د. أحمد عثمان خالد.: كان لي شرف حضور حفل استقبال الوالي أحمد هرون خلفاً لمعتصم ميرغني حسين زاكي الدين الوالي المنتخب لولاية شمال كردفان ، والمستقيل بسبب الأمراض التي ألمت به أخيراً وأثرت على أدائه فترجل عن صحوة جواده طواعيةً ليفسح المجال لتلميذه هرون لمواصلة المسيرة لإستكمال متطلبات البرنامج الانتخابي الذي كان عبارة عن ميثاق شرف بين المؤتمر الوطني والناخبين في شمال كردفان.، أثار إعجابي خطاب السيد الوالي المستقيل معتصم ، فالرجل عكس ما قيل فيه وقاله عنه الوشاة وأهل المصالح والأهواء وذوو الحظوظ النفسية فقد قدم مرافعة قوية عن أدائه في الفترة السابقة رغم صعوبة المشوار في كل المحاور، بل تميز أداؤه في الجانب التعليمي ويكفيه هذا فخراً واعزازاً بعد أن صعدت ولاية شمال كردفان مدارج النجاح على المستوى القومي للشهادة السودانية لهذا العام ، وهذا هو مؤشر التحول الايجابي للتنمية بمفهومها العلمي الصحيح . لقد كان الاستقبال رائعاً بكل المقاييس، وأروع ما فيه تلك الصراحة والشفافية في طرح قضايا ومشاكل الولاية المستعصية وأهمها مشكلة المياه والطرق التي تربط بين حاضرة الولاية والولايات الأخرى كطريق بارا أم قرفة أم سيالة أم درمان، فهو الطريق الذي يختصر المسافة بين أم درمان والأبيض في حدود أربع إلى خمس ساعات بالتقريب بدلاً من ثماني وتسع ساعات عن طريق كوستي ، بالإضافة إلى هذا يمكن أن يحدث هذا الطريق تنمية ونقلة نوعية في الريف الشمالي الشرقي لحاضرة ولاية شمال كردفان الأبيض ، وأنا أتابع هذا اللقاء بكل فقراته من البداية حتى الختام كانت الأسئلة ترد إليه بشكل متواصل ، مثل هل يستطيع أحمد هرون تحقيق ما عجز عنه الوالي السابق ؟ وما هو شكل العلاقات التنسيقية بين شمال وغرب وجنوب كردفان في المرحلة المقبلة ؟ وهل هذه العلاقات التنسيقية بداية لعودة الاقليم الواحد ؟ وهل يعني هذا أن القيادة العليا أخذت خط رجعة عن فلسفة الحكم المحلي بشكله القديم ؟ كل هذه الأسئلة كانت تنتابني وأنا أتابع بدقة العبارات المنسابة من المتحدثين من على المنصة ابتداءً من شاعر كردفان (ود بارا) الذي قدم عرضاً رائعاً لمشاكل الولاية بل وقدم مقترحات حلول للأخ الوالي من أهمها إعادة النظر في الطاقم الدستوري القديم (المكنكش) منذ قيام ثورة الانقاذ الى يومنا هذا، والقائمة معروفة ، سوف نسيح بأفكارنا من خلال هذا المقال حول التساؤلات آنفة الذكر تحليلاً موضوعياً من أجل معرفة الأبعاد الحقيقية لتلك الأسئلة المنطقية، فإذا وقفنا في السؤال الأول وهو قدرة الوالي الجديد على حل قضايا شمال كردفان فإن كل الوقائع التاريخية تؤكد أن مشكلة المياه في الأبيض من المشاكل الصعبة التي لم تجد الحل الناجع وبالتالي فهي تعتبر أكبر عقبة وتحد لهارون، وهي تحتاج إلى تدخل مركزي عاجل ، والتدخل المركزي بالنسبة لهارون أعتقد أنه ليس بالأمر الصعب وذلك لما للرجل من علاقات رأسية قوية راسخة وبما لديه من حجة ومنطق لإقناع الآخر بطرحه، وبالتالي فإن هذه القضية في تقديري محسومة ، وإن تم ذلك خلال هذه الفترة فذلك كرت رابح لدخول الوالي معركة إنتخابات 2015م وسينتصر فيها بإذن الله والعكس صحيح إذا عجز عن تحقيق هذا الحلم المشروع والتطلع المتواضع لإنسان شمال كردفان الذي أعطى السودان كل خيراته وحرم من نعمة الماء والنيل الأبيض على مرمى حجر من شمال كردفان ، هناك قضايا تعتبر فرعية بالنسبة لقضية مياه شمال كردفان فمن عبر البحر فلا يعجزه عبور الترع والخيران الصغيرة والشخاخات (مصطلح يعرفه الكردافة) ، وأود أن أشير هنا إلى أن النقلة التنموية التي يريدها مواطن شمال كردفان تحتاج منه إلى صبر وطول بال وتفاعل مع القيادة السياسية لعبور محطات الانهزام النفسي التي شكلت وجدان المواطن وأصبح أسير القضاء والقدر بالفهم المغلوط ، لكل قضاياه ومشاكله كأنما هي خطى كتبت عليه ومن كتبت عليه خطى مشاها ، لكن رغم هذا سيظل الأمر في ظل التحول الجديد أمراً مشروعاً خاصةً وأن الوالي حدد منصات الانطلاق نحو التنمية في خطابه أمام الجماهير، فقد تحدث الوالي في خطابه وأشار الى أهمية العلاقة التنسيقية بين الشمال والجنوب والغرب ، ورغم أن الحديث ليس مفصلا لكن يبدو أن وراءه استراتيجيات كبرى لم يعلن عنها بعد، وهذا الاتجاه الاداري الجديد يقودنا إلى السؤال الفرعي هل هذا الاتجاه هو البداية الحقيقية للتراجع عن فلسفة الحكم المحلي والعودة إلى نظام الحكم الإقليمي بعد إتفاقية 1973م بأديس أبابا؟ وإذا كان هذا الاتجاه صحيحاً فهل هو الأفضل عن نظام الحكم المحلي وما هي فائدته بالنسبة لكردفان؟ أولاً لابد من الاعتراف بأن الحكم المحلي الفدرالي لم يفهم في سياقه الصحيح وبالتالي كان ضرره أكثر من نفعه لأنه عزز الجهوية والقبلية بشكلٍ كبير وكان ذلك خصماً على وحدة النسيج الاجتماعي المتماسك بكل أبعاده وفي كل مستوياته، فإذا أخذنا على سبيل المثال ترشيح مولانا أحمد هرون والياً على جنوب كردفان فقد أثار هذا الترشيح لغطاً كثيفاً في حينه وأثار غباراً ما زالت آثاره عالقة في سماء جنوب كردفان باعتبار أن هرون من شمال كردفان فلماذا يحكم جنوب كردفان؟ وهذه كانت قناعات الكثيرين وليسوا بمخطئين في ذلك إنما الخطأ وكبر الاثم يتولاه صناع القرار في المركز ومنظرو فلسفة الحكم المحلي إبتداءً من الدكتور/على الحاج ، وانتهاءً بالدكتور/ حسبو عبد الرحمن الذي ربما يعكف الآن على تعديل المسار في الحكم المحلي بعد أن ذاق هو ورفاقه إنعكاساته السالبة على المجتمع، فبدأ خفية بعودة اقليم كردفان ليعود بعده الاقليم الأوسط واقليم البحر الأحمر والاقليم الشمالي. هذه الاستنتاجات مستوحاة من خطاب الوالي أحمد هرون وخطاب رئيس المجلس الوطني أحمد ابراهيم الطاهر، المسؤول عن ملف كردفان، وآمل أن يكون هذا الاستنتاج صحيحاً لأن اتجاه عودة الأقاليم يعني البداية الصحيحة لمعالجة كثير من الأخطاء التي وقعنا فيها في السابق وبالذات ما يتعلق بخلخلة النسيج الاجتماعي ، واذا افترضنا أن هذا الاتجاه صحيح فينبغي على الولاة الثلاثة: هرون والفكي وخميس تطبيقه على مستوى الحكم أولاً بمعنى أنه في التعيين الاداري والدستوري لا ينظر إلى الشخص باعتبار أنه من غرب أو شمال أو جنوب كردفان ، وهذا سيكون أول المستفيدين منه اللواء أحمد خميس الذي ربما يفكر الآن تحت ضغط الموازنات الجهوية والقبلية هل يكون نائبه حمري أم مسيري ؟ أم أنه سيعطي نائب الوالي لحمر ورئاسة المجلس التشريعي للمسيرية؟ ، فمنطق الحال يقول هذا ، فبدلاً أن يفكر الوالي الجديد في التنمية والأمن ينساق وراء هذه المحاصصات الضيقة ، ويجهد نفسه في ما لا طائل من ورائه سوى التفرقة والنزاع والشقاق الذي أوردنا المهالك طيلة الفترة الماضية ، ولذلك فإذا كان الأخ أحمد هرون هو مهندس الاخراج الأخير لكردفان في ثوبها السياسي الجديد فنقول له أول ما تبدأ به من تنسيق هو كيفية تشكيل الجهاز التنفيذي فيشمل أبناء كردفان الكبرى وكذا الحال بالنسبة لواليي جنوب وغرب كردفان. هذا الأمر في تقديري المتواضع يضع مواطن جنوب كردفان في أول عتبات سلم العودة إلى كردفان الكبرى " الغرَّة أم خيراً جوّة وبرة " ولعل هذا المثل ضرب لما كانت كردفان واحدة لا تعرف هذا مسيري وذاك حمري ، وهذه حازمية وتلك نوباوية ، إنما اللُّحمة واحدة والنسيج قوي و متماسك لا تهزه عواصف ورعود الرشاش ولا تحركه (كُرْكُرِّي) نهاية صيف كل عام في كردفان . إنني متفائل جداً بالشكل السياسي الجديد لكردفان، واعتقد أن في هذا عاصما من القواصم وبالذات في الجانب الأمني الذي طالت مهدداته كردفان ببعدها الجغرافي القديم بعد أن أدخلت الجبهة الثورية الخوف والرعب في ست الزمام أبو رشمة في غبيش والسميح والله كريم ، وبعد ان استباحت الجبهة الثورية شرف وعرض (كاكا) بت المورو المدللة في جبالها. أليست هذه مبررات كافية لتعزيز التعاون المشترك لتأمين البلاد والعباد من شر الحاسدين والناقمين على وحدتنا الاجتماعية في كردفان؟. ثمة وصية لهارون والفكي وخميس وهي أن في كردفان الكبرى أناساً تحسبهم أغنياء من التعفف يحتمون داخل القطاطي والرواكيب المشلعة لا يعلمهم كثيرٌ من الناس حتى ذوي الاختصاص كديوان الزكاة الذي أصبح ينفق على الأغنياء من أصحاب الشيكات الطائرة والمرابحات الخاسرة على حساب هذه الشريحة الضعيفة المنسية ، فهذه الشريحة أيها الولاة الثلاثة سرها عظيم لا يدركه إلا من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد ، وإنما ترحمون وترزقون وتؤمنون بضعفائكم كما جاء في المعنى العام للحديث الشريف. أمنياتنا لكم بالتوفيق والسداد لما فيه صالح البلاد والعباد .