في صفحته الثقافية المتميزة:«رؤى واتجاهات» من صحيفة «الأحداث» الغراء بتاريخ السبت 7 من ربيع الاول 1431ه - 20 فبراير 2010م، العدد: 836 نشر الناقد خالد أحمد بابكر نصا جديدا لاستاذنا الشاعر عبد الله شابو «بيان يخصني»، والبيان من نصوص عام 2009م، وهو بذلك لربما مثل مرحلة جديدة من مراحل الشاعر التي ابتدأها بنصوص «أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين» - الصادرة عن دار الهنا بالقاهرة 1968م، ثم اعقبها «حاطب الليل» عن دار جامعة الخرطوم للنشر 1988م، ثم اخضر «شجر الحب الطيِّب» من سنيّ الثمانينيات حتى عام 2004م، ضمن «أزمنة الشاعر الثلاثة» التي صدرت في عام 2005م عن دار عزة للنشر والتوزيع. والبيان الشعري مثلما يتمدد في صوت طرفة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ٭٭ وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي ٭٭ فدعني أبادرها بما ملكت يدي أرى قبر نحامٍ بخيلٍ بماله ٭٭ كقبر غوي في البطالة مفسد فهو يتجاوز أيضا الى عصرنا الحديث، حيث أشهر صاحب «إشراقة» يراعته: أنا إن مت فلتمسني في شع ٭٭ ري تجدني مدثراً برقاعه في يميني يراع نابغة الفص ٭٭ حى ، وكل أمري رهين يراعه وفي عام 1974م - بمدينة الثغر - كان عالم عباس يكتب بيانه الشعري بلغة الفن، متجاوزا التقرير والهتاف: لكم احبتي، نقول الشعر، نرتقي، نهز جذعه، نطوله، نروده، ونحرق الاكف والعيون، نوقد الشموع بالدموع، نقتفي آثاره، نذوب في احتراقه، نضيع في حروبه، نبحر في اغترابه، نجيء غانمين مرهقين حاملين وهجه، وبرقه، وصدقه، وجاعلينه لكم وسادة. وفي مزاوجة أليفة بين الشعرية والفلسفة يكتب الشاعر عبد الله شابو «مانفستو» لفنه الحداثي ملخصا تجربته الإنسانية العميقة في الحياة، والنص يحمل عنوان البيان الشعري الذاتي «بيان يخصني» وأسواق الشعر ومرابده بعدُ أحق بالتجريب والمغامرة لي أفق يتسع لكل خيارات الآخِر ولأني أرفض أن أسجن في قفص الرأي الواحد تتمدد أغصاني تشرب من كل الأضواء وكل الأنداء بي عشق جارف أن أمشي بين الناس فريدا أعرض أزهاري في الشمس أسهم في كل حوارات العالم فأنا أيضاً أعرف أشياء جميلة أقدر أن أبيع أشياء جميلة أن أدخل في الجدل الناشط في الأشياء ان ادهشكم بالرأي النافذ كالضوء بالضحك الباسل في قلب المأساة لكني.. أضعف احيانا يقعدني البأس العاصف عن فهم الأشياء وشابو يحول السائد والعادي إلى شعرية لا متناهية، موظفاً التقنية العالية في «دعوته»: تفضلوا تفضلوا جميعكم تفضلوا فالبيت واسع فسيح وأرضه «مفروشة» بالعشب بالمعادن الكريمة وكله نوافذ للضوء والهواء والمطر لكنني أود لو تعلقوا المعاطف القديمة على المشاجب التي قضى على حديدها الصدأ أن تتركوا أحقادكم تموت لأنها تعيش زمانها الخطأ .. قوله :«أود لو تعلقوا» مما اضطره إليه بحث الشاعر الدائب عن الموسيقى الرنانة وهديرها الصاخب وامواجها المتلاطمة وأواذي بحارها العنيفة الهوجاء، وشابو موسيقار بارع في جانب ما عرف به من فلسفة مستفزة للذهن الوقاد، وصحة النحو تقتضي أن يقال - في غير الشعرية - «أود لو تعلقون»، لأن المضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الافعال الخمسة. واسند المضارع الى واو الجماعة، والضمير في محل رفع فاعل... ولا غرو إن كانت نصوص شابو من أقرب النصوص في ديوان الشعر السوداني الى لغة الترجمة، فهو يتصيد من الصور والأخيلة والفكر واللغة ما لا يتصيد، ويرفد ذلك كله في سماحة ويسر - من إحساسه وروحه... يختزل الشوارد ويقتنص الفكر ويوجز، ويلتقط شابو - غاية الإعجاب - في مدارسة الشمائل النبوية العطرة انه - صلوات الله وسلامة عليه - أوتي جوامع الكلم، ويلتقط شابو صورة مراوغة من المشاهد العصية النادرة: الوردة العجوز تكابر الورود في الصباح تراوغ الذبول وعندما يحين في سمائها المساء تنحني وحيدة وتبدأ البكاء..