المقارنة ما بين انتخابات السودان وانتخابات بريطانيا هو ضرب من التحليق في سماوات اللامعقول ، فثمة هوة تاريخية في شأن وعمر الممارسة الديمقراطية بيننا وبينهم تصل الى عدة قرون. أحزاب بريطانيا الرئيسية هي حزبان كبيران وحزب ثالث أقل حجماً الى جانب قليل من أحزاب «الفكة» كما أطلق عليها السيد الصادق المهدي في ديمقراطية الثمانينيات.حزب المحافظين تأسس في القرن التاسع عشر ومن أبرز قياداته التي سجلت رقماً قياسياً في الحكم ونستون تشرشل ومارغريت تاتشر،أما حزب العمال والذي يصنف ك(يسار الوسط) فقد تأسس عام 1900 وخرج من رحم النقابات العمالية وجماعات الفابيين الاشتراكية،ومن أبرز سمات البرنامج الذي قام عليه عند تأسيسه كان إعادة توزيع الثروة عبر تطوير نظام الضرائب.حزب العمال هذا لم يصل الى الحكم إلا في فترات قصيرة في الثلاثينيات والأربعينيات،ولكن بروزه الأكبر كان في السبعينيات على يد هارولد ويلسون.أما الحزب الثالث (والأقل حجماً) فهو حزب الديمقراطيين الأحرار والذي يصنف أيضاً كيسار الوسط ، وقد تأسس عام 88 باندماج حزب الأحرار (الليبرالي) العريق مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي..وفي هذا الشأن يمكن أن (تكايد) أحزابنا السودانية الأحزاب البريطانية بأنها سبقتهم في هذا الاندماج..وذلك عندما توحد الوطني الاتحادي مع الشعب الديمقراطي في 67،وتم اخذ كلمة من اسم كل حزب ليصبح اسم الحزب الجديد(الاتحادي الديمقراطي) ...تماماً كما اخذ الانجليز كلمتي(الأحرار) و(الديمقراطي) من الحزبين المندمجين لتسمية حزبهم الجديد ..حزب الديمقراطيين الأحرار !! من اللافت للنظر أن زعماء الأحزاب الثلاثة التي تنافست في هذه الانتخابات كلهم من الشباب النضير،فأكبرهم جوردون براون زعيم العمال من مواليد 51(خريج جامعة ادنبره-اسكتلندا)،وديفيد كاميرون زعيم المحافظين مولود في 1966(خريج اوكسفورد)،وثالثهم نيك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار من مواليد 67(خريج كامبردج). هذه الروح الشابة والعمر النضير والتأهيل الأكاديمي والسياسي الرفيع لابد أن تصاحبه رؤى متجددة ودماء شابة تضخ أفكاراً معاصرة في شرايين الحياة السياسية...بينما هنا في السودان يستوي على ساحتنا السياسية (زعماء لكل العصور) ،ومن المفارقة أن لحظة ميلاد ديفيد كاميرون ونيك كليغ كان ساسة بلادنا الحاليين يتربعون على مقاعد السلطة والمعارضة ويملأون الساحة ضجيجاً إلى يومنا هذا !