٭ أغدق علىَّ من فيضه، الأب الدكتور القس فيلوثاوس فرج، صفة (الصحفي المحترم)، في زاويته المقروءة بالزميلة (آخر لحظة) الأحد 12/7/3102م. ٭ وقال الأب فيلوثاوس، إنني مثل كتاب الأعمدة في السودان، يمتليء حيوية وفكراً، ويطوف البر والبحر لكي يقدم للقارئ شيئاً جديداً، وهو أيضاً مثلما قال الكتاب المقدس، أو مثلما قال السيد المسيح في معرض حديثه عن حكمة التكلم بأمثال، متسائلاً عن فهم التلاميذ لما يقول: قال لهم يسوع: (أفهمتهم هذا كله)، فقالوا: (نعم يا سيد). فقال لهم: (من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلاً رب بيت يخرج من كنزه جدداً وعنقاء) (متى 31-15-25). ٭ وأصدقكم القول، ما كنت سأقف عند هذا الثناء (الذي أعتبره قلادة في جيدي)، لولا أنه صدر عن سماحة الأب الدكتور القس فيلوثاوس فرج، وفي شهر رمضان المعظم، الذي هو عندي سانحة لتوطيد المحبة، والتعبير عنها. ٭ وتربطني بالإخوة المسيحيين علاقة ممتازة، منذ النشأة في أتبرا، مروراً بالعيش في مصر، انتهاء بالبحث عن لقمة العيش في الخرطوم، ومن خلال علاقتي معهم، وجدت عندهم الخير والمحبة. ٭ عندما كنت صغيراً كان طبيبي (الخاص) د. موريس سدرة (جراح مدينة اتبرا الشهير، وأول وزير للصحة في عهد مايو)، بسبب علاقة ربطته بخالي عثمان المك، وكلاهما كان معجباً بالقيادي الفلسطيني جورج حبش.. كما كنا نتردد على عيادة د. فلبس مرقص محروس. ٭ وأكن تقديراً لمؤسسات الإخوة المسيحيين التعليمية، ولأسباب خاصة درس أبنائي في مدارس سانت فرانسيس وكمبوني والراهبات، ووجدوا فيها الرعاية المرجوة. ٭ وأحرص كل عام، على حضور الإفطار السنوي، الذي تقيمه الطائفة القبطية، ويشرفه فخامة رئيس الجمهورية عمر حسن البشير، لم أتخلف إلا لعذر بين، طيلة السنوات المنصرمات. ٭ وإفطار رئيس الجمهورية مع الطائفة القبطية كل عام، له دلالات ومعان، وفيه عبرة وتذكرة.. لوحة من لوحات التعايش الديني، الوقوف عندها يحتاج إلى مجلدات وكتب. ٭ وحسناً فعلت الدولة، بتكريمها للزميل الصحفي نبيل غالي جرس هذا العام، من خلال برنامج تواصل. ٭ نقلت الأخبار، الأيام الفائتات، أن مجلس الولايات كاد يقع فيما لا يحمد عقباه، لولا فطنة أحد الإخوة المسيحيين، الذي قام بتصحيح آية قرآنية وردت خطأ في إحدى مكاتبات المجلس. ٭ وأصدقكم القول إنني أطرب جداً وأتمايل مع (ليّ في المسالمة غزال)، وأتفرس ملياً شعر التجاني يوسف بشير وأقف عند قوله: آمنت بالحسن بردا ... وبالصبابة نارا وبالكنيسة عقداً منضداً بالعذارى... إيمان من يعبد الحسن... في عيون النصارى وتأسرني كتابات يوحنا لبيب رزق في التاريخ، وسلامة موسى وإدوارد سعيد، في الثقافة، وزكي نجيب محمود في الفلسفة، وأميل حبيبي، وأميل توما، وكوليت خولي في الرواية. ٭ ولي محبة لجرجي زيدان، وأرجع بعضاً من تكويني الثقافي إلى رواياته، التي كنا نكاد نحفظها عن ظهر قلب، ونحن تلاميذ. وأقف باحترام وإجلال لمنير البعلبكي، الذي لولاه، ما تيسر لنا الانتقال من مفردة إلى مفردة في محيط اللغات والترجمة. ٭ من منكم لم يطرب، لنوال الزغبي ونجوى كرم، وجوليا بطرس، ونانسي عجرم، وباسكال مشعلاني؟! ما أجمل فيروز، وهي تصدح (حبيتك في الصيف حبيتك في الشتيِ)! ٭ من منا لا يذكر مسرح نجيب الريحاني، وجورج سيدهم، ويوسف شاهين، وهاني رمزي، وهالة صدقي؟! ٭ ومن منكم لم يقرأ للشعراء السودانيين صالح بطرس وعزيز التوم منصور، وعزيز اندراوس، وجورج بنيوتي؟! رحم الله الشاعر السوري نينوس آحو، الذي رحل عن دنيانا قبل أيام. ٭ وإن أنس لا أنسى ديمتري البازار، وأسطوانته التي حفظت لنا الغناء السوداني. ٭ والمجال لا يسع، لذكر إسهامات الإخوة المسيحيين، وأثرهم في التكوين الثقافي والاجتماعي للأمة. ٭ وعودة إلى حديث الأب فيلوثاوس بالزميلة (آخر لحظة)، كنت قد اتكأت على واحدة من حكايات السهروردي) في حديث عن (الانتلجنسيا والبروليتاريا). حكى السهروردي في (عوارف المعارف): عن رجل ملأ كفه قمحاً وراح يبذرها في أماكن مختلفة، فوقع منها شيء على ظهر الطريق، فلم يلبث أن حط عليه الطير فاختطفه، ووقع منها شيءآخر على حجر أملس، تغطيه طبقة من التراب، ويبلله قليل من الندى، فنبت الحب، إذا ما وصلت عروقه إلى سطح الحجر الأملس، فنبتت البذور، حتى إذا ما أراد النبت أن يرتفع خنقه الشوك فأفسده، وأخيراً وقع من البذور شيء على أرض طيبة، ليست هي مما سبق ذكره، فنبتت البذور ونمت وأثمرت. ٭ وأعتبر القس الأب فيلوثاوس أن مثل الزارع، ومثل ما قال به السهروردي، إنما هو مثل الزارع الذي ذكره المسيح، ومن ثم نقله السهروردي، وهذا مظهر من مظاهر تبادل الثقافات من خلال الأديان السماوية. ٭ وعند القس فيلوثاوس: كلمة الله مثل بذور الزرع، وكما تقدر البذرة، أن تفلق الحجر وتخرج نبتة، فإن كلمة الله يمكن أن تصنع الشيء الكثير في قلب الإنسان، هذا إذا احترمها تأتي بثمر أكثر، ولكن إن أضاعها، فقلبه مثل الطريق الذي لا يحتفظ ببذرة، بل يدرسها الناس، أو مثل أرض حجرية، أو مثل أرض بها أشواك، يخنق كلمة الله في نفوسنا. ٭ نفعنا الله أجمعين - مسلمين ومسيحيين - بكلام الله.. والمجد لله في الأعالي وبالناس المسرة وعلى الأرض السلام