حكاية البلوتيكا التي لعبها المرحوم الأب فيلب عباس غبوش مع الرئيس الراحل نميري تقول إن سلطات الأمن والاستخبارات في أخريات أيام الحكم المايوي كانت قد ألقت القبض على الأب وآخرين ينتمون لمجموعة واحدة بتهمة التدبير للإطاحة بالنظام عبر محاولة انقلابية وصفت بالعنصرية، وكادت هذه التهمة تطيح برأس ثعلب السياسة العجوز الماكر الساخر، لولا أنه فكر وقدر واستقبل من أمره ما استدبر، فهداه تفكيره إلى كتابة خطاب استعطاف واسترحام للنميري يعلن فيه ندمه على ما فعل وتوبته منه وتخليه عن القبلية والعنصرية، فأنقذه ومن معه ذلك الخطاب من حبل المشنقة، ولكن عندما سئل لاحقاً عن سبب اعتذاره عن الانقلاب بعد ذهاب ريح مايو، قال السياسي المخضرم الذي يصف نفسه بأنه كالحربوية بطئ وخطير وعيونه مركبة، «قلت يا ود يا فيلب عشان تتخارج من الورطة دي لازم تلعب بلوتيكا» أو كما قال رحمه الله، وقد كان ذاك الخطاب الذي أظهر فيه غير ما يبطن هو البلوتيكا التي عناها وأنقذته من موتٍ كان قريباً منه، غير أن الأب فيلب الذي كان حفياً بتكتيكه و«بلوتيكته» التي منحته عمراً إضافياً، يغشاه الحزن والكدر عندما يتذكر رفض الشهيد محمود محمد طه لنصيحته له باتباع ذات نهجه «البلوتيكي» لينجو من بطش السلطة واستمساكه بمبادئه رغم فرصة «الاستتابة» التي منحت له.... تذكرت بلوتيكا الأب فيلب عباس غبوش وأنا أتابع الجدل المحتدم حول موقف الحكومة من مجريات الأحداث بمصر العزيزة، البعض ومن داخل النظام يندفع بقوة ويحاول أن يدفع الحكومة لتنزع عنها وجه الدولة وتلبس قناع التنظيم وترتدي لامة الحرب وتصطف إلى جانب اخوة مصر تهتف معهم في رابعة العدوية وتنخرط في التظاهرات وتفعل معهم كل ما يفعلون علناً وعياناً وبياناً، وبعض آخر يرى أن موقف الحكومة المعلن حول أن ما يحدث في مصر شأن داخلي يخص المصريين وأن حله لابد أن يكون مصرياً خالصاً دون تدخل خارجي، إنما هو مصانعة ومداهنة ظاهرية تخفي وراءها الحكومة حقيقة مشاعرها وموقفها الحقيقي - أي انهم يعتبرونها على طريقة الأب فيلب تلعب بلوتيكا، أما أنا فمع الحكومة في موقفها هذا ولو كان مصانعة تخفي خلفها مشاعر أخرى، وحجتي على ذلك بسيطة وهي أن المشاعر حق انساني لا يجب قمعه بل ويستحيل منعه، وعليه من حق أي من منسوبي الحكومة على المستوى الشخصي والخاص أن تكون لهم مشاعرهم التي تخصهم ما داموا قد احتفظوا للدولة كدولة بمقامها ومكانتها وأبقوها بعيداً عن هذه المشاعر الخاصة، وجاء تصرفهم وموقفهم ازاء الأزمة المصرية كرجال دولة وليس أعضاء تنظيم، وهذا موقف محمود وتصرف عقلاني يبدو أن الحكومة قد استوعبته من درس الحرب العراقية الكويتية، فالدولة للجميع والحكومة للكل وليست للتنظيم أو الحزب والحركة، وأي موقف أو قرار يمضي في هذا الاتجاه ويفرز الكيمان ولا «يلخبطها» قمين بالتأييد والمؤازرة والإعانة عليه إلى أن يقضي الله أمراً آخر...