الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزارة العدل: قرار محكمة العدل الدولية لعدم اختصاصها في الفصل في الدعوى لا يعني براءة الامارات    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    مصر تدين الاستهداف المكثف للمنشآت والبنى التحتية في بورتسودان    . إلغاء رحلات جوية عقب استهداف مطار بورتسودان بمسيرة    الناطق الرسمي للحكومة: قضية الأمة السودانية ضد دولة الإمارات لن تتوقف عند محطة المحكمة الدولية    ما هي "الخطة المستحيلة" لإيقاف لامين يامال؟ مدرب إنتر يوضح    تركيا تعلن استنكارها استهداف المرافق الحيوية ببورتسودان وكسلا بمسيرات المليشيا المتمردة    كيف سيواجه السودان حرب الصواريخ والمسيّرات؟!    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط سخرية الجمهور.. خبيرة تجميل سودانية تكرم صاحبة المركز الأول في امتحانات الشهادة بجلسة "مكياج"    شاهد بالفيديو.. أفراد من الدعم السريع بقيادة "لواء" يمارسون كرة القدم داخل استاد النهود بالزي الرسمي والأسلحة على ظهورهم والجمهور ينفجر بالضحكات    عبد الماجد عبد الحميد يكتب: معلومات خطيرة    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية المُفترى عليها وحديث الدستور

نصت المادة «10-1» من دستور عام 2005م على «أن تكون الأهداف الأشمل للتنمية الاقتصادية هي القضاء على الفقر، وتحقيق أهداف ألفية التنمية، وضمان التوزيع العادل للثروة، وتقليص التفاوت في الدخول، وتحقيق مستوى كريم من الحياة لكل المواطنين». وجاءت المادة «10- 2» تقول «تطور الدولة الاقتصاد وتديره بغرض تحقيق الرفاه عن طريق سياسات تهدف لزيادة الإنتاج وبناء اقتصاد كفء معتمد على ذاته، وتشجع السوق الحر ومنع الاحتكار»، وأضافت المادة «13-1-أ» من الدستور أحلاماً من مثل «ترقي الدولة التعليم على كافة مستوياته في جميع أنحاء السودان، وتكفل مجانية التعليم وإلزاميته في مرحلة الأساس وبرامج محو الأمية»، وقالت المادة «44-3-أ» من الدستور إن «التعليم في المستوى الأساسي إلزامي، وعلى الدولة توفيره مجاناً»، وعن صنوه الصحة جاءت المادة «19» من الدستور تلزم الدولة بالتزام مقتضاه أن «تطور الدولة الصحة العامة وتضمن الرعاية الصحية الأولية مجاناً لكافة المواطنين». وعن العدالة الاجتماعية بشرتنا المادة «12 -1» من الدستور بأن دولتنا ينبغي عليها أن «تضع استراتيجيات وسياسات تكفل العدالة الاجتماعية بين أهل السودان كافة، وذلك عن طريق تأمين سبل كسب العيش وفرص العمل وتشجيع التكافل والعون الذاتي والتعاون والعمل الخيري».
ودعنا من الحديث عن ضمانات حقوق الإنسان والحريات التي تضمنتها وثيقة الحقوق المثبتة في صلب الدستور، فذلك أمرٌ لا زالت تفصلنا عنه فراسخ حضارية لا اعتقد أن قطعها سيكون على نخبة الفشل السودانية يسيراً ما لم تتصالح مع نفسها وتنفطم عن رذائل العادات السياسية التي أوردتنا موارد الهلاك، وما تفتت البلاد الذي لاح في الأفق عن تلك المهالك ببعيد، دعنا عن مدن الحريات الفاضلة وعواصم الحقوق الفردية الغارقة في أحلام الكمال الإنساني، ولنخفف الوطء والفرض كذلك حال كوننا على سفر شاق، دعنا عن مقولة السيد المسيح «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، فنحن أمة ما شبعت من كسرة الخبز حتى تتطلع إلى حياة المدن الفاضلة والعواصم الحالمة، فالمواطن السوداني ظل في كنف كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد مهموماً بما يقيم الأود، يكافح من أجل تعليم أبنائه ويتوجس خيفة أن يصاب بالأمراض البكتيرية التي لا يجد لها علاجا ناهيك عن الأمراض العصرية «الفيروسات والسرطان» التي لا حيلة له أمامها سوي الرضاء والاستعداد للرحيل، فكل الحكومات وعدته فما وفت، فدارت به الدوائر إلى حد أن اضطر البعض منه إلى امتهان الاستجداء وبيع الشرف والكرامة، وليت الأمر وقف عند عدم الوفاء بالوعود، فقد جاء بآخر حكومة سعت جاهدة إلى تغييب عقله وغسل دماغه وخططت «لحيونته» على نحوٍ غريب على حد تعبير الدكتور حيدر إبراهيم علي.
وظل المواطن السوداني يكافح في هذه المدارج السفلى من غير أن تلوح له بارقة أمل للأمان والتطامن النفسي، يعاني الفقر ويتشكى المسغبة، وهل من أمان مع سلطان الجوع الكافر لا، ولا كرامة، فقد تنزل بذلك قرآن يتلى «الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف» الآية، فظل المواطن يرقب حكوماته الوطنية بصبرٍ يغلب التصبر، فخلص من سلوكياتها إلى نتيجة مؤداها أن الفارق بينها فارق درجات، وللأسف درجات تتنزل به في كل لحظة من اللطافة ذاهبةً به نحو الكثافة، وتنقله في كل يوم مما هو سيئ إلى ما هو أسوأ، حتى قتل الفقر فيه روح الإبداع وأحياه على نحوٍ ما تحيا السوائم والبهائم. وكانت خاتمة مطافه الحزينة تحدو عيسه فيها الإنقاذ الانقلاب، تسوقه بلا رحمة وفي غير شفقة إلى عوالم مجهولة لا يعرف حقيقتها ولا يعلم سرها إلا غافر الذنب قابل التوبة رب العباد، فاللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.
وصبر المواطن وصابر على المسغبة، وهو الموعود من الأحزاب المتوالي منها والمعارض، الوطني منها واللا وطني، باحترام نصوص دستور عام 2005م، فعلى ضوء تلك النصوص فصلت برامجها الانتخابية، فجاءت كلها- من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين- متوافقة على أولوية مسألة التنمية ومحاربة الفقر والأمراض والمسغبة ورفع الغبن عن حاج أحمد المغلوب على أمره، لكنها وأيم الله ما كانت في ما قالت صادقة، وهذا أمرٌ استشعره مثل اليقين في نفسي، لا تخرصاً بالظن ولا رمياً بالغيب، ولكن للأمر أدلته وقرائنه، فالبعرة في نهج العربي تدل على البعير وفي أمثالنا السودانية «المطر من رشتو والعريس من بشتو».
فكيف يكون صادقاً في قضية محاربة الفقر والجوع والمسغبة من يفصل قانوناً للوظائف الدستورية ومخصصاتها يبلع في نهمٍ بذئ جل الفصل الأول من الميزانية، «انظر قانون مخصصات الوظائف الدستورية لعام 2005م» فستجد العجب العجاب، وقبل أن تنظر في القانون المذكور قف مع النفس قليلاً واسألها.. كم عدد الوظائف الدستورية في جمهورية السودان المغلوب على أمره، ثلاثون وزيراً اتحادياً إلى جانب الرئيس ونائبيه، ستة وثلاثون وزير دولة، ثلاثة عشر مستشاراً، خمسة وعشرون والياً، إلى جانب تسعة وعشرين وكيل وزارة، برلمان اتحادي ينيف عدد عضويته على الخمسمائة عضو «أربعمائة وخمسون عضواً» إلى جانب ممثلي الولايات وعددهم خمسون ممثلاً، خمسة وعشرون مجلساً تشريعياً ولائياً عدد الأعضاء في كل واحدٍ منها لا يقل عن خمسة وعشرين عضواً، خمسة وعشرون وزارة ولائية لا يقل عدد الوزراء في الواحدة منها عن خمسة وزراء، إلى جانب جيوش المحافظين التي لا يحصيها كتاب، ومع كل ذلك جهاز أمني تنتشر عضويته في كافة أنحاء البلاد.
هذه الجيوش من الدستوريين الذين نذروا أنفسهم لخدمة قضايا التنمية ومحاربة الفقر والبؤس والمسغبة يسميها اختصاصيو الاقتصاد «العطالة المقنعة»، وظائف غير منتجة، فلو كانت الحكومة فعلاً حريصة على محاربة الفقر وحادبة على مسألة تأمين الصحة والتعليم ومحو الأمية للمواطن، لبدأت من حيث تبدأ قضية التنمية، ذلك أن أولويات التنمية حتى على مستوى الأسرة تبدأ بقضية الاقتصاد في المصروف وضبطه في إطار الإنفاق على ما هو ضروري، لكن الذي يظهر، أن النخب السودانية استمرأت العيش بالمجان، وأدمنت العمل غير المنتج، بدءاً بالمضاربة وانتهاءً بالعمل السياسي الانتهازي الذي لا يعدو رأس ماله أن يكون جلابية ومركوب فاخر وملفحة تبعتها في الآونة الأخيرة عصى الأبنوس السحرية التي تفتح لحاملها ما استغلق من عوالم المال والرفاه المسروق، فكأني والحال كذلك أن النخب السياسة السودانية على مستوى القيادة قد افتتنت بمقولة ابن خلدون «السلطان مجلبة للجاه والجاه مجلبة للمال» ولم تفرط فيها، فأنتجت لنا بذلك عقليات تتأفف عن مقارفة العمل اليدوي المنتج، لا بل تعتبره جناية على النفس تؤذي الكبرياء وتلطخ شرف الكمال الانتهازي، فانتشر بين متعلمي السودان هذا الفيروس القاتل، إلى أن أتسع الفتق على الراتق وحار في علاجه الطبيب المداوي، وكانت النتيجة من ذلك أن توقفت عملية الإنتاج وحلت محلها المضاربة والانتهازية، والكسب الناعم الذي يؤذي الاقتصاد الكلي، ويعطل عجلة الإنتاج، ويضعننا رغم أنوفنا في خانة «كل يومٍ ترذلون».
إن النصوص الدستورية المتعلقة بالتنمية ومحاربة الفقر التي أثبتها دستور عام 2005م تنفيذاً لاتفاقية نيفاشا، ستبقى عاطلة معطلة حتى لو حسنت النوايا، ما دام أن الحكومة تصر على تضخيم جهازها الدستوري على النحو الذي أشرنا إليه في ما سبق. ولو كانت الحكومة وقيادات الأحزاب المعارضة والمتوالية حريصة على رفع المعاناة عن المواطن كما تزعم، لتوافقت قبل خوض الانتخابات على التقليل من تلك الوظائف قدر الإمكان، خاصة إذا ما علمنا أن كثيراً من الوزارات المستحدثة هي مجرد أسماء بلا وظائف ابتدعتها العقلية النخوبية لإرضاء بعضها البعض وإسكات صوت المعارضة، فضلاً عن أن بعضاً من الوزارات الضرورية كان في السابق يقوم على رأس أعمالها مدير شعبة إدارية ويتولى مهامها موظفون عاديون يوفرون على الدولة كثيراً من المال، فلا سيارات خدمة ولا نفقات حراسة ولا بهرج سلطان ولا نثريات ضيافة، ولا أدري هل كانت النخب السودانية ستتداعى على الوظيفة الدستورية على هذا النحو الذي نراه، إن كان يبذل فيها جهد يوازي المكاسب المادية والمغانم الكثيرة التي عليها يتقاتلون؟ ما قصدت من هذا التساؤل مجرد الاستنكار بقدر ما قصدت أن أخلص منه إلى أن الأعمال التي يؤديها الكثيرون منهم ليس فيها ذلك الجهد الذي نتوهم بأنه يعود علينا بالنفع ويرفع عنا الفقر والمسغبة، فما أكثر المكاتب الوثيرة التي غايتها الترفيه عن السيد الوزير يتلذذ فيها بالأبهة وشرب القهوة ومطالعة الجرائد التي يهزأ من كثيرٍ مما يكتب فيها، لا بل يصف بعض ما يرد فيها بالغباء والسذاجة حال كونه مكمن الأسرار العالم ببواطن الأمور.
وحتى لا نبخس الناس أشياءهم، لا بد من الإشارة إلى بارقاتٍ شوارد كانت سنابلها بالحَبِ مليئةً تتدلى، كانت نشازاً في الوظيفة الدستورية غريبةً بيننا كغربة صالح بين ثمود، من ذلك موقف الأستاذ بشير محمد سعيد، ومن لنا ببشيرٍ في هذا الزمان الأغبر؟ ومن لنا ببشير والبلاد يضارب اليوم على وحدتها في غير خجل ولا استحياء، فقد عمل الأستاذ بشير محمد سعيد مستشاراً صحافياً للمجلس العسكري الانتقالي «انتفاضة أبريل» بلا مقابل مادي خدمةً لوطنه، وضرب بذلك مثالاً احتذاه من بعده السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء الأسبق الذي أبى على نفسه أن يتقاضى راتباً أو نثريات عن وظيفته الدستورية، بل كان يسافر لمهام الدولة على حسابه الخاص، وتبعه في هذه السنة الحسنة الأستاذ محمد توفيق وزير الإعلام السابق الذي أعلن تنازله عن راتبه للخزانة العامة، ولا نقصد من إيراد هذه الأمثلة أن نقول لشاغلي الوظائف الدستورية اعملوا بلا مقابل، لأننا نعلم أن لديهم مسؤوليات ومن ورائهم أسر ممتدة تنتظر منهم مد يد العون، خاصةً بعد الاستوزار، لكن الذي نرجوه أن تقتصر الوظائف الدستورية على ما هو ضروري، ولا تكون سبيلاً للتكسب المتواري خلف ثوب المشروعية الدستورية في وزارات ووظائف ما لها من الوظيفة إلا الاسم، وما لها من العمل إلا ذاك الذي يؤديه مديرو الشُعب الإدارية التقليدية الذين كانت الأمور تسير في ظل قيادتهم بأدنى المنصرفات، وهذا ما كان يوفر على الدولة أموالاً تنفقها على التعليم المجاني الذي استفاد منه بعض من يتنفذون الآن في البلاد ورقاب العباد، ويتأبون على أنفسهم أن يردوا الجميل بجميل مثله، بل يصرون على أن يرهقوا أهلهم عسرا.
إن التنمية في الدولة الحديثة أصبحت تقاس بمعيار «خلق الوظائف المنتجة»، أي أن معدل التنمية في البلاد يعاير بكم الوظائف التي خلقتها الدولة لمواطنيها، وظائف خدمية وإنتاجية تقدم خدمةً حقيقيةً وتبدع إنتاجاً ملموساً يحسه الناس في مأكلهم ومشربهم وصحتهم وملبسهم وتعليمهم ورفاهيتهم، بمعنىً آخر أن التنمية تُقاس بمعيار «فتح البيوت»، والشعور بالأمان النفسي والتطامن الداخلي الذي يجلبه الإحساس بتوفر الرزق الحلال، فإن غاب ذلك وحل محله الكسب المتسكع والرزق الانتهازي وحرب الكل ضد الكل، فلا تحدثني عن التنمية حتى لو شيدت الدولة ناطحات سحابها، وعبدت بالأسلفت الأسود سبلها ودروبها، وحتى لو امتلأت سوبرماركتاتها بما لذَّ وطاب من إنتاج الشرق والغرب، فذلك أمرٌ لا يعني حاج أحمد الفقير في شيء، وإنما يخص أهل الجاه والسلطان، ويعني نهازي الفرص المضاربين باسم الشعب في سوق نخاسة العبيد.
والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.