٭ ينظر كل المواطنين الى الحكومة القادمة بآمال شتى وتوقعات مختلفة، كل من حيث يتوقع ويريد. البعض يفترض لها ان تكون حكومة قوية وتسعى لتحقيق البرنامج الذي طرحه الرئيس في حملته الانتخابية، والبعض يريدها حكومة قاعدة عريضة تشترك فيها غالب القوى الحزبية لتشكل حكومة وحدة وطنية، كما ينظر اليها طرف آخر بأن تكون حكومة انجاز اقتصادي تسعى لحراك السوق والتجارة وتنشط حركة الاقتصاد وتدير عجلة الانتاج المتوقعة في اغلب المصانع وتحقق شعار نأكل مما نزرع، وتعمل على القضاء على البطالة. إن للحكومة القادمة أهدافاً معلومة حددها البرنامج الانتخابي للسيد الرئيس، ولكي تكون هذه الاهداف ممكنة التحقق يجب ان يتوافر للحكومة المناخ المعافى للتنفيذ، ولن يحدث ذلك إلا اذا توحدت نحوها رؤى كافة الوزارات وقامت على أساسها كافة الخطط والبرامج، وهذا يتطلب فعالية وكفاءة عاليتين من فريق الوزراء، ونعني بكلمة فعالية البرنامج الصحيح الذي يتوافق مع السياسة التي اختطها الرئيس في برنامجه، ولا يكفي أن يتميز الوزراء بالكفاءة العالية اذا ضعفت فعاليتهم، لأننا بذلك نزيد الهدم ونكرس الأخطاء. إن من مواصفات الفريق الفاعل أن يكون افراده متجانسين يحمل كل فرد فيه رغبة حقيقية للتعاون مع الآخر، وأن يكون افراده منفتحين ويثقون في بعضهم البعض، ويتخذ افراد الفريق قراراتهم بالاتفاق والإجماع وليس بالتصويت وممارسة الضغوط، كما يعمل كل افراد الفريق لتحقيق أهداف مشتركة يؤمنون بها جميعاً ولا يعمل بعض منهم لأجندة خفية أو تخالف اجندة بقية الفريق. إن الفريق الفاعل لا يخاف من الاعتراف بتعارض الافكار فيه وإنما يتخذ ذلك ليكون اداة لتفاعل الافراد في الفريق. إن تكوين حكومة قاعدة عريضة فكرة سديدة لو اجتمع لها نفر متجانس يؤمن ببرنامج الرئيس ويسعى لتحقيقه، ولو نجحت في استقطاب كفاءات أجدر من الاحزاب، ولو تحقق في أعضائها التجرد والعمل للبرنامج المعلن واختفت الاجندة الخفية والرغبات والاطماع الحزبية والشخصية. ويجب أن يكون لهذه الحكومة هيكل تنظيمي يراعي الحاجة الفعلية للعدد المحدد من الوزارات دون النظر لإنشاء وزارت للترضيات، فما يضر الحكومة غير ترهل هيكلي تضيع في زحمته السياسات وتغيب الاهداف وتتشاكس فيه الوزارات، وترتفع فيه التكاليف والمصروفات. إن اجتماع ممثلين من أحزاب شتى في حكومة واحدة يؤدي الى تكوين مجموعات صغيرة داخل المجلس مما يزيد من فرص عدم الثقة بين الأعضاء، والمجلس بهذا الشكل لا يكون فريقاً متجانساً بل مجموعة من الافراد تجتمع وتنفض دون تحقيق أهدافها لتعارض هذه الاهداف والاختلاف الرؤى والبرامج. والسؤال المطروح: هل يملك حزب محترم أن يتنازل عن برنامجه المعلن والذي تم على أساسه اختيار نوابه بواسطة جماهيره؟ فالحزب إن فعل ذلك فهى انتهازية، وإن لم يفعل والتزم ببرنامج حزبه فهو الخلاف والتشاكس. إن كل حكومة يتم تكوينها بائتلاف أحزاب شتى تتوافق على تقسيم الحقائب الوزارية ولا تضع ميثاقاً للتوافق حول برنامج، مما يؤدي لفشل الحكومة كلها، وغالباً يتم تكوين هكذا حكومة بغرض إرضاء السياسيين دون النظر لفعاليتهم، والاحزاب نفسها لا تختار القوي الأمين من بينها، ودوماً تغيب في هذه الحكومة السياسة الراشدة والبرنامج المشترك. إن تكرار تجربة الحكومات الائتلافية التي قامت منذ الاستقلال لا يُبشر بخير، وقد فشلت من اول حكومة اختلف قادتها فأسلموا الحكم للجيش طواعية، ولا زال المشهد يتكرر فشلاً واختلافاً. لن تكون للحكومة القادمة فعالية وكفاءة اذا اشترك فيها شركاء متشاكسون يسعى كل منهم لتحقيق أهداف تخالف أهداف الآخر، وهل يستوي مجلس سلماً للرئيس مع مجلس متشاكس؟ ولن يكون هذا المجلس سلماً إلا اذا كان يرمي جميع أعضائه عن قوس واحدة في الفكر والاهداف والبرامج. والرأي عندي، ولمصلحة الوطن، وحتى تكون الحكومة فاعلة في ادائها، أن تقوم كلها على الولاء للمؤتمر الوطني، لأن في ذلك ضمان لوحدة الهدف والبرنامج، ويستطيع المؤتمر الوطني أن يختار القوي الأمين من بين أعضائه. وللقوي الأمين مطلوبات كثيرة تتعلق بالكفاءة والقوة والعلم والقدرة والتحمل والامانة والصدق والتجرد وبالايمان العميق بقضايا الجماهير وأمن الوطني وسلامته. وهذا الرأي لا يدعو لاحتكار السلطة لحزب واحد أو إبعاداً للآخرين، ولو فاز غير المؤتمر الوطني لدعوت له بتكوين الحكومة منفرداً، وذلك لغرض تكوين حكومة قوية تقابلها معارضة قوية، يتفاعلان معاً لتحقيق المصلحة القومية. إن ائتلاف الأحزاب من أجل الاشتراك في الحكم يفقد المعارضة قوتها وفاعليتها، كما يفقد الحكومة قدرتها على العمل الجاد. والمعارضة القوية تساهم مساهمة فاعلة في تقديم البدائل لحل مشاكل البلاد. وحكومة القاعدة العريضة لا تجد ناقداً بصيراً، فالجميع يسبحون بحمد الحكومة أو يسكتون للحفاظ على مكاسبهم الشخصية. والمطلوب تكوين معارضة حية، تدرك أنها بديل صالح للحكومة، فتنشط بفعلها الساحة السياسية وتتولد بعملها خطط بديلة تُحيي الروح في جسد الحزب الحاكم فيزداد فاعلية وقوة، وتنشط بذلك كل القوى السياسية، ولأنها سُنة الله في عباده ان يتدافعوا حتى تقوم الحضارات وتشيد الصوامع والبيع وتقام الصلوات. إن الاشتراك في الحكم يتطلب حداً ادنى من الاتفاق على المنهج، وهذه الأحزاب، التاريخية منها، فشلت منذ الاستقلال في أن تحكم بمنهج معلوم أو بخطة استراتيجية، ولقد اتصفت بضعف شديد في تعلم اساليب الحكم والإدارة الحديثة، واعتمدت في خطابها على تناول العموميات، وهى قد فشلت تماماً في تحقيق أي نوع من التنمية. ولقد آن الآوان لأن يتحاكم الناس الى المناهج القويمة في الحكم، وأن يحكموا على قياداتهم بحسن ادائها وجميل تدبيرها لمعاشهم وسياستهم، فقد ولى عهد التأييد الأعمى الذي يقوم على الولاء الطائفي. كما يزيد الأمر سوءاً هذه الشظايا التي تناثرت من الاحزاب الكبرى بانتهازية أو نتيجة يأس من قياداتها، فأوقعها ضعفها وقلة فكرها في أن تقبل بمشاركة في الحكم لا تضيف شيئاً للحكومة. لقد تطور العالم من حولنا وتقدم كثيراً في تطوير نظريات الحكم والإدارة، وابتداع أساليب ومناهج متقدمة في التطوير والتحسين وتجاوز بجدارة كل العوائق التي تحول دون تطور الشعوب ورفاهيتها. ونحن لا زلنا نرهن بلادنا لسياسات النصف الاول من القرن الماضي، والعالم حولنا قفز من القرن الحالي ويستعد منذ الآن لما بعد ذلك، ووثقنا في قيادات لم تحسن القيادة وتجهل تماماً كل وسائل المعرفة الحديثة وتغفل عن كل نظريات القيادة المتطورة. إننا لن تنفعنا حكومة مؤتلفة لا تتفق على رؤية موحدة ولا تعي رسالة واحدة. والناظر في الساحة السياسية يرى تخبطاً ويسمع قيادات تتحدث فيما لا تدرك وتهرف بما لا تعرف، وفقدت القدرة على معرفة وإدراك التحولات الكبيرة التي حدثت في المجتمع، فهى لا زالت ترهن الأمور لامانيها واحلامها، وتعجز عن نفع حزبها فهل تنفع في دفع حكومة يرجو الناس لها أن تخرج بهم لبر الأمان في مواجهة تحديات كبيرة تتطلب جهداً فكرياً عميقاً وعملاً سياسياً راشداً.