عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصدق المعاني في نصيحة ولاة كردفان
نشر في الصحافة يوم 07 - 08 - 2013

عن تميم ابن أوس الدارى رضى الله عنه قال: سمعتُ رسول الله «ص» يقول الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. والنصيحة من فروض الكفاية وفى الشرع يتطابق معناها مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أما فى اللغة فقد جاء فى لسان العرب نَصَحَ الشيءُ: خَلَص، والنُّصْح: نقيض الغِشّ
الناصحُ: الخالص من العسل وغيره كل شيءٍ خَلَصَ فقد نَصَح نُصْحاً، قال الله تعالى: وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» الاعراف «62» ويقال: نَصَحْتُ له نَصيحتي نُصوحاً أَي أَخْلَصْتُ وصَدَقْتُ، والاسم النصيحة والنُصح قال النابغة الذبياني:
نَصَحْتُ بني عَوْفٍ فلم يَتَقَبَّلوا رَسُولي.
وقال الشاعر والفارس العربي دريد بن الصُمة في رثائه لاخيه عبد الله
أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِوى فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَد
وانتصح المرء إذا قبل النُصح قال الجوهري: وانْتَصَحَ فلان أَي قبل النصِيحة، كما تقول رددته فارْتَدَّ، وسَدَدْتُه فاسْتَدَّ، ومَدَدْتُه فامْتَدَّ، فأَما انتصحته بمعنى اتخذته نصيحاً، فهو متعدّ إِلى مفعول، فيكون قوله انتصحْني إِنني لك ناصح، يعني اتخذني ناصحاً لك، قال ابن الأَثير: النصيحةُ كلمة يُعبر بها عن جملة هي إِرادة الخير للمنصوح له.
وفي حديث تميم بن أُوس معنى النصيحة لله: صحة الاعتقاد في وحدانيته وإِخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتاب الله: هو التصديق به والعمل بما فيه، ونصيحة رسوله: التصديق بنبوّته ورسالته والانقياد لما أَمر به ونهى عنه.
ونصيحة الأَئمة: أَن يطيعهم في الحق، ونصيحة عامّة المسلمين: إِرشادهم إِلى المصالح. ورجل ناصحُ الجَيْب: نَقِيُّ الصدر ناصح القلب لا غش فيه، كقولهم طاهر الثوب، قال النابغة:
أَبْلِغِ الحرثَ بنَ هِنْدٍ بأَني ناصِحُ الجَيْبِ.
والتوبة النَّصُوح: هى التوبة الخالصة، وفي حديث أُبيّ: سأَلتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن التوبة النصوح، فقال: هي الخالصة التي لا يُعاوَدُ بعدها الذنبُ وقال الليث: النِّصاحة السُّلوك التي يخاط بها، وتصغيرها نُصَيِّحة وقميص مَنْصُوح أَي مَخِيط.
ومن النصائح الشهيرة فى التاريخ رسالة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الى إبى موسى الاشعرى عندما ولاه القضاء، ومنها كذلك نصيحة الإمام أبو حامد الغزالى لأحد تلاميذه والتى ركزت على التربية وتهذيب السلوك، وقد لخصها تلاميذ الغزالى فى رسالة صغيرة مركزة بعنوان أيها الولد المحب، وفيها قال الغزالى: النصيحة سهلة لكن الصعبُ قُبولها لأنها فى فم من لم يتعودها مُرة المذاق، وللغزالى كذلك نصائح سماها التبرُ المسبوك فى نصيحةِ الملوك وهى تمثل مُستخلصات حِكم موجهة للملوك، وفى الأدب العربى عادة باب يُعرف بالوصايا وهى نوع من النصائح وغالباً يكتبها الآباء ليقدموا فيها عصارة تجاربهم فى الحياة لأبنائهم، ووصايا المتوفى فى الشرع الإسلامى واجبة النفاذ ما لم تخالف اصلا من أُصول الدين. وبالنسبة للتراث الإنسانى أشهر النصائح فى مجال الحُكم والسياسة النصائح التى وجهها السياسى والمحامى الايطالى نيقولو مكافيلى الى الامير لورنزو العظيم الذى يعتبر اهل فلورنسا عهده عهد ذهبى فى تاريخ ممالك إيطاليا، وقد طُبعت هذه النصائح فى كتاب تم نشره عام1532م باسم «الأمير» وطُبعت منه اكثر من عشرين طَبعة واطلق عليه السياسى الايطالى الشهير بنيتو موسولينى «ملازم رجل الحكم»، وقال عنه المترجم خيرى حماد انه لا غنى عنه لكل من يدرس السياسة أو يزاولها مهنةً أو يتتبع أحداثها هوايةً او يعالجها موضوعاً، وتحدث ميكافيلى فى كتابه «الأمير» عن أنواع الحكومات وكيف تقاس قوة الدول، وتحدث عن الانواع المختلفة للمتطوعة والجنود المرتزقة والقوات الاضافية والمختلطة والاصلية، وعن صفات الأمراء وسلوكهم وكيفية المحافظة على استقرار الحكم. ومما يعتبر فى حُكم الوصايا التجارب العديدة فى مجال الاجتماع والاقتصاد وسياسة الدولة التى لخصها عالم الاجتماع المسلم عبد الرحمن بن محمد بن خلدون فى كتابه الذى سماه «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى ايام العرب والعجم والبربر» الذى اشتهر بمقدمة بن خلدون.
وأصدر الرئيس عمر البشير مرسوماً جمهوريا الغى بمُوجبه ولايتى شمال وجنوب كردفان وأسس ثلاث ولايات جديدة هى شمال كردفان وجنوب كردفان وغرب كردفان، وكذلك أعفى كل من مولانا أحمد محمد هارون والاستاذ معتصم ميرغنى حسين زاكى من منصبيهما بوصفهما واليين لجنوب كردفان وشمال كردفان، وعين كلاً من مولانا أحمد محمد هارون والياً لشمال كردفان، والمهندس آدم الفكى محمد الطيب والياً لجنوب كردفان، واللواء احمد خميس والياً لغرب كردفان، وهو حدث مهم ظل مواطنو كردفان ينتظرونه لزمن طويل، شغلتنا ظروف مرض الوالدة ووفاتها رحمها الله عن التعليق عليه، ونرجو أن يقبل الاخوة القراء هذا التعليق المتأخر.
أولاً: نُرحب بالإخوة الولاة الثلاثة وندعو لهم بالتوفيق، فكما يجوز لغيرهم ان يحكم كردفان يجوز لهم ان يحكموا، فهم من ابناء كردفان ولم يرتكبوا من الكبائر ما يجعلنا نطعن فى دينهم أو أخلاقهم أو سيرتهم، أما من أحق بالتعيين فتلك تقديرات واجتهادات من بيده الأمر، فإن كان مُخلصاً فى الإختيار فله اجر الصواب والاجتهاد وإن كان يعرف فيه عيب بين ثم عينه فنكِلُ امره لله.
ثانياً: لا بد ان نشكر للأخ معتصم ميرغنى حسين زاكى الدين قبوله قرار العزل بنفس طيبة وراضية وهو والٍ منتخب، ولا بد من كلمة حق فى حق معتصم فهو رجل ورع عفيف اليد واللسان حافظَ على المال العام وصرفه فى الأوجه المخصصة له، وإن لم يحالفه الحظ فى كثير من قضايا الحكم فقد اجتهد وله أجر الاجتهاد، ونشكر لأهله البديرية ترحيبهم بهارون بوصفها خياراً جديداً بديلاً لابنهم، وهذه بادرة خير فى التحلل من أمراض العصبية القبلية، وقد عودنا أهلنا البديرية وهم قبيلة كبيرة واسعة الانتشار فى السودان وصاحبة سبق فى مجالات كثيرة وصاحبة وجود معتبر فى كردفان ان لم نقل وجود غالب، عودونا على ضربهم المثل الأعلى فى قبول الآخر وإفساح المجال له واحتضانه واستضافته.
ثالثاً: أقول لإخوانى الوُلاة المكلفين: تذكروا بعد ان أديتم القسم ولاة لكردفان، تذكروا خطبة سيدنا أبو بكر الصديق الافتتاحية بعد ان تمت مبايعته خليفة لرسول الله «ص» حيث قال: «أما بعد أيها الناس فإني قد وُليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم». وأقرأوا خطاب الله سبحانه وتعالى لنبيه داؤد فى سورة «ص» اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ». أهنئكم إخوتى بثقة رئيس الجمهورية والمكتب القيادى لحزبكم، ونقول لقد بقى عليكم أن تنالوا ثقة الشعب الذى أتيتم لتحكمُوه شعب كردفان الصابر الذى تجرع ويلات الحروب واكتوى بنقص الأمن والتنمية وانعكس ذلك نقصاً فى معاشه ونكداً في حياته، فبعض هذا الشعب حلمه الآن ان يرتوى من الماء الزلال ويشفى من المرض العضال ويخرج من منزله ثم يعود اليه وهو آمن سالم، ثقة شعبكم أيها الولاة أمرُ مهم يقوم عليها عقدُ الموالاة والطاعة بين الحاكم والمحكوم، وأرجو ان أنقل لكم هذا الحوار الذى دار بين الفيلسوف الصينى المعروف كنفوشيوس وتلميذ له يسمى «تسى كوغ».
٭ سأل التلميذ الفيلسوف كنفوشيوس عن السياسة العامه للدولة فأجابه:
على السياسة العامة للدولة أن تؤمن ثلاثة أشياء:
1 لقمة العيش الكافية لكل فرد.
2 القدر الكافى من التجهيزات العسكرية.
3 القدر الكافى من ثقة الناس بحكامهم.
قال التلميذ «تسى كوغ»: فإذا كان لا بد من الاستغناء عن أحد هذه الاشياء الثلاثة فبأيهما نضحى؟
أجاب كنفوشيوس: بالتجهيزات العسكرية.
قال التلميذ تسى كونغ: «وإذا كان لا بد أن نستغنى عن أحد الشيئين الباقين فبأيهما نضحى؟»
أجاب كنفوشيوس: فى هذه الحالة نستغنى عن القُوت لأن الموت كان دائماً هو مصير الناس ولكنهم إذا فقدوا الثقة لم يبق اى أساس للدولة، فقدان الثقة بين الحكام وشعوبهم احد اهم عوامل سقوط الحضارات وهى ثلاث:
1/ ضعف القُوى الخلاًقة فى الأقلية الموجهة للدولة وتحولها إلى سلطة تعسفية.
2/ تخلي الأكثرية عن موالاة الأقلية الفعًالة والكف عن محاكاتها وتبنى مواقفها
3/ انهيار الثقة والإنشقاق وضياع الوحدة.
فأول الوصايا التى ابذلها لكم هى: كسب ثقة أهل كردفان، ولا شك انكم تعلمون كيف يتم بناء الثقة وإياكم إياكم ان تغركم ثقة الرئيس، وأحذركم مرة بعد مرة من البطانة السيئة، وتذكروا ان الخليفة الراشد ذا النورين عثمان بن عفان وهو أحد المبشرين بالجنة ومجهِز جيش العُسرة الذى قال عنه «ص»: اللهم أرض عن عثمان فأنا عنه راض، وقال عنه فى موضع آخر إن عثمان رجل تستحى منه الملائكة، فهذا الصحابى الجليل المبشر بالجنة مات مقتولاً عندما نزعت بطانته الثقة بينه وبين بعض شعبه.. وأُحذركم أخوتى من داء يسمى المروانية ولا أزيد.
ولا أدرى هل هو من حُسن طالعكم أو سوئه ان تكون المرحلة القادمة هى مرحلة إعادة بناء شامل لجميع مؤسسات الحكم بولاياتكم تتطلب عملاً شاقاً لإعادة ترتيب الولايات بحيث تتم:
1/إعادة بناء الاجهزة الإدارية والتنفيذية
2/ إعادة بناء الأجهزة التشريعية والرقابية
3/ إعادة بناء المؤسسات السياسية والحزبية «حاكمة ومعارضة».
أعتقد أنه من حسن الطالع لأنها فرصة للتخلص من الاعباء المقعِدة التى تُعيق الانطلاق، نعم ستواجهكم تحديات عظيمة تتطلب منكم جهداً كبيراً وتمحيصاً دقيقاً للقوى البشرية، وهنا أذكركم بحديث المصطفى الذى يقول من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. وإياكم وإياكم من الرجل الكَلُ الذى تأتى به الترضيات وليست له كفاءة ولا قدرة فأينما توجهونه لا يأتى بخير أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».
وأرى ان هيكل الحكم فى كردفان مترهل أنهكته محاولات الترضيات ومحاولة تطبيق شعارات تقسيم السلطة والثروة، وتوسع كبير فى الحكم المحلى وتضخم فى الوظائف الدستورية وبروز مسميات وألقاب فى غيرِ موضِعِها كما قال بن شرف:
ممًا يُزَهِدنى فى أَرضِ أَندَلُسٍ أَسماءُ مُعتصِمٍ فيها ومُعتضِدٍ
أَلقابُ مَملكَةٍ فى غيرِ موضِعِها كالهِرِ يحكِى إنتِفَاخاً صُورةَ الأَسَدِ
ففى مجال الحُكم المحلى انقسم مجلس ريفى شمال الجبال محافظة الدلنج سابقا الى اربع معتمديات هى: الدلنج، هبيلا، دلامى والقوز، وانقسم مجلس جنوب الجبال محافظة كادقلى سابقا الى خمس معتمديات هى: كادقلى، الريف الشرقى، البرام، أم دورين وهيبان، اما مجلس ريفى شرق الجبال محافظة الرشاد سابقا فقد انقسم الى سبع معتمديات هى تالودي، الليري، كالوقى، أبو جبيهة، رشاد، العباسية والترتر، اما الجهاز التنفيذى فحدِث ولا حرج: والٍ + نائب وال + أربعة مستشارين + أحد عشر وزيراً + ستة عشر معتمداً محليات + ثمانية معتمد رئاسة + ثلاثة مجالس عليا بدرجة وزير + ثلاث مفوضين بدرجة معتمد و.. و.. هذا فضلاً عن المجلس التشريعى ورؤساء اللجان فيه الذين هم بدرجة وزير، وهكذا جيش جرار من الدستوريين، ومع ذلك لم يتحقق الرضاء ولم يتداو صداع المحاصصات القبلية والحزبية، وينطبق ذلك بالطبع بدرجات متفاوتة على ولايات كردفان الاخرى ولذلك نرى:
1/تقليص الوظائف الدستورية الى حد معقول.
2/الابتعاد عن المحاصصات القبلية ويمكن مراعاة المحاصصات الجهوية مؤقتاً، فمثلا جنوب كردفان تقسم الى ثلاث مناطق هى المنطقة الشرقية والمنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية.
3/ الالتزام الصارم بالجرح والتعديل عند الاختيار، وذلك لاختيار القوى الامين.
رابعاً لا بد من ترتيب الأولويات بدقة، وأعتقد أن تحقيق السلام يجب أن يكون من الأولويات القصوى، وأصدقكم القول ان لغة الخطاب الافتتاحى الذى خاطبتم به أهل كردفان من كادقلى لم يكن مفرحاً للجمهور، فإن كلمات من جنس جيبو حى وأكلو نى وامسح واكسح لم تفعل لنا شيئاً، فالتمرد يتمدد يوماً بعد يوم، ونريد خطاباً يحدد بدقة منهج المرحلة القادمة وخياراتها، وأرى ان السلامُ خيارنا، أما إذا ابى المتمردون الاستماع لصوت العقل وتمادوا فى غيهم وكُتب علينا القتال، فعندئذٍ سنخوض الحرب برجولة وشرف. وستكون المعركة معركة كل مواطنٍ فى كردفان، وسيرى الناسُ وسترى الجبهةُ الثوريةُ أفعالاً ولن تسمع أقوالاً فقط فتسخر كما سخر من قال:
زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا ابشر بطول سلامة يا مربعا
والأمل فى الحل السلمى موجود، ونتطلع الى تسوية القضية تسويةً سياسيةً تُزيل الغُبن وتُعالج جذور المشكلة، قال الإمام الغزالى فى رسالته التربوية «أيها الولد المحب»: أيها الولد ان استطعت ألا تناظر أحداً فأفعل فإنك ان ناظرت أحداً وانتصرت عليه حقد عليك، وإن انتصر عليك احتقرك، وفى المناظرة عدة عيوب ابسطها الرياء، والامر الآخر إخوانى الولاة أن التمرد موجود فى كل قبيلة وموجود فى كل بيت، بل موجود فى نفوس الكثيرين من الموالين للحكومة، ولا بد من تدابير حكيمة ومتفق عليها لمواجهته واجتثاث أسبابه. ألم يعتقل أحمد هارون مجموعة من النساء بتهمة موالاة التمرد والتخابر معه، فأنبرى له بعض أعضاء حزبه بالنقد والاعتراض، وهل سلم صفنا الداخلى من المخذلين والمرجفين المثبطين للهمم الذين ينقلون معلومات حساسة للعدو ويكشفون ظهر قواتنا المسلحة؟ ألسنا فى حاجة لتوحيد الصف الداخلى وتعبئته نحو القضية المركزية؟ فالكلمة مسؤولية، فلا بد من الانتباه إلى خطابنا السياسى وضبطه واختيار مفرداته بعناية.
عفواً لقد طالت كلمات النصح ولن تستوفى ما نريد قوله، وإن طالت فنختم بكلمتين جامعتين: التنسيق بين الولايات الثلاث مطلوب ومفيد، ولكنا نريده تنسيقاً يحفظ لكل ولاية خصوصيتها. وإقامة العدل واجب وضرورة.. اقيموا العدل.. أقيموا العدل.. أقيموا العدل والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.