تقرير:صديق رمضان: «كلما يذهب وفدا تفاوض البلدين الى اديس ابابا نشعر بسعادة غامرة ويحدونا الامل في ان يصلا لحلول نهائية، وينعكس التفاؤل مباشرة على حركة السوق بالولاية التي تنشط، ولكن سرعان ما نصاب بالاحباط عندما نعلم بان مباحثات الدولتين لم تصل الى النتائج التي نتمناها» الكلمات عاليه جاءت على لسان رئيس الغرفة التجارية بولاية النيل الابيض الطيب عبدالقادر عبدالرحمن، الذي اكد «للصحافة» تأثر ما يربو على الثمانية آلاف تاجر بتوقف الحركة التجارية بين دولتي السودان الشمالي والجنوبي، ويشير الى ان 90% من الحركة التجارية بالولاية مرتبطة بدولة الجنوب، كاشفا عن مواجهة التجار بالولاية لظروف حياتية بالغة التعقيد بعد ان تأثرت اعمالهم بتوقف التجارة مع الجارة، ويلفت الى ان التبادل التجاري بين الدولتين من شأنه إحداث استقرار امني في الحدود، ويسهم في اعادة الحياة الى 90% من مصانع الولاية التي توقفت بداعي ارتفاع كلفة الانتاج، معتبرا انسياب حركة التبادل التجاري مع الجنوب من شأنه ان يحدث حراكا اقتصاديا بالنيل الابيض التي ارتبط تجارها بالتعامل مع الجنوب. واذا كان التبادل التجاري مع دولة الجنوب يمثل لتجار ومواطني النيل الابيض مرتكزا اساسيا لتحريك اقتصاد الولاية التي تحادد الجزء الذي انفصل قبل عامين من الوطن الكبير، فان الامر ذاته ينطبق على قطاعي التجارة والصناعة بشمال كردفان، وهذا ما يؤكده رئيس الغرفة التجارية بالولاية حافظ حاج حمود، الذي كشف عن توقف 135 مصنعا من جملة 150 مرجعا الامر لدواع مختلفة منها صعوبة منافسة ما تنتجه العاصمة، وللرسوم الكثيرة التي تفرضها الجهات الحكومية، وعدم وجود اسواق بديلة ما قاد الى ارتفاع كلفة الصناعة، راسما صورة قاتمة لمستقبل الصناعة بالولاية اذا لم تمنح الدولة ولاية شمال كردفان ميزات تفضيلية، ورأى ان عودة التعامل مع دولة الجنوب من شأنه تحريك عجلة الصناعة بالولاية بل وحدوث ازدهار اقتصادي غير مسبوق وذلك لحاجة اسواق الجنوب للسلع الكردفانية. في سنار، شرق دارفور، جنوب كردفان، النيل الازرق وجنوب دارفور لا يختلف الوضع عما هو موجود بولايتي النيل الابيض وشمال كردفان اللتين اتخذناهما انموذجا فقط لتوضيح تأثير التجارة الحدودية على الولايات التي تحادد دولة الجنوب، وهو الذي اتفق حول اهميته ولاة سنار «احمد عباس»، والنيل الازرق «حمد ياسين»، وشرق دارفور «عبد الحميد موسى كاشا»، الذين سبق ان اكدوا ان عودة التطبيع الكامل للعلاقة بين البلدين وتنزيل بنود اتفاق التعاون المشترك على الارض، من شأنه ان ينعكس ايجابا على حياة المواطنين. الارقام والحقائق على الارض توضح حتمية التبادل التجاري بين البلدين الجارين، فالسودان الشمالي يصدر الى السودان الجنوبي 187 سلعة، فيما يستقبل عددا من المنتجات والمواد الخام الجنوبية، ويستفيد من التبادل التجاري بين الدولتين مايربو على الثلاثين الفا من اصحاب المهن المختلفة من التجارة والصناعة وقطاع النقل، وتربط بين الدولتين طرق برية مسفلتة وهو طريق السلام الرابط بين ولايتي النيل الابيض واعالي النيل البالغ طوله 200 كيلو متر، وكذلك خط السكة حديد الذي يمتد الى مدينة واو داخل العمق الجنوبي، وعبر الطيران حيث تسير شركات مارسلاند وتاركو رحلات جوية الى الدولة الوليدة لنقل الركاب وهناك اكثر من خمس شركات تعمل في الشحن الجوي، هذا بخلاف قطاع الثروة الحيوانية حيث تعبر عشرون مليون رأس من ماشية الشمال نحو دولة الجنوب في الصيف، ويعتقد خبراء اقتصاديون ان الظروف التي تمر بها الدولتان تحتم عليهما التعاون الاقتصادي، معتبرين ان اعتماد الجنوب على السلع الواردة من الشمال يعني خفضه للانفاق على الاستيراد من دول بعيدة وحدوث استقرار اقتصادي وتجاري، بالاضافة الى حاجة الجنوب لتصدير النفط عبر الشمال، مشيرين الى ان السودان سوف يجني ما يربو على الاربعة مليارات دولار من عائدات النفط والتبادل التجاري. الرغبة في التبادل التجاري تبدو مشتركة بين رجال الاعمال بالدولتين، وهذا ما يوضحه حديث رئيس الغرفة التجارية بدولة الجنوب بنجامين بول، الذي اكد اهمية التبادل التجاري بين البلدين، مبينا في حديث «للصحافة» امس عن ان الشمال يعتبر هو الخيار الافضل تجاريا بالنسبة لهم لدواع مختلفة منها وجود قاعدة صناعية جيدة بالشمال تتيح توفير سلع مختلفة لشعب الجنوب الذي يثق فيها، كاشفا عن استخدامهم لميناء بورتسودان لصادر ووارد دولتهم، لافتا الى وضعهم لضوابط تجارية تضم لجانا للاشراف على سير التجارة، معتبرا ان اللغة العربية من العوامل المساعدة لتنشيط حركة التجارة بين البلدين. بالمقابل يلفت الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل السوداني بكري يوسف الى إن التوقعات تشير إلى ان حجم عمليات التبادل التجاري مع دولة جنوب السودان يقدر بأكثر من 2 مليار دولار في العام خاصة في مجالات وأنشطة تبادل السلع والخدمات، وأكد أهمية العمل المشترك بين الجانبين لدعم وتقوية البنية التحتية لدعم التواصل خاصة البنيات المرتبطة بقطاع النقل النهري والبري والجوي والسكك الحديدية داعيا إلى ضرورة تقنين حركة النشاط التجاري بين الدولتين والسعي المشترك لإقامة مناطق حرة مع تشجيع البنوك المركزية في البلدين لتسهيل العلاقات المصرفية لتفعيل أنشطة التبادل التجاري بجانب إنشاء مركز مشترك للمعلومات لتسهيل التجارة بين البلدين. ويرى خبراء ان انخفاض التبادل التجاري للسودان مع الدول العربية من الافضل الاستعاضة عنه بالاتجاه جنوبا، وكان حجم التبادل التجاري بين السودان ودول المنطقة العربية قد انخفض خلال النصف الاول من العام الماضي بنسبة 18%عما كان عليه في عام 2011، وهذا ما اشارت اليه الخبيرة التجارية الرضية خميس جبارة، التي اوضحت ان حجم التبادل التجاري تركز مع ثلاث دول في المنطقة العربية هي الامارات والسعودية ومصر وتعتبر الامارات اهم شريك تجاري مع السودان حيث بلغ متوسط حجم تجارة السودان معها نسبة 56.3% وتليها السعودية بنسبة 16.1%ومصر 15.1% . ويشير الخبير الاقتصادي محمد ابراهيم كبج الى ان عائدات صادرات السودان في العام الماضي بلغت ثلاثة مليارات دولار و200 مليون، فيما كلفت الواردات سبعة مليارات دولار و800 مليون، وقال في حديث مع «الصحافة» الفارق بين ايرادات الصادر وكلفة الوارد يبلغ اربعة مليارات و500 مليون دولار وهو ناتج من انفصال الجنوب وخروج عائدات البترول التي كانت تعادل اربعة مليارات ومائة مليون دولار في العام، معتبرا هذه الارقام دليلا قاطعا على ضرورة التبادل التجاري مع دولة الجنوب، وزاد: اذا تم تنفيذ اتفاق التعاون فسيجني السودان اثنين مليار دولار سنويا من عائدات تعويضات البترول، بالاضافة الى ما يربو على الاثنين مليار دولار من تصدير السلع الى الجنوب، هذه الحسابات الاقتصادية توضح اهمية التعامل الاقتصادي بين البلدين.