٭ انتهت الانتخابات لتبدأ مرحلة ولاة دارفور الجديدة وهم محمد عثمان كبر والياً لشمال دارفور، وجعفر عبد الحكم لغربها ،وعبد الحميد كاشا لجنوبها، هذا الاقليم الذي تقسم الى ثلاث اقاليم أو ولايات عام 4991 كان يحكمة شخص واحد، منذ ان بدأت حضارته الحديثة عام 4051م، بدءاً بالسلطان سليمان سولونق وانتهاءً بالسلطان علي دينار عام 6191م الذي قضى عليه الانجليز، حيث اقتصروا أسباب القضاء عليه، أن علي دينار ظن أنه اقوى من الحكومة فأعلن العصيان، تزويراً للتاريخ بدأه الانجليز ثم تبعهم في ذلك بعض العملاء السودانيين الذين يدعون التخصص في التاريخ، والحقيقة ما هم الا عملاء وظيفتهم قتل الروح الوطنية في المناضلين السودانيين، فعندما قام البطل علي عبد اللطيف حقره أحدهم واعتبره ابن شوارع واردف اذا كانت هناك ثورة يجب ان يقوم بها ابناء القبائل وأبناء الاسر وطبقة التجار وليس امثال هؤلاء، فمثل هؤلاء العملاء وصفوا علي دينار بأنه عاصٍ فقط للحكومة، بما ان علي دينار وقف ضد الاستعمار وطنياً ووقف مع الخلافة الاسلامية حتى قضى نحبه شهيداً عقب قيام الحرب العالمية الاولى والتي انقسم فيها المتحاربون العالميون الى الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا والمحور وعلى رأسهم المانيا ومع المانيا وقفت الخلافة الاسلامية، فكلما طمس تاريخ هتلر والذي فيه اشراقات كثيرة قتل تاريخ علي دينار، حيث تم غزو بلاده وبأيادٍ سودانية، سلبت ممتلكاته وسبيت نساؤه، ومزقت وثائق دولته، بعد نهاية فترة علي دينار، حكم الاقليم مدير مديرية انجليزي حتى نهاية مدة الحكم الثنائي، ليحكمه الوطنيون، مدير تلو مدير حتى جاءت الانقاذ عام 8991 لتلغي ذلك النظام في اواسط التسعينات من القرن الماضي. المعروف تاريخياً ان اقليم دارفور صعب المراس وعنيف المزاج، يعكر صفوه عاصفة صغيرة يمكن ان ينحني لها فتمر بسلام، لذلك كان الانجليز لا يصدرون اليه الا اداري فذ يتصف بصفات اللين في وقته والشدة في وقتها، راعى ذلك الامر الوطنيون الذين اعقبوهم في حكم السودان، فكان من حكامه الشيخ ابو سن وأحمد مكي عبده، وعثمان محمد حسين، والطيب المرضي، ومن أبناء دارفور أحمد ابراهيم دريج، والتجاني سيسي، بل ان الانجليز يعتبرون حاكم دارفور اعلى رتبة من جميع الحكام الآخرين حتى ولاية الخرطوم والنيل الازرق. والآن وبعد ان اصبحت دارفور ثلاث ولايات وتم استرجاعها لابنائها وبطريقة انتخابية شعبية رغم رأى الكثيرين في طريقة انتخابهم الا أنه تبقى الفكرة وهى حكم الاقليم بأبنائه انتخابياً. هذه السنة الجديدة تلقى بتبعاتها على الحكام الجدد. اولاً هم منتخبون من شعبهم وهذه لها أهميتها فلا يجوز بعد هذا التاريخ الرجوع الى المركز في كل لحظة، على الوالي اختيار كوادره التي تعنيه دون ارجوع الى أى جهة ولا حتى سرياً لأنه هو الذي يحاسب امام الشعب وليس شخص اخر غيره حتى ولو كان ذلك رئيس الجمهورية. في السابق الحاكم كان يُعين من المركز بتزكية من المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، فطبيعي ان (يدنقر) الحاكم لكل هؤلاء لأنهم هم الذين أتوا به أما الآن فقد جاء به الشعب فيجب ان يُحيي هذا الشعب ويمتطي حصانه بأمره ويترجل بأمره هذا هو الفهم الصحيح للديمقراطية، والا تكون ديمقراطية المؤتمر الوطني من نوع آخر. الشيء الثاني فليعلم الولاة الجدد ان بينهم قضايا مشتركة اولها الترتيبات الامنية، فقبائل الاقليم كلها قبائل مشتركة دماً ولحماً ومعاشاً، ثانياً الولايات الثلاث تجاور دولاً ملتهبة كل نيرانها تنعكس على دارفور، الاقليم في شماله وغربه وجنوبه يعيش حالات عصيان من بعض أبنائه ضد المركز وهذه يتحتم على الولاة ان يتعاملوا معها بفهم مشترك واحد. الاقليم يعيش حالات اقتصادية متشابهة من حيث الفقر المدقع الذي ضرب بأطنابه على المواطنين ومن حيث فزع الحرب القبلية الى ضربت جنوب دارفور في الآونة الاخيرة مع قليل من غرب دارفور وانعدام في شمالها في الآونة الاخيرة، هذه وغيرها من الملابسات تجعل من الضروري ان يكون هناك جسم مشترك بين هؤلاء الولاة ينسق لهذه المهام لراحة المواطن، هناك لصوص ينهبون من شمال دارفور لتباع مسروقاتهم في جنوب دارفور، وهكذا هناك من يقومون بفتنة قبلية وهم من خارج نطاق الولاية وهكذا من أحداث، ولنضرب مثلاً بسيطاً يقرب هذا الفهم فسوق المواسير الحفرة التي وقع فيها مواطنو شمال دارفور نجا منها أهل جنوب دارفور بفضل وعي مسؤولي الولاية وعلى رأسهم الوالي السابق علي محمود، فاذا كان هناك فهم مشترك في مثل هذه الاشياء لنجا الجميع، الولايات الثلاث وكما قلت تعيش اوضاعاً شاذة ومقيتة كالترهل الاداري سواء في الخدمة المدنية التي تعوزها الكفاءات أو الترهل في الادارة الاهلية والتي بها فائض من العُمد ما يعوق تقدم الادارة الاهلية، ويزيد من البلبلة الامنية والحاجة الماسة للخدمات في جميع أنحاء الاقليم، كل هذه المآسي تزيد من أهمية دور الولاة واتساع أفقهم وضرورة استعمال الحزم والعزم. فرحت جداً بمبادرة الاخ عبد الحميد كاشا والي ولاية جنوب دارفور عندما طار في اولي لحظات التوتر بين المسيرية والرزيقات في مثلث برمودا السودان مثلث شمال بحر الغزال في كردفان وجنوب دارفور، فحضوره المبكر قتل شيطان الحرب القبلية في مهده، هذا الامر المفقود في كل الولاة السابقين. هذا هو المرجو والمأمول في ابنائنا أبناء دارفور الحكام الجدد. كل املي عندما يجيء وقت كشف الحساب ان تكون كتبهم بيضاء من غير سوء. ضعوا الآية الكريمة «مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها» نصب أعينكم والله المستعان.