أتيحت لنا فرصة زيارة ولاية جنوب كردفان برفقة النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه قبيل إجراء الانتخابات الأخيرة في العام 0102م وامتدت زيارتنا تلك لثلاثة أيام كاملات طفنا فيها أنحاء عدة في الولاية فيها مدينة كاودا التي كانت قد أعدتها حكومة الولاية عاصمة ثانية، بالإضافة إلى مدينة كادوقلي، ووقفنا على حجم الإنجازات الهائلة التي نفذها الوالي أحمد هارون، وبلغت التنمية في هذه الولاية في ذاك الزمان ما لم تبلغه في أية ولاية أخرى، ويكفي أن طرق الإسفلت في ولاية جنوب كردفان تجاوز طولها الألفين كيلو متر، هذا فضلاً عن الإنشاءات الخدمية والمشروعات التنموية التي انتظمت كل ربوع الولاية وزاد على ذلك إنجازه السياسي الذي لم يقف عند حدود الحركة الشعبية، التي كانت تشاركه الحكم، وكانت قد شهدت علاقة الشريكين استقراراً لم تشهده هذه الشراكة في كل محافل الحكم على كافة الأصعدة طولاً وعرضاً، وتجاوز إنجازه السياسي إلى علاقات حميمة أقامها مع قوى المعارضة الوطنية بالولاية، فصارت أنموذجاً يستحق أن يهتدي به الآخرون. وكان طبيعياً لمثل هذه الإنجازات العظيمة أن يقدم المؤتمر الوطني أحمد هارون مرشحاً لمنصب والي جنوب كردفان، وكان طبيعياً أن يفوز هارون بالمنصب، ولكن كل الأحداث التي تلت ذلك لم تكن طبيعية، وفي مقدمتها التمرد الذي قادته الحركة الشعبية عقب إعلان فوز هارون تنفيذاً لتهديدها الذي كانت قد توعدت به أيام الحملة الانتخابية (النجمة أو الهجمة) ثم تتالت الأحداث غير الموضوعية في الولاية إلى أن بلغت درجة صار فيها رفض أهل المؤتمر الوطني بالولاية لحكم أحمد هارون أكبر من رفض الآخرين له. ورغم أني لا أجد كثيراً من رفض أهل جنوب كردفان لأحمد هارون مبرراً لكنني أجد إعمال مبدأ السنة في ذلك واجباً، والسنة تنهي الرجل من أن يؤم الناس في الصلاة وهم له كارهون حتى وإن لم تكن كراهيتهم له غير مبررة، ولا أجد في ما يدعون بأنه من خارج الولاية سبباً كافياً لهذا الرفض، فبصرف النظر عن العلاقة القديمة التي يقولها البعض لأحمد هارون بولاية جنوب كردفان فإن كردفان الكبرى عاشت عهدها الزاهر بدون فواصل إقليمية ولا قبلية ومهما نسي الناس حكام كردفان، فلن ينسوا عهدي الراحلين محمود حسيب والفاتح بشارة، فبينما كان الأول من الجنوب كان الثاني من الشمال وحكما معاً الإقليم واحداً موحداً، أرضاً وشعباً. وأجد في تفاقم أزمة كردفان في جنوبها خيراً كبيراً لكردفان الكبرى شمالاً وجنوباً، فأحمد هارون الذي يرفضه أهل الجنوب والياً يرحب به أهل الشمال جميعاً بلا استثناء، وأقول هذا القول بعد استبيان مباشر أجريته بنفسي خلال زيارتي الأخيرة للولاية أيام عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعلى أمة الإسلام وشعب السودان وأهل كردفان بالخير والبركات، فلما وجدت الناس قد قلّ حماسهم لواليهم معتصم ميرغني ووجدت أن سياساته أوشكت أن تورد الولاية موارد الهلاك وبرغم أني وجدت أسهم نائبه الفريق أول محمد بشير سليمان تتصاعد، خصوصاً بعد أن لمس الناس إنجازاته الظاهرة في الفترة التي تولى فيها قيادة الولاية أثناء سفر الوالي زاكي الدين، لكنني سألت الناس عن رأيهم في أحمد هارون إذا أتاهم والياً، وهنا سمعت قصائد متنوعة في مدح ابنهم أحمد هارون، وأشهد أن كل ما سمعته منهم كان صحيحاً من خلال معايشتي لبعضه، فلما كان وزيراً للدولة في وزارتي الداخلية والشئون الإنسانية كان أكثر أبناء الولاية الدستوريين انحيازاً وتبنياً لقضايا أهله وولايتهم، فكان يرعى كل المشروعات التي تقدم له ويدعمها، ومما يدعم به أهل شمال كردفان نجاح أحمد هارون إذا جاءهم والياً أنه ليس طرفاً في أية صراعات قبلية أو جهوية، وأنه الأقدر على استقطاب دعم المركز للولاية، وهذا ما تفتقده الولاية في العهد الحالي، فلقد أوشكت الولاية أن تنقضي، ولا زالت أهم الوعود الانتخابية بعيدة المنال، ويكفي أن نشير هنا فقط إلى طريق الأبيض بارا أم درمان. إن خروج أحمد هارون من جنوب كردفان والعودة به إلى أهله في شمال كردفان يفتح الطريق لأهل الجنوب لاختيار من يرغبون لأن يكون عليهم حاكماً ويرد الابن إلى أهله؛ ليطفئ نار الفتنة التي أوشكت على الاشتعال، وتفتح الأمل في نهضة تنموية تحتاجها ولاية شمال كردفان.