الخرطوم: صديق رمضان: انتاب الحضور الذي تابع تقرير مفوضية تخصيص ومراقبة الايرادات المالية امام مجلس الولايات اخيرا، ذلك الشعور الذي يتملك من يشاهد فيلماً سينمائياً تساوره حياله شكوك بانه سبق ان شاهده، وهذا كان حال كل الحضور، وذلك لأن كل التفاصيل والارقام لم تختلف عن تقارير العام الماضي وذلك الذي سبقه، بل حتي ردود افعال الاعضاء هي ذاتها، حيث صبوا جام غضبهم على ما سموه القسمة الضيزى بين المركز والولايات، مبدين دهشتهم من ان تستحوذ الحكومة الاتحادية على ما يقارب 75% من الايرادات القومية والتمويل الخارجي، فيما تنال «17» ولاية مجتمعة نسبة متواضعة لا تتجاوز الربع الا قليلا، وهي معادلة مختلة بحسب اقتصاديين توضح بجلاء أسباب التراجع والتردي الذي تشهده الولايات، وتفسر حالة الهجرة القسرية نحو العاصمة. وجاء في تفاصيل تقرير مفوضية تخصيص الايرادات المتعلق بالنصف الاول من هذا العام، ان نصيب الحكومية القومية 72.5%، فيما بلغ نصيب حكومات الولايات السبع عشرة 27.5%، وذلك من جملة الايرادات القومية والتمويل الخارجي. وبلغت جملة الايرادات بموازنة عام 2013بخلاف المنح، 23398 مليون جنيه، خصص منها 7705 مليون جنيه لحكومات الولايات، وذلك عبر بنود التحويلات الجارية المخصصة، والتحويلات غير المخصصة، وتحويلات المكونين المحلي والاجنبي، ونصيب أبيي وجنوب كردفان من البترول. وكان اجتماع قد جمع النائب الاول بولاة الولايات في فبراير الماضي تقرر خلاله أن يتم تحويل انصبة الولايات لهذا العام مثلما حدث في 2012 لكل التحويلات الجارية والتعويض الزراعي، على أن يخصص من مبلغ الزيادة في التحويلات الجارية غير المخصصة «100» مليون، لولايات «البحر الاحمر» «24 مليون»، جنوب كردفان « 18مليون جنيه»، النيل الازرق «18» مليون جنيه، جنوب وشرق دارفور «22» مليون» بوصفها معالجات لسد عجز المرتبات بها، على ان يخصص المتبقي «18» مليون لولاية غرب كردفان المزمع إنشاؤها خلال العام الحالي. وبلغت نسبة الأداء في التحويلات الجارية وهي التي تخصص للفصل الاول 99%، فيما تم الايفاء بحسب تقرير المفوضية بالتعويض الزراعي بنسبة 100%، اما التحويلات الرأسمالية وهي تلك التي تخصص للتنمية بالولايات فقد جاءت متواضعة ولم تتجاوز نسبة 39%. ويبدو التفاوت بين انصبة الولايات الشهرية من الموارد القومية واضحاً، وعلى سبيل المثال نالت الخرطوم رغم تعدد مواردها المحلية خلال النصف الاول من هذا العام «203» ملايين جنيه، واقل نصيب نالته ولاية شرق دارفور وبلغ «16» مليون، ونالت الجزيرة ما يعادل انصبة اربع من ولايات دارفور، بالاضافة الى نسبة البحر الاحمر، وبلغ نصيب الجزيرة «180» مليون. وفي ما يتعلق بالتحويلات الرأسمالية المخصصة للتنمية، فقد تم تمويل بند مشروعات محددة بمبلغ «307» ملايين جنيه، علماً بأن الاعتماد النسبي يبلغ «887» مليون جنيه، فيما كان نصيب صناديق الإعمار «197» مليون جنيه، وهناك بند يسمى «مشروعات غير محددة» تبلغ ميزانيته عشرين مليون جنيه. وكما فعلوا العام الماضي، صوب اعضاء مجلس الولايات سهام النقد وصبوا جام غضبهم على اداء ومعايير مفوضية تخصيص الايرادات، وابدوا دهشتهم من نيل الحكومة الاتحادية 75% من الموارد القومية والمنح الخارجية، معتبرين ان هذا يمثل خطورة بالغة على مجمل الاوضاع بالولايات، التي قالوا انها تعاني في توفير أبسط مقومات الحياة لمواطنيها، وبلغ الاستياء لدى بعض الاعضاء مداه، وذلك حينما طالبوا بالغاء المفوضية والاستعاضة عنها بجسم ينصف الولايات وفق معايير تراعي ان المواردالقومية تأتي من الولايات وليس المركز. وكان النائب البرلمانى وممثل ولاية جنوب دارفور صلاح على الغالى، قد شن هجوماً على المفوضية وطالب بإلغائها وقال «انا وصلت الى قناعة انه لا داعى لهذه المفوضية اطلاقاً»، مشيراً الى انها لا تتقيد بتوصيات وقرارات لجنة الخبراء المكونة لذات الغرض. بينما تساءل ممثل ولاية الجزيرة، حاج ابو سن، عن سبب اعطاء المركز 72% من الايرادات المالية مقابل اقل من 27% من الايرادات للولايات، ولفت الى ان ايرادات الولايات تم انقاصها هذا العام الى اقل من العام الماضى، واشار الى انه يعيب قانون المفوضية الذي يخصص ايرادات كبيرة للمركز على حساب الولايات، فى حين ان مؤسسات الايرادات العامة الرئيسية كلها فى الولايات على حد قوله. ومثلما شن النواب بمجلس الولايات هجوما على مفوضية تخصيص الايردات في العام السابق وقبل ايام، فإن حكام الولايات وعدد من وزراء حكوماتهم عبروا خلال هذا العام عن بالغ سخطهم من ضعف التدفقات النقدية من المركز، وطالبوا بإعادة النظر في قسمة الموارد، وكان أبرز من تحدث في هذا الصدد واليا الجزيرة والبحر الاحمر ووزير المالية بولاية القضارف، معتبرين ان المركز يستحوذ على معظم موارد البلاد والقروض الخارجية، ولا ينصف الولايات التي كشفوا عن انحصار اداء حكوماتها في توفير وصرف الفصل الاول، وتجاهل التنمية والمشروعات الخدمية نسبة لضعف الدعم المركزي. اذن هي سيطرة مركزية، تقابلها شكاوى ولائية، في ظل نظام تسميه الحكومة بالفدرالي، وقد تتسق نسبة الحكومة الاتحادية مع ما اشار اليه مؤتمر الشورى الاخير للحزب الحاكم الذي اوضح انه حزب مركزي وان كل التابعين له في الولايات تتم ادارتهم من العاصمة. الا ان لممثل ولاية نهر النيل بمجلس الولايات هشام البرير وجهة نظر مغايرة عن عمل المفوضية، ورأى ان الاشكالية فى الولايات، واشار الى انها تخلط بين الفصل الاول والثانى فى الموارد، ولفت الى ان المفوضية يجب ان تعطى الجزء المهم فقط فى ايرادات الولايات والباقى على الولاة ان يتصرفوا لتوفيره من الموارد المحلية للولاية، وحمل الولاة مسؤولية نقص الايرادات فى الولايات. ويعتقد المحلل السياسي عبد الله ادم خاطر ان المؤتمر الوطني يبسط سيطرته على كل مناحي الحياة بالبلاد، وانه يفضل سياسة «المركزة» سياسياً واقتصادياً، معتبراً في حديث ل «الصحافة» احتجاجات حكومات الولايات ونواب البرلمان على اختلال قسمة الموارد لا يمكن ان تثمر عن ايجابيات لجهة انهم ينتمون للحزب الحاكم الذي اكد انه مركزي، وقال ان نتاج القسمة غير العادلة للثروة من شأنه الانعكاس سلباً على الاوضاع بالولايات عبر ازدياد الهجرة نحو العاصمة وتدني الإنتاج وتمدد الفقر وضعف الخدمات، وفتح المجال على اثر ذلك للتدخلات الخارجية. الا ان هناك من يرى أن الحكومة القومية توجه جزءاً مقدراً من نصيبها في موارد البلاد والمنح الخارجية صوب بند الأمن والدفاع، وانها ظلت مجابهة بتحديات امنية وعسكرية، غير ان مراقبين يعتبرون ان الحكومة اذا لجأت الى سياسة احتواء الازمات في مهدها عبر الحوارات مع الجماعات المحتجة على سياساتها، ما كان لها ان تواجه تحديات امنية، ويعتبرون ان التنمية هي المدخل الحقيقي للحيلولة دون وقوع المخاطر الامنية. وقريباً من هذا، يشير المحلل السياسي والاستاذ الجامعي البروفيسور صلاح الدين الدومة الي نماذج عالمية لتوزيع الثروة بين المركز والولايات، ويكشف في حديث ل «الصحافة» ان الدولة الوحيدة في العالم التي تعطي الولايات اكثر من المركز هي الحكومة الإثيوبية وذلك بنسبة 60% و40% للحكومة القومية، ويقول الدومة ان هذا جعل الصناديق العالمية تقدم دعماً ومنحاً للحكومة الإثيوبية وتشيد بها. ويلفت الدومة إلى ان الارقام التي تشير اليها وزارة المالية المتعلقة بقسمة الموارد، غير حقيقية، وقال إنها مجرد أرقام ولا علاقة لها بالواقع الذي يوضح ان 98% من الميزانية القومية والمنح الخارجية ينالها المركز، فيما تنال الولايات 2% فقط. وقال المحلل السياسي صلاح الدين الدومة ان احتجاج نواب الولايات بالهيئة التشريعية ومجلس الولايات يقارب ذر الرماد في العيون، وذلك لأن النواب بحسب صلاح لا يملكون القدرة على محاسبة الجهاز التنفيذي، الذي قال إنه يقوم بتعيين النواب، ويؤكد الدومة أن القسمة الحالية للموارد ستزيد الأوضاع في البلاد تعقيداً.