: ٭ من يلق نظرة سريعة علي مجمل تعامل الناس في ما بينهم في زماننا هذا سواءً أكان داخل الأسرة الواحدة والأقارب، أو على مستويات الأصدقاء والمعارف، بل حتى على مستوى عابري الطريق، يلحظ سمة وواضحة ومزعجة لعنوان التعامل هذا أنه يقوم علي الضجر والتضجر. ٭ فصارت الناس تتضجر من بعضها في أفعالها دعك عن أقوالها، وفي قلوبها دعك عن قوالبها، فأصبح خلاف الرأي يفسد ود كل القضايا وليس فقط ود القضية الواحدة المعنية والمطروحة للنقاش، فرفضت النفوس بعضها ولم يعد «يشيل العنقريب مية»، بل حتى من في «العنقريب يقنت من في البرش»، تبرماً لأنه لا يريد أن يجلس أحد أسفل منه. ٭ فلماذا كل هذه الفظاظة والغلظة في المعاملة التي تؤدي لا محالة لانفضاض الناس من حولنا. وصدق الله عز من قائل: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».. «الآية». وكذلك نتساءل لم كل هذا الاتساع في الإقصاء، بينما في الجانب الآخر كل التضييق في الإدناء، في حين أن المطلوب هو العكس «اتساع الإدناء وتضييق الإقصاء». ٭ وبهذا أمرنا القرآن الكريم بإفساح المكان للآخرين في مجالسنا.. يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا... الآية»، ومن هنا يفهم أن الافساح المادي عاقبته بشرى واصلة ووعد غير مكذوب بالإفساح المعنوي المطلق وممن «يفسح الله لكم». ٭ إذن فإن إفساح الصدور لمعاملة الآخرين بالحسنى أوجب وأولى. فإن كنت ترى ما تقوم به من معاملة أنها عين الصواب فأعلم أن فيها بعض الخطأ، كما أن معاملة غيرك التي تراها كلها خاطئة فإن فيها بعضاً من الصواب، وعلى هذا المقياس النافي لعصمة النفس عامل الناس بأن تقبل منهم الإعانة في الخير والتقويم للإعوجاج. ٭ ولأننا بعيدون عن هذه الأخلاق الرفيعة في فن التعامل «بالتي هي أحسن» فلا عجب أن نشهد على النطاق الأسري عقوق الوالدين وجفاء الإخوة وارتفاع نسب الطلاق، أما على نطاق المجتمع فالجرائم غريبة ومتزايدة بسبب العصبية والقبلية والمواطنة و.. و.. بل وصلت حتى لمستوى الدولة، فهناك صراعات بين من يكون الحاكم ومن يكون المحكوم، أما الأدهى والأمر فقد وصلنا إلى درجة أن يعادي المرء نفسه التي بين جنبيه، وهذا ما يؤيده ارتفاع نسب معدلات الانتحار. ٭ صادقاً أرجو ألا تصيبكم كتابتي هذه في ما آل اليه حال التعامل بين الناس في غالبه بمزيد من الغم والضجر، بل أتمنى أن تكون فاتحة خير لتعامل أفضل ودمتم متحابين.. كما أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين قال فيهم: «ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سرر متقابلين».. اللهم آمين.