، وتراكم خبراته ، وتجاربه العريضة في الحياة إضافة إلى ثقافته الواسعة ومعارفه العميقة ? سيكتب شعراً حقيقياً ، فالشعر جنس إبداعي له بصمته الخاصة في كتاب الفن ، ولله در الجواهري الصداح : وأنا المقيم بحيث تشتجر القنا فوقي وحيث كعوبها تتكسر خلفي من الذكر الجميل أجله ومعي من النفر العديد الأكثر وبكل بيت من قصيدي منشد وبكل حفل من شذاتي مجمر جاءت مداخلة الناقد عزالدين ميرغني مختلفة فبدأ حديثه مختلفا مع مقدم الورقة جملة وتفصيلا فقال لا يمكن أن نلقي ديواناً كاملاً الا اذا قلنا لماذا ؟ ثم أضاف عنوان الديوان جاذب وجميل ، الشعراء عادة يختارون عناوين جميلة لدواوينهم ويختارونها بدقة ، العنوان يحمل المعنى والمبنى والشعر معنى ومبنى أعجبني في الديوان أن الشاعر يركز على المعنى وتوصيله والديوان شعر معاني والشاعر من شعراء المؤسسة العسكرية وهؤلاء يحتاجون لدراسة نقدية لأن النقد لم ينصفهم بعد والشاعر من كتاب الرواية المجيدين وباتقان وشعراء المؤسسة العسكرية أصحاب تجارب صقلها السفر والترحال داخل الوطن وخارجه ... الشاعر هنا استخدم تقنيتين تقنية التفعيلة والشعر المقفاة الموزون ..أعجبني أكثر شعر التفعيلة وهو ما لم يستطع حتى الآن الحداثيون أن يعيبوه بل هو شعر موزون ومقفاة .. شعر التفعيلة عنده يستوعب كل ما يريد أن يقوله النفس العميق والنقاد يقولون الشاعر الذي يكتب الرواية يكون نفسعه عميقا ما استحسنته في الديوان لم يؤرخ لقصائده ولكنها قصائد كتبت على نضج فني ومركب الشاعر قد رست بأمان أعجبتني قصيدته أزهار التي يقول فيها : ستون من أزهار حديقتي قد ذوت وبراعم الأمل الندي بين الحنايا وخضر أماني وأحلامي كذا قد خبت فويح زماني !! عبر فيها الشاعر عن كل ما يريد أن يقول وعبر عنه بفلسفة هذه الحياة فهي قصيدة دخلت التاريخ السوداني الشعري شهدت الجلسة العديد من المداخلات التي أثرت النقاش وحركت الساكن الذي يتحاشاه في كثير من الأحيان مقدمي الأوراق حيث شهدت الأونة الأخيرة كثير من حفلات التدشين التي لا تخلو من بعض التلميع دون المساس بالتجربة الابداعية المعنية .