انتصف شهر مارس 2010، وكنت وقتها قد أطفأت الشمعات احتفالا بمرور ثلاث سنوات على انضمامي لصحيفة الصحافة الغراء. وفكرت حينها أن أكتب مقالا أشكر فيه الصحافة على استضافتي وأظهر للقارئ امتناني على حسن الاستقبال، ولكنني عدلت عن ذلك. فقد أحسست أن تقديم شكري يجب أن يكون عن طريق التواصل مع القارئ. اما عن طريق المقال أو البريد الاليكتروني. في خلال هذه السنوات الثلاث تعرفت على كثير من الناس بل وصارت لي صداقات عديدة قربت مسافات الغربة التي احتضنتني منذ الصغر. ثلاث سنوات لم أشعر فيها يوما أنني أرغب في الحصول على اجازة أو في التغيب عن عمودي، ولكنني وجدت نفسي بعد مرور هذه السنوات أطلب اجازة لمدة اسبوعين تبدأ منذ التاسع من أبريل.. لم يكن سبب طلبي للاجازة هو رغبتي في الابتعاد عن العمود أو القراء، بل كان السبب هو ان طبيبتي قد قررت في ذلك اليوم أن أخضع لعملية أضع فيها مولودي. وقد كان، وحضر ابني «عمار» لينضم الى أخويه هاشم «سبع » وشهاب «خمس » سنوات. وبعد عدة أيام من خروجي من المستشفى، بدأت حالتي تتحسن وبدأت حركة أرجل المهنئين تهدأ، وحينها أرسلت الى ادارة الصحيفة أعلن ميعاد عودة عمودي. كان ينتابني احساس بالشوق الشديد للامساك بالقلم ، كنت أشعر برغبة شديدة لعناق أعين القراء ولمناقشة آرائهم التي قد تتفق أو تتباين مع أفكاري، كان لديّ احساس بالفرحة الشديدة وأنا أشعر أن يوم عودتي الذي كان مقررا له نهاية أبريل قد اقترب وانني، أخيرا، سأتمكن من الجلوس مع نفسي لترتيب أفكاري ولكتابة كلماتي، ولكن القدر له دوما دوره الذي يلعبه. قبيل يومين فقط من موعد ارسال مقالي، وجدتني أشعر بآلام حادة بيدي اليسرى وظهري. كان الألم حادا، وحاولت بداية أن أتجاهله وأن أصرفه عني ببضعة حبيبات لتخفيف الألم .وكان الألم يغيب ثم يعاود الظهور بنبرة أحد من الأولى.. حتى فقدت في النهاية قدرتي على السيطرة على نفسي وعلى مقدرتي على التحدث ثم التنفس. ونقلت سريعا الى قسم الطوارئ حيث تم اسعافي هناك وكتب لي بهذا عمر جديد. وهذه تجربة أعد القارئ بأن أكتبها بالتفصيل عما قريب. وبينما كنت على فراش المرض في المستشفى، كانت تصلني في البداية رسائل الاستفسار عن الغياب وعن موعد العودة المزمع الى ميادين الكتابة الغراء. لكنني كنت مقعدة وعاجزة عن الرد على الاستفسارات، ثم بدأ خبر مرضي ينتشر فصارت تصلني الدعوات الصالحات من الأهل والأقارب والقراء. وحينما بدأت أشد عودي وجدتني أمسك قلمي لأكتب عمود شكر بداية لأسرة الصحافة السودانية عموما و لصحيفة الصحافة خصوصا التي أمطرتني أسرتها بكرمها وبسؤالها المستديم.. ولأقدم كذلك امتناني للقراء الذين سألوا وراسلوا ودعوا فبفضل الله ومحبتكم ودعواتكم أترك اليوم فراش المرض خلفي وأهرع الى عمودي على وعد بالتواصل المستمر مرة أخرى يومي الأحد والأربعاء. لكم جميعا شكري الجزيل وعميق امتناني.