: إن أهمية الجمال الاجتماعية أمن عليها علماء النفس، وذلك عبر الرؤية لاستلزام النظر والتقدير للجمال بالتراث البشري من علم وفن وتاريخ، وبنظراتهم أكدوا أن الجمال من أقوى الروابط بين الفرد والمجموعة الاجتماعية.. من سياحة تستهدف الجمال تجيء هذه القراءة التي تعني بالشاعر الكبير محمد سعد دياب، ويجيء في لبها تقييده كجميل آخر من الزمن الجميل. عبر مسار الظاهرة الشعرية زخرت دفاتر الشعراء بجياش المشاعر التي تنداح من القلب الموصوف بكونه ضوء الحقيقة، كما فاضت برائع الخيال المعدود كرؤية مقدسة، ومن هذا وما إليه وغيره وصف الشعر بعلم المشاعر والأحاسيس. كما أن الجمال يلون هذه الدفاتر وبنفوحات بديعة للشعراء العامرة دواخلهم بالجمال.. والذي نلمسه حتى في رؤى بعضهم للشعر.. وها هو شاعرنا الكبير محمد سعد دياب يدخلنا للأمر وعبر بساتين الكلام التي طرزها يراعه بتقدمة ديوانه (عيانك والجرح القديم) يقول في جزئية من التقدمة: السفر في عيون القصائد وفواصل الشعر نوع من الفرح النادر نظل نظمأ أبداً الى رياه، نظل نبحث بالشوق كله الى قصائد تصفو كليلة الوصل، وترق بالوجد الشفيف كإطلالة الندى وبوح العناقيد، نقرأ قصائد الشعر لتعيد إلينا ولو مؤقتاً ذلك الزمن المؤرق الذي فقدناه في لجة عذاباتنا اليومية فيؤرق القلب ويصحو هشيم التذكارات والعشق القديم. وكما نرى فإن للشعر أبعاده ومراميه الشفيفة وجمالياته وعند ذلك الشفيف.. وهذا ليس بمستغرب عن مبدعنا الفذ الذي هتف في المحبوب في زمن البوح: كنا حين يحركنا الشعر نغيب نشاوى تحملنا فوق الغيم الأبيات كم تولد فاصلة سكرى كم ترنو آلاف النجمات وتواصل ذلك النفح البديع للشاعر بتلك التقدمة ومن هذا قوله: نقرأ قصائد الشعر لتعطينا شيئاً من السكينة والتوهج والراحة.. تنثرنا فرحاً وشلالات مضيئة، توقد فينا مجامر الحنين ومصابيح أيامنا إلى دُجى ليلها.. نقرأها فيمتد المدى طواويس ملونة وعصافير تزهو بالهناءات تصبح الهنيهة هى كل الملتقى والحضور توقظ في أعماقنا كل احتراقاتنا.. الجمال غالباً ما يكون عباءة رائعة تخفي تفاصيل الروح.. هذه الكلمات الخضراء تطوقنا ونحن نتوقف عند الدفتر الشعري لهذا الرائع: يا قلب لا.. لا تبكه علمته كيف العيون إذا أحبت فاضت الأشواق فيها دون حد علمته طعم المساء وحلاوة اللقيا ليلات السعد لكنه نسى الحنان جميعه وأضاع حبك وابتعد يا قلب لا.. لا تبكه كل الذي استعدت رؤاه بمقتليك زوى ومات لا تبكه ما عاد شيئاً يُشتهى ما عاد حتى في شتات الذكريات ٭ هذه خريدة أخرى ضمها دفتر هذا الشاعر الفذ وفيها يبين بوح القوافي.. وبها خط جانب اختزال المسافات وإزاء الدروب المتعبة.. وكأنه بذلك قد تعلم (أصعب شيء يتعلمه المرء في الحياة.. هو أى الجسور يعبر وأى الجسور يحرق) «1» لا.. لا تخف قصيدة من قصائد شاعرنا الكبير، وقد جاء التعليق عليها.. هذه النفثة اللاهبة تتدارك السيف العربي الذي كاد يفنيه الصدى. إضاءة: ولأن الزمن العربي هو المأساة.. فلا مكان للحرف إلا لجة النار «2» لا.. لا تخف إن الذي قد شت منه العمر.. كل العمر أين سينعطف قم وارتقي الجوزاء ثاراً وارم في التنور في هول المحارق.. حلمك المقهور وانتظر الرياح الهوج.. والصيف الأجف لا.. لا تخف لا.. لا يعيش المرء إلا مرة إن الخنا أن تنثني فيك الفرائض والخنا أن ترتجف لا.. لا تخف المرء.. حد السيف لا مأوى لأنصاف الرجال لتبق صاعقةً.. وإعصاراً وبركاناً زحف وتتوالى أبيات القصيدة.. ومنها الأبيات: دعها خيوط الوهم واحتقر التعلات التي ما أنبتت قمحاً ولا أدنت هدف قد ضاع منك الظل والرمل الذي وسدته يمناك.. موجدة فما معنى إخضرار هنيهة والقلب شريان.. نزف وئدت بك الأيام والأمل المغرد ما هناك وراهنتك على الصدف ٭ تنداح كلمات الجسارة والبطولة والشجاعة بالقصيدة المشبعة بكلمات الإصرار والإرادات.. والعزيمة.. والغضبات.. والفحولة.. لا.. لا تخف سد الطريق فلا الخيارات الخوارع قد تبقت.. لم يعد إلا مسار الموت جاوز بالشواظ المنتصف ٭ التعبير من خلال التراث من خطاطات الشعر العربي المعاصر.. وفي الأفق الحقيقة الثابتة عن (بروز الرمز/ القناع.. المرآة.. المرايا.. والإشارات كومضات تهيئ المناخ الشعري العربي للتواصل مع روح الأمة، وتهيئ البناء الشعري والتجربة الشعرية لاستيعاب القديم واستلهامه ضمن نسيج القصيدة الحديثة التي تصور زخم صراع الإنسان العربي من أجل الكرامة والحرية والوحدة) «3» شاعرنا الكبير يستخدم من هذا الرمز التاريخي (المعتصم) وعبر استحضار (الصرخة التاريخية) النداء المعروف (وا معتصماه) لا.. لا تخف هى غضبة نشتاقها تجتاح (معتصماه) برزخ سمعنا ويرجنا زلزالها تدوي تدق على رحى السندان صمت سيوفنا وتدق أنف لا.. لا تخف تعالت القصيدة بهتاف الشاعر لا.. لا تخف. وبرزت كقصيدة مترعة بالأحرف الثائرات الغاضبات مع التكرار لذلك الهتاف وطرح السؤال الصعب وهل يستوي الجبن الخنوع مع الفحولة والجسارة.. والشرف لا.. لا تخف لا.. لا تخف لا.. لا تخف ٭ إشارات: 1/ مقولة خالدة معروفة. 2/ تعليق للناقد الشاعر علي يس/ صفحة البعد الخامس/ صحيفة «الإنقاذ الوطني». 3/ ينظر: د. خالد الكركي: كتاب الرموز التراثية العربية في الشعر العربي الحديث الطبعة الاولى 9891: ص «641».