لقد أثبتت وزارة التربية بولاية الخرطوم عجزها عن تأهيل مدارسها، وهي تطالب بتمديد العطلة لمدة أسبوعين بحجة إكمال الإجلاس وإعداد تقويم بداية العام الدراسي..!! فهل يعقل أن تستطيع الوزارة في هذين الأسبوعين ما عجزت عن عمله طيلة فترة الإجازة..؟! وما الذي كان يشغل الوزارة أكثر من وضع تقويم للعام الدراسي فقط..؟! المشكلة ليست مشكلة تأجيل وتقديم كما أعلنت الوزارة، وإنما هنالك تخبط واضح في السياسة التعليمية برمتها! وإلا فما جدوى وجود وزارة للتربية والتعليم في ظل انعدام التقويم والخطط الدراسية؟! وماذا ننتظر من وزارة تعجز عن إجلاس تلاميذها؟! وقبل ذلك عجزت عن طباعة الكتاب المدرسي الذي تركت أمره للمطابع الخاصة منذ العام الماضي..!! فهل ستستطيع الوزارة سد النقص الحاد في عدد المعلمين بنهاية الأسبوعين؟! وكيف لنا أن نضمن أنها لن تلجأ إلى سد النقص عن طريق الاستعانة بالمتطوعين من طلاب التربية المتدربين ومن مجندي الخدمة الوطنية كعادتها في السنوات السابقة؟! بل هنالك تخصصات في المرحلة الثانوية يمتحن فيها الطلاب بجهدهم الفردي في ظل نقص معلميها..!! وسياسة العطلات ليست الطريقة المثلى لإدارة أمر التعليم بالبلاد، فبعد فترة وجيزة سيأتي الخريف وما أدراك ما الخريف؟ ولن تقوى جدران وسقوف المدارس الحكومية على الصمود أمام عواصف الأمطار..!! وستفعل الوزارة كما فعلت في العام السابق، منح المدارس عطلة ريثما تتم صيانتها..!! وستكون المحصلة النهائية أنه لا توجد مدارس ولا معلمون ولا كتب..!! ولا حتى فطور..!! وكنت قد قرأت تقريراً مفاده أن أكثر من مائة تلميذ في بضع مدارس حكومية بمحلية الشجرة يذهبون إلى مدارسهم ويعودون دون أن يتناولوا وجبة الإفطار..!! والثابت فقط أن هنالك مجموعة من الأطفال الضائعين ممن يرتدون زيّاً موحداً ويحملون حقائب مهترئة! يذهبون ويعودون في رحلة عبثية من أجل لا شيء، والنتيجة ضياع جيل كامل من أبنائنا، والسبب سياسات الوزارة التدميرية..!! وأنا شخصياً مقتنع تماماً بعدم جدوى وجود المدارس الحكومية في ظل الإهمال المتعمد الذي تعانيه من قبل الوزارة، بل إنني أرى أن هذه المدارس بشكلها الحالي هي أكبر معوق للتعليم، وأنها تساهم في تحطيم مستقبل أبنائنا الأكاديمي! وأتحدى أي مسؤول في الدولة يبعث بأبنائه للتعلم في مدارس الحكومة..!! فأبناء المسؤولين كلهم يدرسون بالمدارس الخاصة، ابتداءً من أبناء نائب الرئيس وحتى أبناء وزير التربية والتعليم..!! وكلهم مميزون ومهذبون! إذن لماذا هذا الإجحاف في حق أبناء الفقراء والمساكين وبقية المواطنين؟ هل هذه هي ديمقراطية التعليم..؟! نحن لا نريد أن نصبح وزراء أو دستوريين..!! ولكن ألا يحق لأبنائنا أن يتعلموا مثل أبناء الوزراء، فهل هذا كثير على أطفال أبرياء وأذكياء..؟! التعليم في كنانة وجياد والمصفاة يتم عن طريق التعاقد مع مؤسسة المجلس الإفريقي للتعليم الخاص، بحيث تدفع الدولة مبالغ مالية للمؤسسة التعليمية، مقابل أن يتلقى التلاميذ تعليماً عالي الجودة يتوفر فيه النشاط المدرسي والترحيل والزي الموحد والرحلات العلمية والمخيمات والكتب والوسائل التعليمية..!! لذلك لا عجب أن يتفوق أبناء كنانة على أبناء كسلا والفاشر ودنقلا والدمازين..!! ولا عجب أن يكون أول الشهادة السودانية من كنانة، بينما يكون الفاقد التربوي من الولايات الأقل نموءاً كما يحلو لوزارة التعليم العالي تسميتهم..!! بالله عليكم كم من طبيب ومهندس وعالم أضاعتهم الوزارة بسبب سياساتها الفاشلة..؟! لقد نجحت المدارس الخاصة في كنانة وغيرها، فلماذا لا تعمم هذه الفكرة على كل مدارس السودان، لتستفيد من خبرات المؤسسات التعليمية الخاصة التي تأتي بالمناهج العالمية وتلتزم بالمعايير التربوية..؟! المستقبل سيكون للذين درسوا بالمدارس الخاصة، ويتضح ذلك من نتيجة امتحان الأساس لولاية الخرطوم التي بها أكبر عدد من الطلاب في السودان..!! ولو نظرنا إلى قائمة الشرف لهذا العام سنجد أن أكثر من مائتي تلميذ ممن أحرزوا المراكز الأولى هم من تلاميذ المدارس الخاصة..!! بينما لا يتجاوز عدد تلاميذ المدارس الحكومية أصابع اليدين..!! فالتفوق لتلاميذ المدارس الخاصة، وهؤلاء المتفوقون سيذهبون إلى المدارس الثانوية النموذجية..!! والمدارس النموذجية شأن آخر لسنا بصدده الآن..!! بينما يضيع تلاميذ المدارس الحكومية مرة أخرى في ثانويات الحكومة..!! فما هو الحل لإنقاذ أبنائنا من شبح المدارس الحكومية..؟! الحل بسيط جداً! وهو أن تغلق الوزارة لحين إشعار آخر، مقابل أن تقوم لجنة من خارج الوزارة بحساب عدد التلاميذ في سن الدراسة، وأن تقوم بطرح عطاءات على المؤسسات الخاصة المميزة، لتقوم كل مؤسسة بتحديد الخدمة التعليمية التي ستقدمها للتلاميذ. ونوع البيئة التي سيدرسون فيها، والتكلفة الكلية للعام الدراسي للتلميذ الواحد..!! فإذا استطاعت الدولة توفير المباني لهذه المؤسسات الخاصة، فإن تكلفة تعليم التلميذ الواحد لن تتجاوز ألف جنيه للعام الدراسي، شاملةً الكتب والترحيل والزي ومرتبات المعلمين..!! وأظن أن هذه التكلفة أقل بكثير مما يكلفه التعليم في ظل وجود وزارة للتربية والتعليم..!! ويمكن للحكومة إذا أطال الله في أيامها أن تخلص هذه الملايين من التلاميذ في شكل ضرائب يدفعونها بعد أن يصيروا أطباء أو اقتصاديين في المستقبل..!! وأنا واثق من أن التلاميذ سينبسطون كثيراً لهذه الفكرة، وأن الحكومة سترتاح من ميزانية الوزارة ومخصصاتها، وبإمكان الحكومة أن تستثمر موقع الوزارة المميز المطل على شارع النيل، بأن تعمل به فندقاً أو معرضاً للسيَّارات! أما موظفو الوزارة فليبحثوا لهم عن وظائف في ذلك الفندق أو المعرض الجديد، وكفى الله المؤمنين شر القتال..!!