آخر ما تفتقت عنه عبقرية العالم الأوربي والأمريكي هو أن يسلم الرئيس السوري بشار الأسد سلاحه الكيميائي للمجتمع الدولي مقابل عدم توجيه ضربة لنظام الأسد المتهم بقتل أبناء الشعب السوري من النساء والأطفال بالسلاح الكيميائي «في الحادث» المعروف بضرب نظام الأسد لمنطقة القوطتين الشرقية والغربية للعاصمة السورية دمشق . وجاء الاقتراح من روسيا ووافق عليه حتى الآن وزير الخارجية السوري وليد المعلم كما حظي الاقتراح بموافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي إشترط وزير خارجيتها أن يقوم الأسد بتسليم سلاحه الكيميائي للمجتمع الدولي في مدة أقصاها اسبوع .. وهذا الأمر مفاجئ بالنسبة لكثير من الناس حول العالم وللمعارضة السورية نفسها وللذين كانوا يتوقعون ضربة عسكرية ضد النظام السوري من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ثبت أن همها الأكبر هو السلاح الكيميائي وليس حماية المدنيين أو الأطفال كما كان يردد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري : بأن الأسد قتل أطفال بلاده بالأسلحة الكيماوية ولذا وجبت معاقبته . وثبت من خلال هذه الولادة المتعثرة والمجهضة من قبل الأمريكيين لضرب النظام السوري عسكريا أن هدف السياسة الأمريكية هو السلاح الكيميائي أو النووي الموجود لدي السوريين ومن بعدهم الإيرانيين لكون الولاياتالمتحدة تعتقد أن من زود سوريا بالأسلحة النووية هي إيران وعليه تستطيع أن تثبت بالدليل ما كانت تتهم به إيران من سعيها لإمتلاك وتصنيع الأسلحة غير التقليدية وأن لدي إيران أكثر من مفاعل ننووي وجزء من هذه المفاعلات بالأراضي السورية. وقد حدث هذا الأمر مع ليبيا في عام 2003م عندما أعلن القذافي عن تخليه وفجأة ومن غير مقدمات عن برنامجه للأسلحة الكيماوية و النووية وإعترافه بأن العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان هو المشرف علي المنشآت النووية. 2 وما يهم لولايات المتحدةالأمريكية هو تحقيق أكثر من هدف علي هذا الصعيد وليس حماية المدنيين في سوريا كما تدعي «الإدارة الامريكية والرئيس الامريكي باراك أوباما» أو حتي تأديب الرئيس الأسد علي تجاوزاته غير المحدودة وإنتهاكه لحقوق الإنسان. ما تريده الولاياتالمتحدة هو تجريد النظام السوري من السلاح الكيماوي ومعرفة قدراته النووية ومعرفة ما إن كان لدي حزب الله اللبناني أسلحة كيماوية أو جرثومية وبالتالي حماية إسرائيل من إمكانية إستخدام هذه الأسلحة من جانب المقاومة اللبنانية و القضاء علي هذه المقاومة ممثلة في حزب الله اللبناني كليا وكذا الحال بالنسبة للمقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس التي تواجه حصارا غير مسبوق من قبل سلطات الإنقلاب العسكري في مصر التي حاصرت قطاع غزة حصارا لم يحدث من قبل . 3 ومن الواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد انتظرت طويلا حتي يقع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الفخ تماما ويضرب معارضيه بالسلاح الكيمائي في لحظة من لحظات الحصار العسكري لقواته التي تهاجمها قوات الجيش السوري الحر في كافة المدن السورية بما فيها العاصمة السورية دمشق وأريافها. وقد جاءت الفرصة وهي فرصة لا تعادلها ضربة نظام الأسد وإسقاطه وإستلام حكومة بديلة للأسد في سوريا مقاليد الأمور بالنسبة للأمريكيين لكونه من غير المضمون أن تجد الولاياتالمتحدة تجاوبا « من حكومة الثورة » مع قضية الأسلحة الكيماوية كما تجده من حكومة الأسد الطامع في البقاء في السلطة وغير المستعد لتقديم أي تنازلات في هذا الخصوص بل إن الأسد قد اختار الحرب خيارا اوحد للقضاء على معارضيه ومع استمرار النزاع والصراع أخطأ الأسد ووقع في فخ استخدام الأسلحة الكيماوية والخطوط الحمراء التي هي في واقع الأمر خضراء لكونها المحرك للأمريكيين لتوجيه ضربة عسكرية لنظام الرئيس السوري القاتل لأبناء شعبه وتبين بما لايدع مجالا للشك أن الأسلحة الكيماوية هي قضية الولاياتالمتحدةالأمريكية الأولى والأخيرة أما الحديث عن حماية المدنيين فهو ذر للرماد في العيون ولم تعد القضية الأساسية هي المدنيون أو الشعب السوري لكون الشعب السوري الذي ضربه نظام الأسد بالأسلحة التقليدية من صواريخ وطائرات يفوق من ماتوا بالأسلحة الكيماوية آلاف المرات ناهيك عن المشردين والنازحين من ديارهم إلى الدول المجاورة وغيرها من الدول والمنافي. 4 وإذا خير أي مشفق على سوريا وشعب سوريا بين خيار الضربة العسكرية الأمريكية على سوريا من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين دخول النظام السوري في برنامج لتسليم الأسلحة الكيماوية للمجتمع الدولي فإن كل حريص على سوريا وشعبها يختار الضربة العسكرية الأمريكية ليس لكونها موجهة ضد نظام الرئيس السوري تحديدا أو لكون الشعب السوري نفسه لن يعاني من آثار هذه الضربة العسكرية ضد النظام في بلاده لكون هذا الشعب هو الموجود على أرض سوريا وهو المتأثر الأول والأخير ولكن ما يميز الضربة على برنامج الأسلحة الكيماوية المطروح حاليا أن سوريا كلها سوف تخضع لمراقبة العالم وأن الجهة الرسمية المتعاملة مع المجتمع الدولي في هذا الخصوص هو نظام الرئيس بشار الأسد لكونه هو الخبير والمسئول عن أسلحة الدمار الشامل وليس المعارضة ويري بعض الخبراء أن هذه العملية ربما إستغرقت خمسة عشر عاما حتي تكتمل عملية تسليم السلحة الكيماوية ما يعني تأخير الثورة والديمقراطية والحرية في سوريا أجيالا وأجيال كما يترتب علي ذلك تأجيل عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب في سوريا أجيالا أخري لا تري في بلادها غير الأنقاض والدمار في البنيات الأساسية وحديث لا ينتهي عن أسلحة الدمار الشامل أسوأ مما حدث في العراق من خراب ودمار ترتب علي الوضع العراقي في دمشق يدفع العراقيون ثمنه إلي يومنا هذا . 5 وليس هناك أسوأ مما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة بان قي مون علي إثر تصريح وزير الخارجية السوري حول تسليم نظام الأسد للسلاح الكيماوي عن إمكانية إقامة مناطق عازلة في سوريا وهذا يعني تدخل قوات أجنبية في الأراضي السورية وسيكون ذلك من خلال مجلس الأمن الدولي والبند السابع وهذا يتجاوز حالة الضربة العسكرية الأمريكية للنظام في دمشق بكثير بإعتبار أن الضربة الأمريكية ستكون ضربة جوية محددة الأهداف والغرض منها إضعاف القدرات العسكرية للنظام وعدم تمكينه من ضرب خصومه السياسيين ومعارضيه وفي هذه الحالة من الأفضل لكل السوريين توقيع مصالحة مع النظام السوري والاتفاق على انتقال سلمي للسلطة بدلا من إنتظار المجتمع الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لا هم لها غير مصالحها في أرجاء العالم كافة ولو سلمنا جدلا أن قضية السلاح الكيميائي قضية تهم كل العالم إلا أن الولاياتالمتحدة تستخدم في هذا الأمر سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل وأسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إسرائيل.