تعاني تجارة الحدود السودانية مع دول الجوار من عثرات تكاد تصل حد التوقف التام بسبب الأوضاع الأمنية في دارفور تحديداً، حيث ترتبط بها وببعض دول الجوار الافريقي تجارة عابرة للسودان. وتمثل تجارة الحدود أهم مصادر الدخل للولايات التي تتعامل مباشرة مع الجوار أو التي تمر عبرها مواد وسلع الى داخل وخارج البلاد. وكانت عدة ولايات وقّعت خلال السنوات القليلة الماضية بموافقة وزارة التجارة اتفاقات مع دول الجوار وهي ولايات كسلا، والشمالية، ونهر النيل، وشمال وجنوب كردفان، وولايات دارفور الثلاث، والنيل الأزرق والقضارف. ونصت الاتفاقيات على أن يكون الهدف الكلي للتبادل السلعي المتوقع بين أية ولاية ودولة مجاورة التركيز على السلع الضرورية والاستراتيجية وتفادي دخول السلع المحظورة أو الهامشية منها لإغراق السوق، بسلع غير مرغوب فيها. وفي ذات السياق وقعت وزارة التجارة اتفاقات مع عدد من الولايات تسمح لها بتنفيذ إتفاقاتها عبر الحدود.. وقد وقعت الوزارة لهذا الغرض مع ولاية البحر الأحمر اتفاقاً يسمح بقبول سلع في حدود «12» مليون دولار والشمالية في حدود «9» ملايين دولار ونهر النيل وشمال كردفان ب «15» مليون دولار و«10.5» ملايين دولار لولاية جنوب دارفور. إلا أن معظم الاتفاقيات لم يتم تنفيذها لأسباب تتعلق بعدم توفر الأمن والاستقرار. وركزت الاتفاقيات على تبادل سلع مختلفة صادراً ووارداً تضم الإبل والمواشي والصمغ العربي والأسمنت والفول السوداني وحب البطيخ والكركدي والسمسم والحلوى والمعدات والأجهزة المختلفة والسنمكة والأسفلت.وبالرغم من الإيجابيات التي تحققها تجارة الحدود مع الولايات أو الدول إلا أن هناك سلبيات كثيرة تحدثها هذه التجارة المهمة، ورغماً عن الدور المهم الذي تقوم به وزارة التجارة الخارجية في تحديد قوائم السلع الصادرة والواردة عن طريق القيود واللوائح التي تمنع أي فوضى بالتنسيق مع إدارات الجمارك والمواصفات ووزارة الصناعة والمالية والأمن الاقتصادي وغيرها من الجهات ذات الصلة بالأمر، إلا أن الكثيرين شكوا من بعض الاستثناءات التي تقوم بها وزارة التجارة والجمارك وغيرهما بإدخال سلع تؤثر على الإنتاج المحلي بجانب قلة بعض السلع ذات القيمة لتحل محل سلع هامشية الأمر الذي يضر بالصناعة المحلية.. وأصيبت هذه التجارة أخيراً بنكسة لأسباب أمنية، وقال عبدالحليم فضل المولى مدير إدارة تجارة الحدود بوزارة التجارة الخارجية إن المشكلات الأمنية وعدم الاستقرار في الولاياتالغربية بوجه خاص أسهم في تراجع العمل بتجارة الحدود مع الدول المجاورة خاصة تشاد التي توقف العمل معها تماماً حالياً. ويرى عبدالحليم أن التدهور الأمني فاقم من تراجع التجارة الحدودية بعد أن هجر المستوردون عملهم عبر الحدود بعد أن فقدوا بضائعهم وتجارتهم نتيجة للنهب المسلح الذي يتعرضون له في الطريق. وأكد عبدالحليم توقف العمليات التجارية في الحدود مع ليبيا بعد قطع الطرق المؤدية لنقل البضائع في شمال دارفور وكردفان، وعلى ضوء ذلك توقفت تماماً النقاط الجمركية التي يتم عبرها تنفيذ التجارة خاصة حمرة الشيخ ومليط. وأشار عبدالحليم الى أن المشكلات بدارفور أسهمت في توقف تنفيذ اتفاقيات تجارة الحدود الموقعة مع ليبيا تنفذ عبر الولاية الشمالية. وأكد مصدر -فضل عدم ذكر اسمه- بتجارة الحدود بولاية شمال كردفان أن نسبة تنفيذ اتفاقية تجارة الحدود الموقعة بين الولاية وليبيا بلغت «صفر%» لأكثر من «4» سنوات منذ العام 2005م، وعزا الأسباب للتدهور الأمني. وأشار المصدر الى أن عدداً من العربات التجارية والقطارات المتعلقة بنقل البضائع والسلع المختلفة تعرضت لعمليات نهب من العصابات والمسلحين خلال الفترة الماضية الأمر الذي أسهم في توقف التجارة الحدودية تماماً. وأكد المعنيون بالأمر والخبراء أن الخلل الأمني تسبب في خلق مشكلات اجتماعية بالمناطق التجارية ومنها عدم توفر الخدمات الأساسية المرتبطة بتحقيق الاستقرار. وقال إبراهيم موسى بإدارة تجارة الحدود بولاية شمال كردفان أن الولاية فقدت إيرادات كثيرة لتوقف العمل بالتجارة الحدودية نتيجة لعمليات النهب التي تقف أمام حركة النقل والترحيل للسلع المنتجة لمناطق اخرى. وذكر ل «الرأي العام» أن الولاية لم تنفذ أي بند من البنود المتفق عليها مع ليبيا وتشاد والولايات المختلفة لأكثر من «5» سنوات، الأمر الذي انعكس سلباً على الحركة التجارية. وقال النور فضل بإدارة تجارة الحدود بالشمالية إن الحركة التجارية متوقفة تماماً لإعتمادها على استقبال السلع الواردة من كردفان ودارفور باعتبار أن هذه الولايات تنتج أهم السلع الاستراتيجية. وانسحب هذا التأثير على قطاع الجمارك، حيث أكدت إدارة الجمارك تعطل الكثير من العمل التجاري بين الولايات في تجارة الحدود بوجه خاص نتيجة لتوقف النقاط والمحطات الجمركية في كردفان ودارفور بوجه خاص. وقال المدير العام لإدارة الجمارك صلاح الشيخ إن الحرب المستمرة في ولايات دارفور وبعض الأجزاء من كردفان أدت لتوقف المحطات الجمركية التي تشمل ملوط وكتم والطينة وحمرة الشيخ وكرتوي وغيرها. ولم يقتصر الأمر على علاقات دارفور فقط فتعطل هذه النقاط عطل انسياب سلع كانت تمر من مصر عبر الشمالية ونهر النيل الى غرب افريقيا. ويقول الكثير من المعنيين بالأمر التجاري على موافقة حكومة الجنوب لفتح النقاط التجارية والجمركية بالولاياتالجنوبية التي يسهم في إنشائها لضبط حركة التجارة بين البلاد كافة داخلياً وخارجياً، مشيراً الى أن تأخر إنشائها حتى الآن تسبب في خلق فوضى وعدم اهتمام بالنشاط التجاري بالجنوب وزيارة الأسعار بصورة كبيرة. وكانت ولايات البحر الأحمر وقعت مع وزارة التجارة العام الماضي «2007» اتفاقية تجارة الحدود برقم يزيد عن ال «10» ملايين دولار، فيما وقعت ولاية شمال دارفور في العام «2005» اتفاقية مع ليبيا برقم يزيد عن ال «10» ملايين دولار بجانب توقيع ولايتي نهر النيل والشمالية لاتفاقيات تجارة في العامين الماضيين، إلا أن هناك تعثراً واضحاً في تنفيذ هذه الاتفاقيات نسبة لبعض المشكلات الأمنية وعدم تحقيق الاستقرار بها الأمر الذي تسبب في تعليق وتوقف العمل التجاري في البلاد كافة.