: ٭ يقف المرء محتاراً ما بين المصدّق والمكذّب أمام «لافتة» كتب عليها «دار العجزة والمسنين»، بخطٍ يكاد يتوارى خجلاً لحروفه الصغيرة، و «المعوّجة»، والمنقوشة، بلونٍ أبيضٍ كأنما يكفّن داخله أخلاقنا السمحة، على سوادٍ يحاكي خبيئة أنفس «المغضوب عليهم» و «الضآلين» مرتكبو جناية إيواء الآباء كبار السن فيها. ٭ فقرأتها مرات وكرات وارتد اليّ بصر القراءة حسيراً، وتيقنت أنها فعلاً «دار العجزة والمسنين»، لهول الصدمة إذا ما سئلت هل من كلمات أخر من فوقها أو من تحتها لأجبت صادقاً لا أتذكر إطلاقاً. ٭ وقد كان وإلى وقت قريب لا تشبهنا منكرات الأسماء هذه ونشمئز من مجرد سماعها دعك من رؤيتها، لكنّا صرنا ننطلق بسرعة الصاروخ نحو واقع هذه الممارسات الدخيلة، والغريبة، والمستهجنة، إلى درجة تطابق أصلها المستورد إن لم تكن أكثر جودة أقصد جرماً. ٭ في يقيني الذي لا يخالجه أدني شك أن القراءة الصحيحة لكلمات «اللافتة» لا تعني غير أننا نحن العجزة في التعامل الحسن، وتبادل الاحترام، وتوقير الكبير، ناهيك عن أن يكون أباً؛ كما تعني أننا المسنون، والمشرعون لباطل سوابق «قلة» وعدم الأدب لا حسنه، وتحقير وتصغير الكبير لا توقيره، ونكران وعقوق الوالدين لا مراعاة حقوقهما. ٭ أم الأمر لا يخرج من دائرة حفظ الجميل لآباء ومن أجل تربية سليمة وفي أولى خطوات التربية والتعليم مازالت تتردد مقولتهم المستحقة للكتابة بماء العينين «ليكم اللحم ولينا العضم» فانقلبت الآية في رد حقوق الآباء، فكبر الصغار على «لحوم» عطائهم، وتضحياتهم، وصبرهم، ومصابرتهم، ورباطهم، ولما وصلوا إلى عظامهم رموهم في تلك الدار عظاماً واهنة تقتات هموم الحسرة والندم والجحود و.. و.. ٭ كنا نردد على استحياء أن هذه دار إصلاحية لتقويم الأحداث، وتلك الأخرى مأوى المتشردين، وهذه الثالثة دار مجهولي الأبوين والأيتام، لكن اصطفت إلى جوارهم بذلٍ كبيرٍ «دار العجزة والمسنين»، دار معلومي أقصد مجهولي الأبناء، وليته ينصلح الحال إذ في ظل هذه التطورات المجتمعية المتدحرجة صعوداً لأسفل الهاوية ف «القادم» «أقبح». ٭ إحقاقاً للحق وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً أناشدكم تغيير عنوان هذه اللافتة لأنها لا تعكس حقيقة المسمى المنقوش عليها كما ينبغي، بل وبجدارة لا تحسد عليها يجب أن يكتب فيها وبخط عريض ك «عرض» خيبتنا «دار عقوق الوالدين وكبار المسيئين». ٭ وبذلاً لصادق النصح للأب «الابن» والمغتر بشبابه وأطفاله من الآن جهّز حقيبة ملابسك واحتياجاتك الأخرى، ف «كبدة» فؤادك «ابنك» حتماً سوف يجرجرك إلى ذات العنوان آجلاً وقد لا ينتظر حتى تلملم أشياءك وكما تدين تدان والديّان ليس بغافل، «يمهل ولا يهمل». ٭ وتحقيق ذلك والقصص كثيرة، أحد المشهورين بين الناس بالسباب والشجار مع والده يحكي بنفسه قصة وهو يضحك على الرغم من مرارتها، بأنه في لحظة صفاء سأل ابنه عندما يكبر ماذا سيفعل له؟ فأجابه سريعاً وبلا تردد: «بللا اصفّقك فوق حنيكاتك ديل ما عندي ليك سوا». فليجهز هذا الأب الخائب «حنكيه» «للصفّيق» لأنه يبقي ديناً واجباً إلى حين السداد في الدنيا والآخرة وما أفظع سداد ديون الآخرة. ٭ فمخالفة للأمر الالهي عياذاً بالله لم تعد قولة «أفٍ» تكفي بل إحساناً بالوالدين صرنا نحسن اليهم صراخاً، وتعنيفاً، وضرباً، وطرداً، وتشريداً وبيعاً، وقتلاً. كما تنضح بذلك السوء السيئ كل صحفنا السيارة، فعفوكما يا من أحق الناس بحسن الصحبة كما أجاب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «أمك، أمك، أمك، ثم أبوك»، فهؤلاء العاقون وفق مقاييس تعاملهم في هذا الزمن يرون إيداعكم داخل دار العذاب هذه أنها «جنة الرحمة».