الخرطوم: عايدة ناجي: مهنة الكمساري من المهن الشاقة التي تتطلب الكثير من الصبر وقوة التحمل، والكمساري هو ذلك الشخص الذي يتعامل مع جميع شرائح المجتمع التي تحمل ثقافات تختلف باختلاف المناطق التي ينحدرون منها، وهو بدوره لا بد له من إجادة التعامل معهم، ومنهم من تعود على هذه المهنة حتي اصبح يجيد التعامل مع كل انواع الركاب بفن، بل هناك من اصبح يعرف شخصية الفرد من ملامحه وتقاسيم وجهه على حد قول البعض منهم. وعلى الرغم من ان بعض الكماسرة يتعرضون للكثير من الضغوط النفسية خلال ساعات العمل في اليوم من بعض الركاب وكل يتصرف حسب شخصيته ومدى تحمله، ومنهم من يتفادي الدخول في شجار مع الركاب، ومنهم من يؤدي الى تطويره، لكن الاغلبية هم من يتفادون النقاش ويبتعدون عنه بقدر استطاعتهم، وخاصة في شهر رمضان الذي يحتاج فيه كل فرد الى جمع الكثير من الحسنات والبعد عن كل ما من شأنه ان يجرح الصيام بأي شكل من الأشكال. ويقول السر الزاكي وهو يعمل كمسارياً لمدة خمسة اعوام، أي منذ تخرجه في المرحلة الجامعية، يقول انه يتعامل مع كل شخص على حسب معاملته والطريقة التي يتحدث بها، ويضيف انه يحاول وبقدر الامكان ألا يحتك مع الركاب في أي وقت من الاوقات، خاصة في الشهر المبارك، الا انه يعود ليقول ان هناك بعض الناس يثيرون حفيظتك مهما حاولت الابتعاد عن الاحتكاك معهم، وإنه كثيراً ما تحامل على نفسه حتى يتفادى النقاشات التي كثيراً ما تكون بسبب أمور تافهة وبسيطة. ومن جانبه يقول علاء الدين أوكير سائق حافلة: «في ناس كده بس باي طريقة دايرين اتشاكلوا ومهما تحاول انك تتساير معاهم ما بينفع، مع انه في كثير من الاحيان يكونون هم المذنبون، وفي الزمن السابق وخاصة في شهر رمضان الناس بتحاول تبعد عن الصراعات، اما الآن فإن هناك كثيراً من الناس لا يراعون انهم صائمون ويخرجون من افواههم الكثير من الالفاظ التي لا تتناسب مع الشهر الكريم». وتقول علياء النور طالبة بجامعة السودان انها ذات مرة كانت في إحدى الحافلات التي تقلها من منزلها إلى الجامعة، وفي اثناء سير الحافلة في الشارع بدأ الكمساري في تحصيل التذكرة من الراكبين، حيث قامت احدى الفتيات باعطائه نصف القيمة وهي تجلس في المقاعد المخصصة للطلبة بالحافلة، ثم طلب منها الكمساري أن تبرز بطاقة الترحيل التي تؤكد انها طالبة او ان تقوم بإكمال التذكرة، فكان ردها عليه بمنتهى السخرية: «لا بديك بطاقة ولا بديك الباقي»، فما كان من الكساري إلا أن قال لها: «يا بت انا ما بتكلم معاكي؟» وهي كأنه لا يتحدث معها ولم ترد عليه، وأصبحت مشغولة بمحمولها، وفي هذه الأثناء تدخل احد الركاب وقال للكمساري «اعتبرها اختك يا أخي امكن ما عندها قروش وخجلانة تقول» فكان رد الكمساري «هي لو قالت كده والله اشيلها في رأسي ده، لكن ما ترد علي بالطريقة دي»، وتضيف علياء ان هذا يدل على مدي وعي الكمساري وتعامله بكل رقي مع الركاب، وربما يرجع ذلك الى أن اغلبهم من خريجي الجامعات الذين لم يجدوا فرصاً للعمل في المؤسسات الحكومية او الخاصة. «كل الناس تحاول أن تلتزم بالاخلاق الفضيلة في الشهر الفضيل» بهذه العبارة ابتدر حسن الكرنكي حديثه معنا، وقال: «سواء أكان ذلك من الكمساري او من الركاب، وألا يحاول أي شخص أن يفرغ ما في نفسه في أشخاص آخرين ليس لهم ذنب في ما هو فيه».