د. بابكر محمد بدري: التعليم حق من الحقوق الأساسية للإنسان كالطعام والمسكن والعلاج، وقد كفلته ورعته كل الدساتير، ونصت على ذلك مواثيق الأممالمتحدة وقضت بإلزاميته ومجانيته في مرحلة الأساس، وتشجيعه في المرحلتين الثانوية والجامعية، وذلك لما للتعليم من أهمية وفوائد في تنمية الأفراد والمجتمعات وتطوير الاقتصاد وتقليل الفقر، ورفع الوعي الصحي، والحد من العنف والاحتراب، وإشاعة السلام. وللمعلم دور مهم وأساس في إعداد الطلاب ورفع مستوياتهم الأكاديمية، وذلك بمقدرة المعلم على توصيل المعلومات للطلاب، ومساعدتهم في استيعابها وتطبيقها لحل المشكلات واكتساب المزيد من المعارف بالحض على إعمال العقل والاعتماد على النفس، وكذلك التعاون مع الآخرين. ويمثل المعلم قدوة لطلابه في السلوك القويم والانضباط والتفاني في العمل، واحترام الآخرين. ولكل ذلك تهتم الدول بتأهيل المعلمين أكاديمياً ومهنياً لأداء هذا الدور المتعاظم حتى يتم تخريج دفعات من المواطنين المقتدرين على النهوض بمستقبل الأمة، وتمكينها من منافسة الدول الأخرى في زمن العولمة وذوبان الفواصل المكانية والزمانية خاصة في الأنشطة الاقتصادية والتجارية. وفي ظل هذه الظروف يكتسب تحفيز المعلمين أهمية قصوى، فالموظف غير المحفز أو المحبط لا يمكن أن يقوم بالدور المنوط به كاملاً، أو يتفانى في عمله، وهذا ما أيدته البحوث والدراسات التي أُجريت في مجال التعليم والمجالات الأخرى، والتي أكدت على العلاقة الطردية بين مستوى الأداء ودرجة التحفيز. وقد اهتمت هذه الدراسات بتعريف مفهوم التحفيز، وأيضاً معرفة الأسباب والظروف التي تحفز العاملين وترتقي بأدائهم، فالتحفيز يشمل كل المؤثرات النفسية التي توجه السلوك في ما يتعلق بالعمل وأداء الوظائف على أكمل وجه حتى تتحقق الأهداف المنشودة كزيادة الانتاج، وتحسين نوعية المنتج، وأيضاً المواظبة والالتزام بكل شروط العمل. ولعل من أشهر النظريات التي تناولت موضوع التحفيز تلك التي أسسها الباحث الأمريكي «آيبراهام ماسلو» التي ترجع التحفيز إلى إشباع الغرائز أو الحاجات الإنسانية. لقد وضعت الحاجات في هذه النظرية على شكل هرمي أُدرجت في قاعدته الحاجات الأساس من مأكل ومشرب وصحة وأمن، وفي أعلاه وضعت الحاجات الثانوية التي تكتسب أهميتها بعد تحقيق الحاجات الأساس. وتتضمن الحاجات الثانوية الثقة بالنفس والرغبة في الإنجاز وتحقيق الذات والإبداع. وعلى الرغم من النقد الذى جوبهت به هذه النظرية في بعض جوانبها إلا أنها أشارت للدوافع وراء التحفيز، كما مهدت لمزيد من دراسة التحفيز في مختلف أوجه النشاط الإنسانية بما في ذلك التدريس. أما في ما يختص بالدوافع المحفزة للإخلاص في العمل وتجويد الأداء، فقد انضوت هذه الدوافع تحت قسمين أساسيين، القسم الأول يكون الدافع فيه «ذاتياً» أي يكون نابعاً من حب ذلك الشخص للعمل الذي يؤديه، أو أنه يجد فيه متعة تحقق ذاته وأشواقه، كأن يكون المعلم مهتماً بتعليم الأطفال رفعاً للجهل، كما يرى في التدريس وظيفة واجبة الأداء. وفي المقابل قد يكون التحفيز ناتجاً عن أسباب خارجية كالمرتب المجزي أو مخصصات الوظيفة أو ما توفره من استقرار في العمل. بيد أن الدوافع الذاتية غالباً ما تكون هي الأقوى في تحفيز العاملين للإنجاز مع استمرارهم في الخدمة دون تذمر أو ملل. وبالرغم من حداثة الدراسات في مجال تحفيز المعلمين مقارنة بالعاملين بالمرافق الأخرى كالمصانع والشركات، إلا أنها توصلت إلى كثير من العوامل التي تحفز المعلمين، وينتج عنها تقدم ملحوظ في أدائهم وأداء طلابهم. ومن أهم تلك العوامل تأهيل المعلمين وتسليحهم بالمعرفة النظرية والعملية في مواد التخصص. وهنا لا بد من تدريب المعلمين على استخدام الطرق الحديثة والتقنيات المبتكرة في التدريس، مع الاستفادة من الحاسوب والإنترنت حتى يصبح المعلم واثقاً من مقدرته في التدريس، وأيضاً من الضروري تغيير النمط التقليدي الذي سارت عليه الدراسة في الفصل والتي يشكل فيها المعلم المحور الأساس للدرس، يتحدث ويكتب على السبورة معظم الوقت بينما يستمع الطلاب دون أي نشاط آخر يذكر. فهذا الأسلوب في التدريس لا يشجع الطلاب على التفكير أو الفهم، بل يبث فيهم الملل، كما أنه لا يدفع المعلم إلى ابتداع أساليب متنوعة وفعالة لتوصيل المعلومات للطلاب، فالأسلم هو أن يكون الطالب محور العملية التعليمية بينما يتركز دور المعلم في الإرشاد وتسهيل مهمة الطلاب في التعلم والفهم، وذلك بعد معرفة احتياجات الطلاب وخلق الأنشطة والتمارين المناسبة التي تساعد في هضم مادة الدرس واستعابها عن طريق البحث والاستكشاف. وهذا الأسلوب يجعل من الفصل حركة دائبة تدعو الطلاب للانتباه والمشاركة والابتعاد عن العبث والسلوك غير المحبب، وهنا يشعر المعلم بأنه يؤدي دوره بصورة تدخل في نفسه الرضاء مما يحفزه للمزيد من البذل والعطاء. ومن الضروري مراجعة الكتب لتشمل المناشط التي تحض الطلاب على البحث والتفكير ومحاولة ربط محتوياتها بالبيئة وواقع المجتمع، وبذلك تثير اهتمام الطلاب وتنبههم للدور المنوط بهم في المستقبل. إن إعداد المعلمين يجب أن يتم وفق خطط مدروسة أسوة بإعداد الأطباء والمحامين، وهذا يقتضي أن يكون اختيار المعلمين تحت أسس ومعايير دقيقة، ومن بين من تتوفر فيهم الشروط العلمية والنفسية للعمل. بالإضافة إلى ذلك يجب أن تعد برامج التدريب بمهنية عالية تراعي احتياجات المشاركين، وأن تستلهم الإرث الإنساني العريض وتجارب الشعوب وإنجازاتها الأخرى مع الأخذ في الاعتبار موروثاتنا الثقافية، وطبيعة مجتمعاتنا، كما تجب الإشارة إلى التاريخ ودور المسلمين الأوائل في نشر المعرفة، وحفظ المعارف عن الحضارات السابقة وإسهاماتهم في الطب والعلوم والرياضيات والدراسات النفسية بحكم أن طلب العلم ونشر المعرفة فريضة يجزى عليها المسلم كما يجزى على العبادات الأخرى. ومثل هذه المعلومات تهيئ المعلمين نفسياً وروحياً لأداء دورهم كما تشعرهم بأنهم جزء من هذه المنظومة العالمية في نشر المعرفة، يأخذون منها ويضيفون إليها، وأيضاً يجب أن يكون التدريب مستمراً، وتوضع له الميزانية الكافية حتى يواكب المعلمون كل المستجدات في نظريات التعلم ووسائط التدريس والتقنيات المستخدمة بما في ذلك الكمبيوتر والسبورات الذكية، مع الأخذ بآراء المعلمين في تحديد برامج وموضوعات التدريب، ومعرفة مدى استفادتهم من مشاركتهم فيها. ويمكن لهذه البرامج أن تبث عبر قنوات فضائية خاصة تمكن أكبر عدد من المعلمين والمعلمات من المشاركة مهما نأت مناطقهم، وفي هذا كسب للزمن وتقليل للتكلفة. ومن العوامل المهمة والمؤثرة في تحفيز المعلمين الطريقة التي تُدار بها المدرسة، بالإضافة لوجود المعينات التي تساعد على التدريس. ومن الضروري إعادة النظر في النهج الإداري السائد الذي يركز كل السلطات في يد مدير أو مديرة المدرسة، فيؤدي ذلك إلى عزل المعلمين وتهميش دورهم مما يؤثر سلباً على أدائهم، علماً بأن الأطر الإدارية الحديثة تؤكد على الإدارة الجماعية بحيث يشارك المعلمون في إدارة كل شؤون المدرسة بما في ذلك تعيين المعلمين، واختيار الكتب ورسم السياسات. وهنا يقع على عاتق الوزارة تدريب مديري المدارس ومديراتها على أسس الإدارة الجماعية ومنحهم المزيد من الصلاحيات حتى يتمكنوا من بناء فرق للعمل الجماعي تسعى لتجويد الأداء، ووضع الخطط لتحقيق الأهداف المرجوة. إن هذا النهج الإداري الجماعي يقلل العبء على المديرين، وينمي في المعلمين الشعور بالانتماء للمدرسة مما يحفزهم لمضاعفة الجهود والارتقاء بالأداء، كما يتعين على الوزارة توفير الكتب والمعامل بالإضافة لأجهزة الكمبيوتر والاتصال عبر الإنترنت، وكل ما يعين المعلمين على القيام بواجبهم على أكمل وجه. ومن أكثر العوامل التي تدعو لإحباط العاملين وتدفعهم لترك العمل الشعور بالظلم أو المعاملة غير المتساوية مع الأقران الذين يؤدون الواجبات نفسها، فالمرتبات والترقيات والحوافز والمكافآت يجب أن تكون وفق البذل والعطاء دون النظر لأية اعتبارات أخرى، وعلى المسؤولين وضع اللوائح والأسس التي تقيم أداء المعلمين بشفافية تامة، وكذلك عليهم تطبيقها على الجميع على قدم المساواة. وفي ختام هذا المقال يجدر بنا أن نشير إلى أن الأفراد يتفاوتون في الاستجابة للمؤثرات المحفزة، كما أن هناك بعض الاختلاف بين المعلمين والمعلمات من حيث الأسباب المحفزة، فالمعلمون يهتمون أكثر بالمؤثرات الخارجية كالمرتب مثلاً، ولكن المعلمات تغلب عليهن الأسباب الذاتية، كما تؤثر عليهن سلباً كثرة الأعباء الدراسية كالتصحيح مثلاً خاصة مع وجود الأعباء المنزلية، ولكن رغم ذلك فللمعلمات القدرة على التحمل والاستمرار في التدريس خلاف المعلمين الذين ينتابهم الملل فيسارعون بالبحث عن وظائف أخرى خاصة المعلمين الجدد الذين هم في حاجة أمس من غيرهم للمساعدة على الاستقرار ومواجهة الأعباء الدراسية والإدارية الجديدة. وهذه المعلومات قد تفيد في وضع الخطط لتحفيز المعلمين، ولكن يتعين على الدولة تحسين الظروف المعيشية للمعلمين مع توفير المسكن المناسب والتأمين الصحي لهم، حتى يتحقق الرضاء عن الوظيفة الذي يشكل حافزاً للمعلمين لاتقان الأداء، وبالتالي رفع مستويات التعليم.