٭ في هذا الحديث يأتي خطاب الاستاذة الدكتورة خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية في افتتاح المؤتمر الدولي السادس للتصوف والطرق الصوفية في المجتمعات الافريقية بقاعة الملتقى العلمي بمنطقة (جانت) جنوب شرق الجزائر. فقد انعقدت الدورة العالمية السادسة للطرق الصوفية الافريقية في مقرها الجديد بقاعة الملتقي العلمي بمنطقة «جانت» التي تقع في اقصى الجنوب الشرقي من الجزائر العاصمة على بعد الفين وثلثمائة كيلومتر. وكانت رحلتنا لها بالطائرة التي استغرقت أكثر من ساعتين ونصف الساعة بالتقريب، حيث تم افتتاح المؤتمر في العاشرة من صباح الاثنين الرابع عشر من ديسمبر 9002 بحضور مديرة ديوان الثقافة الجزائرية والاستاذ الدكتور سليمان ياجي مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الانسان والتاريخ وهيئة مكتبه وبعض المسؤولين من وزارة الثقافة الجزائرية، وتمت كلمة الافتتاح التي اعدتها السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة التي قدمتها نيابة عنها مديرة ديوان الثقافة الجزائرية في منصة ثلعة الملتقى الثقافي مدينة «جانت». وكانت الكلمة معدة باللغة الفرنسية وجاءت ترجمتها بالعربية على النحو الآتي:- ها نحن اليوم بينكم في الطبعة السادسة للملتقى الدولي حول التصوف ( ثقافة وموسيقى) الذي ينعقد بالواحة الجميلة (جانت) بعد ان تكرمت من مستغانو، وتلمسان، وبحاية، والجزائر، ونيزي، ووزو باحتضانه في السنوات الخمس الماضية. وما كان في البداية أفكار ترسخ ورسخت سريعاً في أذهاننا، ونواصل التطور في هذه الدورة ليصبح تقليداً حقيقياً يرفع من مكانة هذه المؤسسة التي قام المركز الوطني للبحوث ما قبل التاريخ وعلم الانسان والتاريخ الذي قام بتأسيسها سنة 4002م وإن عشرات الباحثين والباحثات من كل دول العالم قد تناوبوا منذ ذلك على هذه المنصة من أجل نشر المعرفة وخلق نقاش نظري في مادة شديدة الاهمية، حيث مر الملتقى بخطى بمكانة مهمة تليق بمقامه بين الملتقيات الاخرى ضمن المجتمع الجزائري وذاته ولماذا؟ فالجواب يمكن ان يكون إشكالية ضمت المجتمعات الافريقية والمتوسطية وكل العالم الاسلامي، عابرين الازمات العميقة ومقتضيات العولمة الشرسة التي لا تستأذن في مجاملاتها وتعمل على مسح الثقافات وتدمير كل ما له علاقة بالتقاليد وقيم التضامن التي تكونت عبر قرون تاريخية عدة. وهى مازالت تلعب دوراً نفسياً وروحياً في معظم المجالات الاسلامية. إن الإسلام يجد نفسه اليوم مستهدفاً من طرف حركات اصولية تستخدم العنف وفق المصالح الاجنبية واجندتها في كل تاريخنا ومعظم المجتمعات الاسلامية، حيث ان هذه الحركات كانت تختفي بصورة سريعة لحسن الحظ دون ان تكتمل من خلف او قاعدة ضمن مجتمعاتنا الافريقية والعالم الاسلامي. فالاسلام اصبح مرتبطاً بالصوفية لدرجة تمكننا من القول إنها طريقة الصعود الروحي نحو النور والتوصل الى أنوار المعرفة والعلوم. سيداتي سادتي: في دراستنا لتاريخ مجتمعاتنا تبرز نقاط من هذا التاريخ، لنجد ونكتشف أنه منذ اللحظة الاولى لظهور الاسلام وانتشاره ضمن المجمعات الاسلامية لقارتنا، أن ديننا قد انتشر من الاقرب الى الاقرب في جنوب الصحراء، انطلاقاً من نهر السنغال الذي كان منطلقاً لهذه الحركة الذي اعطى الاهمية التي تستحقها هذه الحركة. فالصحراء كانت حتى بداية القرن العشرين هى المكان المناسب والطريق الذي سمح بفتح المبادلات الثقافية والحضارية الاكثر ثراءً وهى الطرق الصوفية التي قامت باختصار الطريق والمسافة بين الضفتين في تلك المنطقة الشاسعة التي تشمل موقعاً مهماً، لأن النيل الاستعماري هو الذي قام بقطع هذا الطريق وحول بقوته المبادلات الاقتصادية والحضارية. إن الايديولوجيا الاستعمارية لم تقف عند حدود القوة، بل كانت تدخل عن طريق الامكانيات العلمية التي تعتمد على تطبيق الاضافات الى المؤسسات الدينية الخالصة في معاملة مسخ وتحويل خطير، ووضعت إصلاحات وإمكانيات سياسية من أجل مسخ ومحو ما تم بناؤه خلال قرون من التفكير الانساني المهم في جنوب وشمال القارة الافريقية. ونحن نعلم في النهاية أن التطبيق الصوفي يجب أن يبقى كما عُرف على مدى قرون مضت، وكما هو معروف الآن في ظل حياة صعبة رغم مختلف أنواع العنف والمنع والاغتصاب، وهى أن الصوفية تواصل تبليغ رسالة اسلامية تدعو الى السلام، ويصبح الفرد من اتباعها متسامحا ومتفاهما مع ذاته مع العالم باسلام ذات روحية عالية، داعياً الى الانسانية كما هو، ظاهراً من خلال الرسالة الاسلامية. اليوم سيداتي وسادتي: الصوفية هى صوفية الطريقة التطبيقية تظهر كل يوم، فوجدت البقاء الدائم، ولن تختفي عنا في يوم من الايام. فلا الاستعمار ولا الازمات السياسية تستطيع تدمير قوتها ولا قوة مجتمعاتنا الاسلامية. فاليوم نحن مطالبون بالحرص على عدم المساس بالطرق الصوفية، بمعنى عدم محاولة حصر الطريق الصوفي في اطار وطني ضيق، لأن كل تاريخ الصوفية يظهر في جوهرها العالمي، حيث لا يوجد شخص لا يعرف سيدي عبد القادر الجيلاني المولود بايران وقد نشأ في بغداد، إذ أن الطريقة القادرية الجيلانية ولدت في بغداد، واصبح العالم أجمع يعلم أن الطريقة القادرية طريقة عالمية تضم ملايين المسلمين عبر القارات الخمس، فالقادريون ليسوا هم العراقيون فقط. كما لا يوجد احد لا يعلم ان الشيخ احمد بن ادريس الفارسي ولد بغرب فاس بالمغرب الاقصى، وإن العالم يعلم أن الطريقة الاحمدية الادريسية ولدت عام 9971م بمكة المكرمة، وانتشرت سريعاً باليمن ودخلت السودان بطريقتين، وهما الاحمدية الادريسية الاصل والطريقة الميرغنية التي أسسها الشيخ محمد عثمان الميرغني في السودان، وتفرعت منها الطريقة الاسماعيلية للشيخ اسماعيل الولي بمدينة الابيض وسط السودان، كما عرفت في افريقيا الانجلوفونية وهى الطريقة التي لا يعرف وجودها بالمغرب. وكما يعلم الكل أن سيدي احمد التيجاني ولد في عين ماضي بالجزائر، وحفظ القرآن الكريم من الابيض سيدي نسيخ عن ظهر قلب.. وهى الطريقة التي تأسست بأبو سمعون بالجزائر (وعين الاخير شوغو) بفاس بالمغرب الاقصى. فالكل يعلم أن الطريقة التيجانية قد انتشرت في العالم ووصلت حتى المكسيك وواشنطن ومن قبلها في افريقيا، لتصبح عصية على السيطرة. كما الكل يعلم أن الشيخ محمد بن علي السنوسي قد ولد في سيد علي غرب مشتقام بالجزائر، والكل يعلم كذلك ان الطريقة السنوسية ظهرت سنة 8381م بمكة المكرمة، واستقرت بأقصى الجنوبالجزائري، وكان موقعها في الواحات الجميلة التي هى الآن في «جانت» التي يعقد في داخلها الآن مؤتمر الملتقى الدولي السادس حول التصوف في الفترة من 41/71 نوفمبر 9002م. وأخيراً فالكل يعلم أيضاً ان الشيخ احمد بن مصطفى عليوه المستغانمي ولد في مدينة مستغانم، وأن الطريقة العلاوية ولدت في تلك المدينة، ويعلم أيضاً ان الطريقة العلاوية معروفة في اوربا وامريكا الشمالية وخاصة في العالم (الانجلوسكسوني)، رغم ان هنالك محاولات خاطئة في محاولة توطينها. سيداتي سادتي: إن الطرق الصوفية تبرز لنا اليوم ونحن في مجتمعنا العلمي بجانت، الطريق نحو ديانة أخذت المعنى العالمي وتحترم الأخذ من كل المشارق، وهو الطريق المتعدد اللغات والشعوب والاوطان، فهى تعطي درساً في الوحدة وتثبيت وحدة الدم لوحدة البشر في اطار قبول اختلافاتنا، واطار حب الانسانية من مختلف الاجناس، ووحدة المجتمعات الافريقية التي ظهرت بأنها نسيج في نشر هذه الرسالة من خلال القرون، وهى اليوم دائماً وابداً معنية بمستقبل كل الإنسانية، وعلى ملتقاكم السادس للصوفية ان يظهر ويعطي المثال في ما يخص وما يضيفه لمفهوم التفكير، وأن يدوم طويلاً. وأعلن رسمياً عن افتتاح اشغال الطبعة السادسة لملتقى التصوف (الثقافة والموسيقى) في اطار المهرجان الثقافي الافريقي الثاني.. ولكم الشكر. لقد كنت من المتابعين بدقة كاملة لخطاب افتتاح الدورة التي قدمته وزيرة الثقافة الجزائرية في افتتاح المؤتمر الدولي السادس للتصوف والطرق الصوفية في المجتمعات الافريقية بمنطقة (جانت) جنوب شرق الجزائر. فقد كان في فحواه خطاب نابع من اصل اسلامي فيه، تمكيناً للمثقف المسلم الصوفي، وانعاشاً للتراث الصوفي، ودعامة رئيسية لبناء اسلامية المعرفة الصوفية في العالم العربي والافريقي. كما اشارت في خطابها إلى الجهود العظيمة التي يؤديها هذا اللقاء المتواصل سنوياً لمحاور الباحثين في الصوفية التي تعتبر منطلقاً من منطلقات الفكر الإسلامي المعاصر ومناهجه في القرآن الكريم والسنة المحمدية التي ظهرت معالمها مع المتصوفين في العالم العربي، إذ أن المبدأ الصوفي يعتبر ثمرة من ثمرات الصحوة الاسلامية المعاصرة التي احتفظت بمكانتها الدينية الشعبية، وقائمة بدورها في نشر الدعوة الإسلامية في العالم الإفريقي، باعتباره النور المشع لمبادئ الحركة الصوفية التي اصبح لها منهج فكري إسلامي من المخلصين من شيخوها. كما أشار خطابها إلى جهود المؤتمر الصوفي في استثمار الطاقات، وجهود علماء وشيوخ الصوفية لدعوة ذكر الله سبحانه وتعالى وكتابه الكريم، ورفع روح الانتاج العلمي، وبلورة الفكر بالإسهام في المؤتمرات الصوفية وما يتخللها من ندوات وحلقات فكرية. إن الجهود الصوفية من خلال المؤتمرات العلمية قد أصبحت من المناهج الأساسية التي تهتم بالأفكار الإسلامية ومناهجها في ذكر الله سبحانه وتعالى باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدعوة الإسلامية في الدول غير العربية، كما هو الحال في الغرب الإفريقي وحوض البحر الأبيض المتوسط بوسائله الفعالة، ليكون إطاراً مؤثراً ومتفاعلاً مع جيل الروَّاد والسلف الصالح. وفي النهاية أشيد بخطابها العظيم الذي يوصي بالاهتمام بتنمية العقول العلمية المنهجية الصوفية في مجالات العلم والمعرفة الاجتماعية والإنسانية الدينية، وتطور منهجية الفكر الصوفي في الساحة الإفريقية والله الموفق.